الشريط الاخباريسلايدسورية

الرئيس الأسد: مشروع سورية في وجه مشاريع التقسيم هو التمسك بالانتماء القومي

أكد الرئيس بشار الأسد أن الهوية القومية هي أساس وجود أي مجتمع، موضحا أن هدف الحرب على سورية لم يكن فقط ضرب بنيتها التحتية وقدراتها العسكرية والاقتصادية، بل كان هدفها أيضا تدمير وضرب الانتماء القومي للإنسان العربي، وتحويله إلى مجرد آلات تنفذ ما يملى عليها من القوى الاستعمارية.

جاء ذلك خلال استقبال الرئيس الأسد المشاركين في “الملتقى العربي لمواجهة الحلف الأمريكي الصهيوني الرجعي ودعم مقاومة الشعب الفلسطيني” الذي يبدأ أعماله اليوم في دمشق تحت رعاية الرئيس الأسد، ويستمر ليومين، بمشاركة نخبة من المفكرين العرب والسوريين إضافة إلى ممثلين عن أحزاب وتيارات عربية من بينها حزب البعث العربي الإشتراكي.

وشدد الرئيس الأسد خلال اللقاء على أن المطلوب اليوم هو عمل فعلي على الأرض يكرس الانتماء القومي بوعي وليس فقط كعاطفة، مضيفا أن البيانات السياسية على أهميتها لا تعيد بمفردها الألق للعروبة والانتماء العربي، مؤكدا أن “ضرب الانتماء القومي يعني ضرب خط الدفاع الأول الذي نمتلكه كمجتمع في وجه أي محاولات لغزو ثقافي أو فكري يهدف إلى تحويلنا إلى مجرد آلات مسلوبة الإرادة نتحرك بحسب مايُخطط لنا من الخارج..”.

وحذر الرئيس الأسد من مخاطر تراجع الانتماء القومي على القضية الفلسطينية، مؤكدا أن تصفية فلسطين والقضية الفلسطينية أمر سيحصل إن لم يتم تعزيز الانتماء لدى الشعوب العربية. وقال في هذا السياق إن “الحديث عن القضية الفلسطينية والانتماء العربي هو حديث عن شيء واحد لا ينفصل”.

وحدد الرئيس الأسد الكيفية التي تمت من خلالها عملية إضعاف الانتماء القومي، الأمر الذي بدأ العمل عليه لسنوات قبل مؤامرة الربيع العربي، وذلك عبر، أولاً، ضرب علاقة العروبة بالإسلام، وكان رأس حربة هذا المشروع “حركة الإخوان المسلمين” الإرهابية، وثانياً، عبر وضع القومية العربية في مواجهة القوميات الأخرى، في الوقت الذي كان الاستعمار يبذر بذور الفتنة بين القوميات المتنوعة في المنطقة واضعين القومية العربية في “قفص عرقي” بهدف إيجاد شرخ بين أقوام المنطقة الموجودة فيها عبر التاريخ.

أما النقطة الثالثة التي حددها الرئيس الأسد فتناولت الأداء السيء للحكومات العربية فيما يتعلق بالعمل على تعزيز الانتماء القومي لدى الشعوب العربية، مؤكدا أن بعض الحكومات وعبر الجامعة العربية أيضا ساهمت في ضرب القومية العربية، وقدمت الغطاء للتدخل الغربي في أكثر من بلد عربي، خاصة في ليبيا والعراق وسورية وفلسطين.

والنقطة الرابعة هي اتهام العروبة بأنها مرادف للتخلف، مستخدمين أدوات العولمة لجعل أي طرح قومي يظهر بمظهر المتخلف الأمر الذي تسبب بابتعاد الكثير من الشباب عن الفكر القومي.

