منظمات أهلية

“بكرا إلنا”.. تعليم الطفل احترام الآخر على إيقاع الموسيقى

يقال عنها غذاء الروح وسفر من السماء إلى الأرض، اللغة الوحيدة القادرة على الولوج إلى جميع الأمم ولها قدرة على تهذيب الروح والسلوك، هي الموسيقى إذاً تلك النوتات التي تبدأ معها النفس بالرقص والحلم ابتداءً من الدو ومروراً بالصول والسي وليس انتهاءً بالري، علامات لها وقع خاص في النفس البشرية فكيف يا ترى وقعها على الصغار أصحاب الأنامل الناعمة والحناجر البلبلية والأرواح النقية، لا بد أنها تزيد من جمال أرواحهم جمالاً وتزدان بهم وتحلا، قد يقول قائل إنها بداية مبالغة لمن يريد الحديث عن الموسيقى، لكن عندما يكون المقصود بالمعنى مشروع كبير يحتضن مواهب الصغار طارقاً باب الرسم والفن والإعلام والموسيقى ليجعل منهم أطفالاً حقيقين يسمعون فقط صوت القلب في وقت يضج العالم بأصوات القذائف والبارود، هنا تكون الكلمات بسيطة ومجحفة بحق مشروع “بكرا إلنا” الذي بدأ في الـ 2013 ومازال يحاول الصمود وتحقيق حلم الأطفال في الظروف الصعبة.

طفولة دون قيود

نرغب بأن يبقى الأطفال أطفالاً لا نريد منهم النضوج بعمر مبكر، رغم بساطة الكلمات التي نطقها رئيس قسم الموسيقى بمشروع بكرا إلنا ميساك باغبورديان أثناء حديثه لـ “البعث ميديا” إلا أنها تركت أثراً لدينا، فالحفاظ على البراءة وترك مساحة لأطفالنا تسمح لهم بممارسة حقهم في طفولتهم ليس أمرًا هيناً، باغبورديان الذي رأى في الموسيقى حاجة للأطفال خاصة في ظروف الحرب والأزمة وحالة التداخل السلبي، بيّن أن المجتمع بحاجة للموسيقى لإعطاء جرعة إيجابية ليتمكن الأطفال من التعبير عن مشاعرهم وتفريغ الشحنات الموجودة داخلهم كما أن الموسيقى من وجهة نظره وسيلة مساعدة لخلق حياة اجتماعية مشتركة -على سبيل المثال- عندما يكون الأطفال كورال يكون هناك حالة من الاحترام لأن الكورال ينجح عندما يسمع الطفل صديقه والعكس صحيح، ورغم الاختلاف بطبقة الصوت ونوعه إلا أنها تشكل لوحة جميلة كما الموزاييك التي رغم اختلاف الذي يميز كل حجر عن الآخر إلا أنها تسرق العيون بفتنتها، وهنا تكمن قدرة الموسيقى بالتعبير عن هذا الموضوع، وأشار باغبورديان إلى اختلاف الآلات بأي فرقة كالعود والقانون فهي ببعدها عن بعضها “كطبيعة” تعزف بانسجام، والفرقة السمفونية تزخر بالاختلاف كالمجتمع تماماً فكما الموسيقى لديها ضوابط وقوانين تحقق الانسجام هو المجتمع أيضاً، والمراد من تلك الأمثلة – على حد تعبيره- مساعدة الأطفال لمعرفة أن المجتمع يخضع لضوابط وأنظمة وحقوق للتعبير دون المساس بحرية الآخرين وهي أشياء يمكن إيصالها عبر الموسيقى.

