مساحة حرة

الـ 500 مليار دعَمت القضيّة المركزيّة؟!

 في زيارة تاريخيّة لترامب وزوجه وابنته وصهره «زيارة حميميّة لعائلة إلى عائلة» إلى السعودية في 23/5/2017، حدث ما حدث..، فهو نفسه وصف الإعلان عن الزيارة بـ «الإعلان التاريخي العظيم» لأنَّها أوّل زيارة له بعد توليه المنصب، ولأنَّها مكمّلة أو جزء من زيارته إلى الكيان الصهيوني، والزيارة في سياق الاتمام والإعلان عن صفقة القرن، كما أنَّها للإجهاز على ما بقي في جيوب الأسرة الحاكمة من أموال، ومقدّمتها 500 مليار دولار، المبلغ الذي رآه ابن سلمان في زيارته الطويلة – 19 – يوماً إلى واشنطن قليلاً مبدئياً وقابلاً للزيادة.

فعلاً الـ 500 مليار دولار مبلغ قليل، فالتزام السعودية ودول الرجعية العربية بتنفيذ الاستراتيجيّة الصهيوأمريكيّة تجاوز هذا المبلغ بأضعاف خاصة في الحروب على العراق وسوريّة واليمن وليبيا وإيران، وبالمحصلة على فلسطين القضيّة المركزيّة.
فقد عزّزت مليارات الدولارات هذه السياسة الأمريكية في المنطقة الداعمة بالدرجة الأولى للكيان الصهيوني، وقد تم تحصيلها في سياق الإعلان عن نقل السفارة الأمريكية إلى القدس مع الاعتراف بالقدس عاصمةً للكيان الصهيوني، هذا أولاً. وثانياً في سياق الإعلان عن صفقة القرن التي تؤدي إلى دمج الكيان في السياسات الاستراتيجيّة للمنطقة انطلاقاً من الاستسلام المقترن بالتطبيع والتنازل عن الحقوق. وثالثاً إهانة أنظمة الخليج وتوبيخها وتهديدها بعدم قدرتها على البقاء أسبوعاً واحداً دون الحماية الأمريكية. ورابعاً إقناعها بالعمل على تغيير مفهوم العدو للعروبة ونقل هذا المفهوم لتحلّ فيه الجمهورية الإسلامية محلّ الكيان الصهيوني.
هذه الأمور الأربعة أصعب وأقسى وطأة على القضية الفلسطينيّة من مئات المليارات تلك، وأكثر جدوى في دعم المشروع الصهيوني، فنتيجة لها توسّعت دائرة الاستسلام والتطبيع وانتقلت من السرّ إلى العلن فالتسابق والمفاخرة بـ «تفضيل إسرائيل»، لذلك نقلت أمس كثير من التقارير في العالم أن اعتراض الدول العربية على نقل السفارة لم يكن مدوّياً ولا واضحاً بما يكفي، بل كان خافتاً خجولاً حرجاً إلى حدّ فُهِم منه في العالم أنه أقرب إلى الاحتفاء منه إلى الاعتراض.
في معمعان هذه الأمور برز الدور السعودي بقوة كمفتاح أساسي للتآمر على القضايا الوطنية العربية وعلى القضية المركزية، ومن أبرز مخاطر هذا الدور حرف مفهوم العدو من الكيان الصهيوني، إلى الداعم الأكبر للقضية وهو محور المقاومة، إضافة إلى انخراط السعودية في تحالفات وسياسات تخدم القوى المعادية للمشروع العروبي، انخراط بالمحصلة داعم ومؤيّد للمشروع الصهيوني وللمطبّلين له. مع تلك المئات من المليارات هناك مئات أخرى صرفت على دعم وتمويل وتشغيل الإرهابيين والمتطرفين والتكفيريين، وعلى من يراهن عليهم مما سمّي «معارضة» من الخونة والمأجورين.
هذه المليارات وتلك التي صرفها وسيصرفها بعض العرب لإنجاز صفقة القرن المخزية، لو صرفت لدعم المشروع الوطني والعروبي المناهض للمشروع الصهيوني لما كان ما هو حاصل الآن، ولما بقي هناك احتلال واستيطان. والحقيقة أنها أدّت دوراً إجرامياً بحقّ التاريخ والحاضر والمستقبل، وللأسف تكاد تنجح في تغيير مفهوم العدو التاريخي وصولاً إلى صفقة القرن التي لم تتهيّأ بعد الظروف المناسبة للإعلان عنها، لكن الكتب تُقرأ من عناوينها، فالصفقة مبنية على قاعدة الاستسلام والتطبيع السياسي والاقتصادي والثقافي والعسكري مع العدو الصهيوني.
والسؤال المهم: ما الفائدة من هذا الكلام الذي يقترن الخطاب فيه بسرديّة تنديديّة تقليديّة إحباطيّة تسأم منه اليوم أجيال المستقبل العربي ؟!.
هذه الأجيال الواعدة لا يغيب عنها إضافات عليه، منها: إن نكبة فلسطين هي نكبة للعروبة وللإسلام. وإن تخيّر ترامب البدء بتنفيذ صفقته مع الذكرى السبعين للنكبة يأتي استفزازاً وتحدّياً لكافة العرب والمسلمين، وللمجتمع وللقانون الدوليين. وإن هناك 14 قراراً من مجلس الأمن تنصّ على أنّ القدس أرض عربية محتلة لا يجوز التغيير فيها. وإنّ المادة 25 من ميثاق الأمم المتحدة تلزم الدول بتنفيذ قرارات مجلس الأمن، وإنّ أمريكا عضوٌ دائم في هذا المجلس لكن باستطاعة رئيسها أن يفعل ما فعل. وإنّ ما يجري هو تحصيل الحاصل فقد اتُخِذ قرار ضم القدس منذ عام 1968، وإن منظمة التحرير اعترفت «بإسرائيل» منذ عام 1988. وإن السعودية … إلخ.
لهذه الأجيال نقول: إنّ الواقع اليوم وفي المستقبل واقع صراع، ونضال، وكفاح مستمر، سيُخذلُ فيه الاستسلامُ والتطبيع، فالشارع العربي في واد والأنظمة في واد آخر، هذا الشارع يقدّم مئات الشهداء كل يوم لمقاومة إرهاب المشروع الصهيوأمريكي – الرجعي العربي في سورية وفلسطين ولبنان والعراق وإيران واليمن، وغداً في كل الأقطار العربية. كما أن المشروع المقاوم يتقدّم والمشروع المضاد مأزوم.
بالأمس فشلوا في اختبار قدرات المشروع المقاوم، وتوجهت الصواريخ من سورية بدايةً إلى جزء من أراضٍ عربية محتلة، وبعدها انطلقت مسيرات العودة. إنها البداية.. وإننا معكم على ثقة بالنصر.

د. عبد اللطيف عمران