مساحة حرة

حدّة الاشتباكات الدولية مع إدلب

مع كل عزم تبديه الدولة الوطنية وجيشها العقائدي البطل لتطهير أي بقعة من أراضي الجمهورية العربية السورية، تقوم الدنيا ولا تقعد.

ولنَعُدْ بالذاكرة إلى أيام تطهير القصير، ثم حلب، ثم الغوطتين الغربية فالشرقية، وكذلك حوران والجولان. فمع كل إنجاز يحققه الجيش العربي السوري بتلاحمه مع الشعب والقيادة والحلفاء وشرفاء العالم وأحراره يتصعّد الاستقطاب الإقليمي والدولي إلى ذروته… ثم يتم الاستسلام للأمر الواقع وتُطهّر الأرض ويعود أبناؤها إليها ليأخذوا دورهم وحقهم في مسيرة الحياة والبناء والتنمية الوطنية.

لكن مع إدلب يبدو أن الوضع يختلف وسيختلف أكثر، وإن كان بالمحصلة سيفضي إلى النتائج السابقة نفسها التي تحققت في بقية المناطق، فالوضع في إدلب له خصوصيته لعدة أسباب لعل من أهمها استراتيجية “الباصات الخضراء” التاريخية التي اتُبعت حين طُهّرت المناطق السابقة والتي أفضت إلى أن تصبح إدلب تجمعاً عصيّاً على التصنيف للمجاميع الإرهابية من أربع جهات الأرض، إضافة إلى أن إدلب على تماس مع خطوط التوتر في حماة وحلب واللاذقية وتركيا، كما أن المجاميع الموجودة على الأرض في إدلب تمثل الأطراف العديدة والكبيرة الداخلة في العدوان على سورية وعلى العروبة والإسلام. وبالتالي سيكون لتطهير إدلب طعمه الخاص، بما يذكّر بقولنا سابقاً “ما بعد حلب غير ما قبل حلب” ولا شك في أن الأمر مع إدلب سيكون من هذا القبيل… ما يؤكد أنه على أرض سورية سيتقرر – وعلى ما يبدو – ملامح النظام الدولي الجديد.

ولنلاحظ الملامح الجديدة الإقليمية والدولية التي بزغت مرافقة عزم سورية على تطهير إدلب من حيث الانعطاف اللافت والجديد في الانتقال من الحروب العسكرية إلى الحروب التجارية بين الولايات المتحدة والصين التي قامت بدورها بتحدي الولايات المتحدة على عدة جبهات سواء في زيادة التعاون التجاري مع تركيا وإيران وفنزويلا… إلخ والتعاون العسكري مع موسكو.

ومن جهة ثانية في التغيّر المفاجىء للعلاقات بين روسيا والكيان الصهيوني، هذا التغيّر الذي ترحب به أغلب شعوب العالم نظراً إلى احتقار هذه الشعوب لغطرسة الصهيونية وعنصريتها ووحشيتها، ولا شك في أنه قد يكون نقطة البداية أو استكمالاً لرغبة الشعوب في وضع حد للنزعة الصهيونية، وحقيقة فقد وضِع هذا الحد من قبل أطراف عديدة ويبدو أنه أصبح ناجزاً، ولذلك نرى هذا التعقيد والاضطراب والتخبط والقلق في الاستراتيجيات الصهيوأمريكية في المنطقة والعالم.

مع إدلب نلمح بوادر جنون صهيونية، وأمريكية خاصة تؤكد أن الإرهاب الصهيوني وإرهاب التطرف والتكفير وجهان لعملة واحدة تغذي الإدارة الأمريكية رصيد هذه العملة في المنطقة والعالم، فمع سطوع نفوذ العسكرتاريا الروسية توجّهت الإدارة الأمريكية بعد فشل رهانها على الحروب العسكرية إلى الحروب التجارية التي لا شك في خطرها على العالم لأنها عادة تنتهي إلى حروب عسكرية كبرى ومؤلمة، فالحروب التجارية التي تقودها الولايات المتحدة في الآونة الأخيرة وتحديداً ضد روسيا والصين وإيران، وأوروبا قريباً، ستؤثر على النمو العالمي، وستزيد من أعباء الإنفاق الأسري عند مختلف الشعوب، فلعبة الرسوم الجمركية الأمريكية كما عبّرت روسيا والصين ليست سياسة غبية فحسب بل سياسة حمقاء، وستفضي بل أفضت إلى الرد بالمثل على وحشية الامبريالية الاقتصادية والسياسية والعسكرية أيضاً.

ولذلك، وفي ظل هذا الوضع المعقّد قد لا يكون مسار إدلب قصيراً، ولاسيما أنه بدأ وثيق الصلة بالوضع الدولي والإقليمي، وبمسألة شرق الفرات مؤخراً… وعلى العموم، فإدلب وشرق الفرات وغرب الفرات وأرياف حلب وحماة واللاذقية وغيرها مثلها مثل أي أرض سورية عاشت كلها في منتصف القرن الماضي متلاحمة في حركة التحرر الوطني وأنجزت الاستقلال التام، وهي اليوم ستنجز التطهير التام أيضاً.

وأهلنا في إدلب كبقية أهلنا في سائر الأرض السورية توّاقون إلى الدولة الوطنية وإلى تلاحم المشروع الوطني والقومي، فالسوريون يدعمون هذا المشروع في صراعه مع المشروع التفتيتي التفكيكي المضاد، والجميع يعرف ثقل سورية التاريخي في تأصيل النضال الوطني والقومي ضد المشاريع المضادة الاستعمارية والصهيونية وصولاً إلى الفوضى الخلاقة والشرق الأوسط الجديد والربيع المزعوم.

السوريون عامتهم مدركون خطر تفكيك الدولة الوطنية، ومتمسكون بوحدتهم الوطنية أرضاً وشعباً، وإذا استغرق مسار إدلب بعض الوقت من خلال بناء اتفاق سوتشي الأخير على ((المرحليّة)) فإن مضمون هذه المرحليّة يقع في إطار عام هو وحدة الأراضي السورية، وسيفضي إلى ما أفضت إليه اتفاقات خفض التصعيد في المناطق الأخرى سابقاً.

د. عبد اللطيف عمران