موهبة وتميز

وأشار رئيس قسم الموسيقى إلى المرحلة الثانية التي احتضنت 650 موهبة تمخضت بعد تقييم اللجنة الفنية المختصة عن 20 طفل متميز و4 أطفال موهوبين جداً، أما المرحلة الثالثة فهي تحتضن1400 موهبة أما المتميزين فيبقى لنهاية المرحلة، في وقت يستمر النادي مع المتميزين في المرحلة الماضية سواء بالغناء والعزف ويمتلك القسم حالياً 8 مواهب متميزة جداً، كما يتضمن القسم فرق نحاسيات والكورال المركزي وآلات القانون ومجموع الأطفال في الفرق 43 مختارين من كل المراكز بدمشق يجتمعون بالنادي ويقومون بتدريباتهم بإشراف أساتذة مختصين، في حين يتم حالياً التحضير لعدد جديد للانضمام لفرقة النفخيات يتم تعليمهم على التنفس والنفخ الصحيح بالآلة ومبادئ العزف الجماعي وانتقاء الأطفال يكون بعد خضوعهم لاختبار، أما فرقة آلة القانون فقد أوضح باغبورديان بأنها جديدة في المرحلة الثالثة يتعلم الأطفال من خلالها أسس العزف على القانون والهدف بالنهاية – والقول له – العزف الجماعي الذي ينعكس إيجاباً على الطفل ووضعه وتأثيره وتأثره بالمجتمع.

قدرتها على التأثير

وأكد باغبورديان على قدرة الموسيقى بالدخول إلى العقل الباطن للطفل والتأثير به خاصة إذا كان مشاركاً فعلياً وإيجابياً فيها، وعندما يعيش الطفل الأغاني التي يرددها ويؤلف بعضها ويكون شريكاً بإنتاجها تكون دليلاً على مدى الدخول بالحالة الموسيقية التي تعتبر وسيلة مهمة جداً لتهذيب المواطن وخلق جو من التشاركية والعمل الجماعي، وفيما يتعلق بالعمل بقسم الموسيقى أوضح رئيس القسم أنها تتألف من شكل تفاعلي يعنى بالمراكز الفعلية الموجودة في المدارس وبإشراف أساتذة “عاملين اجتماعيين” يؤثرون نفسياً في الطفل عن طريق الموسيقى ويستخدموها كوسيلة اجتماعية وليس شرطاً أن يكونوا اختصاصين، وقسم المتميزين ويعمل معهم أساتذة اختصاصين، إذ تم تقسيم العمل لعمل اختصاصي للمتميزين وعمل اجتماعي إنساني لباقي المراكز.

وعن التكامل

وفي الحديث عن بناء المجتمع اعتبر باغبورديان ” بكرا إلنا” يغطي مناطقياً كل شرائح المجتمع لأن الهدف ليس إنماء موهبة وخلق عازف بقدر ما يهدف لتوفير حالة اجتماعية موحدة و متوازنة على الصعيد الإنساني، وهذا ما يحققه الكورال المركزي الذي وصفه بأنه يجمع كافة الأطفال من كل المراكز ويرسخ مفهوم المجتمع الواحد الخالي من الفروقات وإن وجدت تكون بالشكل الخارجي وليس بالمضمون، ويخطئ من يعتقد أن المناطق العشوائية لا تزخر بالمواهب إذ ليس شرطاً أن تقاس الموهبة والتميز بمنطقة أو حالة اجتماعية، وفي ذات السياق تطرق رئيس القسم إلى سفر كورال بكرا إلنا للصين التي جاءت على خلفية زيارة مجموعة من الجمعيات للمشروع في دمشق وإبدائهم رغبة بتقديم شيء جميل لسورية وبفضل جهود إدارة المشروع – يقول باغبورديان : تمكنا من السفر للصين والمشاركة بحفل افتتاح لحملة جمع تبرعات لبناء معمل للأطراف الصناعية بسورية تحت إشراف جمعية صينية “مساحة حب” وكانت المشاركة رسالة جاءت على لسان الأطفال السوريين الذين يعيشون حرباً ورغم ذلك قادرون على الإبداع والعطاء بهذا الظرف الصعب، مؤكدين في زيارتنا وجود مشاريع كبكرا إلنا تقدم الموسيقى والفن والمسرح والرقص والرياضة رغم كل شيء، ما يعني أن هناك إدراكاً من قبل المعنيين في المجتمع لأهمية بناء الإنسان.

البعث ميديا || نجوى عيده