منظمات أهلية

بـ”حفنة طين” و”دلو ماء” يتعلم الأطفال لغة الصلصال.. “بكرا إلنا” تجتهد في إعداد مبدعين صغار

ليس من السهل بمكان تعليم طفل لا يتجاوز عمره 3 أو 4 سنوات محاكاة الطين وتعلم لغتها وهو لا يزال “يتأتئ” ويتعثر بالأحرف اللثوية، وخلق شكل من الصلصال بأصابع نديّة تضاهي نعومتها نعومة التربة إضافة للإبداع عبر حوار شفاف بين برعم آدمي وحفنة طين ودلو ماء، تشكل في جملتها ما قد يعتقده ذاك الطفل ويفكر فيه ، وهذا كله يأتي من بيئة مشروع “بكرا إلنا” وتحت إشراف مدربين اختصاصين على قدر عال من المسؤولية والوعي تجاه الطفل وإذا أخذنا بالحسبان أن النحاتين ممن تتراوح أعمارهم 10 و 11 سنة وحتى أقل، هذا يعني اطلاعه التام على أحداث الحرب والدمار بكل مكوناته ما جعل مدربي النحت يشعرون أن واجبهم الأخلاقي والوطني يفضي إلى نقل الصغار من ضفة الخراب إلى ضفة الطفولة الصافية، وذلك بعد التركيز على الهدف الأساسي للمشروع الذي حاول المدربون زرعه في قلوب الأطفال ألا وهو حب الوطن واحترام قدسيته.

اتفاق

حاول موقع “البعث ميديا” تسليط الضوء على واحد من المراكز الذي يتبع لمشروع بكرا إلنا وهو مركز 17 نيسان في ضاحية الأسد الذي يعتبر واحد من مراكز عدة اتفقت على الأهداف والتوجهات وآمنت بالمشروع وبقدرة أطفال سورية على تخطي الصعاب، وتحدثت مدربة النحت ريم حسن عن “بكرا إلنا” بأنه قائم على فكرة إبداعية مميزة موجهة إلى الأطفال بسن صغير وفيما يتعلق بالنحت يستوعب من هم بعمر 6 إلى 14 عام، حيث فتحت مراكز في عدة مناطق من دمشق لتحيط بأكبر عدد ممكن منهم، وتتمحور أهداف المشروع حول توعية الطفل لحب الوطن وحماية ممتلكاته واحترام رموزه ،وتقديم الطفل إلى عالم المواهب المحببة له من فنون بصرية وموسيقى وغناء ورياضة ورقص ليقوم بالتعبير عن شخصيته بالموهبة التي يميل لها وبإشراف مجموعة من المدربين حاصلين على مستوى دراسي عالي يتم اختيارهم بعد الخضوع لعدة دورات تدريبية و تأهيلية للتعامل مع الصغار.

وأكدت المدربة على أن إدارة المشروع تمد المراكز بكافة المستلزمات والتجهيزات المطلوبة ويقوم المدربين باستلام مهمة واحدة حسب اختصاصه ويختار الطفل الموهبة التي يريدها، وبما أن عددهم يجب أن لا يقل عن عشرة بالصف الواحد يسعى المدرب لتقديم أفضل ما عنده ونقلها للطفل إضافة لمحاولة اكتشاف شخصية كل واحد بحسب رسمه ولوحاته، وفيما يتعلق بمدرية النحت ودورها قالت: أقوم باختيار موضوع للطفل سهل وواضح يحاكي خياله بحرية ليخرجون بأفكارهم ويطبقوها على الصلصال وما إن انتهينا يقوم الأطفال بتبادل أعمالهم وتغرية المنحوتة للحفاظ عليها فيتعلم الطفل احترام الطرف الآخر على اختلاف أفكاره بل و تجميلها أيضاً.

إصرار ودمج

وتطرقت حسن إلى أهمية عمل الطفل ضمن فريق واحد لجهة تعلمه الانضمام إلى الجماعة، ومجموعة النحت –بحسب المدربة- مقسمة إلى مجموعات واطلب منهم قيام كل مجموعة بتقديم عمل جماعي موحد وبذلك نعزز للطفل روح الجماعة، في حين قام المركز بالعديد من المبادرات للتعاون مع الأهالي عبر دعوتهم إلى المدرسة ومساعدة الطفل بتقديم لوحته ومشاركة الأب أو الأم بالرسم والنحت فكانت أجواء غاية من الحميمية والمحبة والفرح إضافة لاحتفالية سابقة لعيد الأم هدفت إلى جعل الأطفال يعبروا لأمهاتهم عن محبتهم على طريقتهم فصنعوا الأكلات وقدموا لوحات استعراضية وغنائية واشتركوا بلوحات رسم وأعمال نحتية جماعية، ونوهت المدربة أنه وبالرغم من الحالة الأمنية لمنطقة ضاحية الأسد واستهدافها بالقذائف الغادرة إلا أنها لم تشكل حاجز للطفل أو تمنعه من الحضور إلى المركز بالرغم من شعوره الدفين بالخطر إذ أحيانًا لا يتواجد في الصف سوا طفلين أو ثلاثة ومع ذلك يستمر المدرب بإعطاء الحصة ليشعر الطفل باحترام مدربه وفرحه بحضوره ويتابع هو بدوره بإكمال عمله بكل تفاني ومحبة.

وأوضحت حسن أن الأطفال قاموا بتجميل المركز بعدة أعمال فنية تتيح للطفل إخراج ما يسكن داخله من جمال بعالم مليء بالحضارة، كما استقبل المركز جميع الأطفال بمن فيهم ذوي الاحتياجات الخاصة، وأضافت حسن: لدينا طفل مصاب بالتوحد تشارك مع أصدقائه العمل وتعلم بقية زملائه كيف يحترمون حالته و يساعدونه ،ولوحظ تنازلهم عن أدواتهم ليساعدوه في إتمام عمله وقمن بدورنا بدمجمه مع أقرانه دون تمييز، ومن الصور الجميلة التي شهدها المركز على حد تعبير المدربة حسن، وجود طفل يعمل مع أبيه بمهنة “البلاط” وجد من النحت استكمالاً لمهنة أبيه لكن بطريقة ألطف وأكثر وداً واكتشفت – والقول للمدربة- عمق الخيال والإبداع ودهشت لقدرة هذا الولد الصغير على تحويل مهنة صعبة إلى موهبة حقيقية، وهذا إن دل على شيء فهو يدل على قدرة مشروع بكرا إلنا على تجميل الحياة بعيون الصغار وتعزيز ثقتهم بأنفسهم وذويهم مهما كانت مهنتهم أو أوضاعهم المعيشية فالمشروع لم يفرق بين الطبقات وكانت أولى أهدافه نشر المحبة بين شرائح المجتمع …