النقطة الخامسة التي تطرق لها الرئيس الأسد كانت اللغة العربية. وأكد أن العروبة هي حالة حضارية وأهم ما فيها هي الثقافة التي تحتويها، ودور اللغة بالغ الأهمية لأنه من خلالها يتم التعبير عن هذه الثقافة، وابتعاد الأجيال الجديدة في العالم العربي عن اللغة العربية أدى إلى حالة غربة ثقافية ساهمت في إضعاف الانتماء القومي لديها.

وأكد الرئيس الأسد أن اللغة العربية والثقافة العربية هي جامعة لكل الأعراق والأديان، ورغم أن البعض بات يعتبر التمسك باللغة العربية تخلفا، إلا أننا في سورية لم نعان من عقدة النقص هذه ولا تزال مناهجنا الدراسية تدرس باللغة العربية.

وعن علاقة قضية الانتماء بما يحصل في سورية، لفت الرئيس إلى أن “الحرب أنهكت سورية لكنها لم تسقط إيماننا كسوريين بالانتصار على الإرهاب”، موضحا أن جوهر هذه الحرب مجموعتان: مجموعة فاقدة للهوية والانتماء القومي والأخلاق، ومجموعة قاتلت وضحت تضحيات جسام لأجل الوطن وتضم جيشا وطنيا يعتنق عقيدة عربية منذ عقود، وشعبا يحتضن هذا الجيش ويتمسك بالعقيدة ذاتها.

ونوه الرئيس الأسد بالعقيدة القومية التي شكلت الدافع الأساسي للجيش العربي السوري في حربه ضد الإرهاب على اختلاف تنظيماته، وقد شكلت عقيدته العربية حاجزا ضد طروحات سياسية كان الهدف منها تصفية كل ما هو عقائدي عربي في ثقافتنا، مثل طروحات “الجمهورية السورية” أو “الجيش السوري”، وهذه العقيدة هي التي مكنت الجيش العربي السوري من تحقيق الإنجازات المتوالية ضد الإرهاب.

وأضاف الرئيس الأسد أن الحرب على سورية مرت بمرحلتين، الأولى كان التركيز فيها على التحريض الطائفي، بهدف ضرب المقاومة وإشغالها بحرب طائفية، لكن انتصار حلب أسقط هذه الورقة، لتنتقل بعدها الأطراف المشاركة في الحرب على سورية إلى الورقة العرقية، عبر بعض الأكراد الذين يتلقون دعما غربيا، لكن تحرير دير الزور والبوكمال أسقط هذه الورقة أيضا.

وأكد الرئيس الأسد أن المشروع الأساسي الذي تتبناه سورية كرد على مشاريع التقسيم المتكررة التي تستهدفها وتستهدف العالم العربي هو التمسك بالانتماء القومي.

 

ووضع الرئيس الأسد مجموعة من الخطوات التي تشكل منطلقات للعمل القومي في المرحلة الحالية، حيث شدد على أن المطلوب هو عمل يكرس الانتماء كحالة وعي وليس مجرد شعور، وأن يتم وضع آليات وخطط واضحة للعمل القومي.

في السياق ذاته، لفت الرئيس الأسد إلى ضرورة الحوار مع التيارات والأطراف الأخرى في سياق العمل القومي إذ لا يكفي أن نحاور أنفسنا كأشخاص معتنقين للفكر القومي، وخاصة المجموعات التي شذت أو وضعتها الظروف خارج محيطها الصحيح، والتي شكلت وقود المشروع الغربي ضد الهوية العربية. وأكد بصورة خاصة على ضرورة الوصول إلى الشرائح التي ترى أن العروبة والإسلام متعارضان.

كذلك أكد الرئيس الأسد على ضرورة تفنيد الطرح العرقي، كطروحات الفيدراليات أو الحكم الذاتي وما إلى ذلك، عبر التأكيد على أن العروبة لا تلغي أحدا وأنها حالة حضارية ساهم فيها كل من تواجد في هذه المنطقة، كما أنها مفهوم حضاري شامل لكل الأعراق والقوميات والطوائف، وأنها جامعة لتراث كل الأقوام التي وجدت في هذه المنطقة.

ولفت الرئيس الأسد إلى أهمية الحوار، وضرورة نقل الحوار من إطار النخب إلى الشرائح الأوسع، مشددا على أنه لا يوجد ما هو أهم من الحوار لتحصين العقل في مواجهة الحرب التي تشن على مجتمعاتنا، فقد بدأ اختراق مجتمعاتنا بالمصطلحات المغلوطة التي تحول بعضها إلى مكون أساسي في لاوعي بعض الأفراد، ومثال على ذلك مصطلح “التعايش” الذي يدل على العلاقة بين مكونات متنافرة وقبوله هو قبول بفكرة أننا مجموعات متنافرة، وهنا يأتي دور المفكرين والسياسيين لتوضيح وتفكيك هذه المصطلحات ونقل الحوار فيها إلى الأوساط الشعبية بعد تبسيطها.

وأضاف أنه في غياب الشعور القومي فإن التقسيم يبدأ في العقل وينتهي في الجغرافيا، وأن غياب الانتماء ليس فيه مصلحة لأي أحد، فالانتماء إلى الهوية لا يعني الانتماء لنظام سياسي معين. وأن الرد على كل من يربط بين العروبة والتخلف بأن نكون السباقين لدعم وتطبيق الأفكار التطويرية وبرامج متوافقة مع هذا العصر ومع مصالح الشعوب.

وشدد الرئيس الأسد على أن الديمقراطية لابد أن تكون مرتبطة بالانتماء، فالدعوات القطرية في هذا السياق تتنافى مع الانتماء القومي، وتعاملنا مع الأقطار كأمر واقع لا يعني تسليمنا بتقسيم الانتماء. فالقومية رابطة لكل عناصر المجتمع في مسيرته نحو المستقبل.

تلا ذلك حوار تناول المستجدات السياسية والميدانية وملف إعادة الإعمار في سورية، بالإضافة إلى الأوضاع على الساحة العربية، وآفاق تفعيل العمل العربي المشترك، ودور المفكرين والقوميين العرب في تعزيز الوعي والحصانة الفكرية على المستوى الشعبي في مواجهة محاولات الغزو الثقافي عبر ترسيخ الانتماء والتمسك بالهوية الجامعة.

وتركز الحوار حول مجموعة من القضايا الساخنة على الساحة العربية، أهمها كيفية تحويل الانتماء القومي إلى حالة عمل مستمرة، تقوم على تطوير المفاهيم والمصطلحات المتعلقة بهذه القضية المحورية، بما يتناسب مع طبيعة المواجهة الحاصلة ويساهم في تفكيك الفكر الهادف إلى تصفية الهوية العربية والانتماء القومي.

كما تطرق الحوار إلى أهمية العمل على الجامعات وجيل الشباب في العالم العربي، الأمر الذي يشكل محورا أساسيا في عملية التوعية القومية، في الحاضر والمستقبل، وأهمية وجود آليات واضحة وخطط عملية لتنفيذ هذا الأمر، وعدم الاكتفاء بالطروحات النظرية العامة، بهدف تثبيت العمل القومي وإيجاد بعض الحلول لما تعانيه الأمة العربية من ترهل.

وأكدت المداخلات على أهمية الانتصار السوري في الحرب على الإرهاب والدول التي تدعمه، وأن الانتصار السوري هو انتصار عربي، مؤكدين أن ما طرحه الرئيس الأسد حول العمل القومي يشكل قاعدة يمكن البناء عليها من قبل المشاركين في المؤتمر للتوصل إلى صيغة واضحة يمكن نقلها والعمل عليها في بلدانهم.

كذلك شددت بعض المداخلات على ضرورة البناء على انتصار سورية لإعادة الألق للقومية العربية والانتماء العربي، بالتركيز على الشعوب العربية رغم مواقف بعض الحكومات العربية التي وقفت ضد سورية في حربها.

إياد ونوس || البعث ميديا