ثقافة وفن

سالي غنوم: روح المرأة السوريّة.. عصية على الكسر

” روحها عصية على الكسر أينما كانت وكيفما كان حالها، المرآة السورية لديها قلب ولكن من غيم، كلما تألم أمطر، أمطر خيرا حتى وهو ينقبض” بداية حديث جمعنا بالمخرجة والمغنية السورية العذبة “سالي غنوم”، التي يعود اسمها ليكون حديث الساعة بين متابعيها من محبي موهبتها الفنية، سواء تلك التي تغنيها شعرا بصوتها العذب، فينسكب اللحن وكأنه نبيذ الصوت محفوظ في “خابة” سوريّة من نور ونار، أو تلك التي تنظر فيها بعيون الأخرين وما يشغل الأخرين وما يعتمل بدواخلهم، من خلال الكاميرا الوجدانية التي تحملها في جوانياتها العاطفية أولا، فتلتقط فيها تلك المشاهد الحسية العصية على الالتقاط بواسطة أي شيء مادي، وأيضا من خلال الكاميرا التي تجلس خلفها كمخرجة سينمائية قامت مؤخرا بإخراج فيلما سينمائيا قصيرا ” حمل عنوان” النبيذ الأحمر” وعنه تقول “سالي” في حديث خاص للبعث ميديا : ” النبيذ الأحمر فيلم سينمائي قصير مدته 4 دقائق، وهو فيلم التخرج الذي صورته السنة الماضية في شهر شباط 2016، الفيلم يسلط الضوء على انتهازيّ الحرب التي تدور رحاها في وطني، أو ما يقال عنهم “تجار الحروب” الذين لا مشكلة لديهم في أن يرفعوا الراية التي تحقق مصالحهم حتى ولو على حساب دم أخوتهم من السوريين، وللأسف تَكَشّف لنا في الحرب التي نتعرض لها منذ قرابة السبع سنوات، العديد من الذين تاجروا و مازالوا يتاجرون بدم الشعب السوري، بحجة الشعب السوري نفسه، وهو أي الشعب السوري الكريم، لم يفوضوه وأحدهم لم يخبره أنه وكيلهم في المحافل التي يتنطح ليظهر فيها على حساب دمائهم وهو يجلس في فنادق بعيدة لا يعلم ما يجري في الوطن إلا من خلال ما يراه على التلفاز ومن القنوات التي يفضل دولاراتها وكذبها على الحقيقة التي يعرفها ويزيفها “.

“النبيذ الأحمر” -التسمية التي فيها إيحاء عميق نابع من ثقافة سالي المطزرة بأصوات أجراس الكنائس ورفوف الحمام، حيث النبيذ هو رمز للدم المقدس-، يحكي ببساطة فكرة شغلت بال كل السوريين وهم يمرون بما يمرون به من آلام طويلة على درب الجلجلة الطويل هذا، من طبقة الانتهازيين التي أظهرتها هذه الحرب وكشفتها بطريقة لم تكن معروفة قبل، ورغم التقنيات البسيطة التي استخدمتها “غنوم” في هذه التجربة السينمائية الأولى، إلا أن الإحساس العالي بالزمن الواقعي والقدرة على تكثيفه وضبط مزاجه، بالأسلوب الذي عملت “سالي” عليه يدل على موهبة سينمائية واعدة.

أما عن الصعاب التي قدرت سليلة زنوبيا وعشتار على تذليلها في هذا المشروع، بعد عنائها الطويل في ترميم روحها من هول الفقد الذي أصابها، بعد اضطرارها وأسرتها للنزوح خارج البلاد إلى غربة باردة تحرق القلب، فتقول: “واجهت صعوبات خلال فترة التحضير للفيلم أهمها أنني كنت حديثة الوجود في بلجيكا و بعد أسبوعين من وصولي قررت بعناد غريب، أن أكمل دراستي للإخراج السينمائي وذلك في الاكاديمية الأمريكية للسينما و التلفزيون، لم يكن لدي عمل و لا إقامة، و لكن صممت على أن أُنتج فيلم التخرج بشتى الوسائل، إيمانا مني بدوري كامرأة سوريّة عريقة في أصالة روحها وعلمها، في إيصال طبيعة المرأة السورية الحرة والكريمة، المرأة الفنانة والأم والحبيبة، لم يكن لدي المال الكافي لإنتاج فيلم لمدة 15 دقيقة و هو ما كان مطلوب مننا للتخرج، و لكني اقنعت أساتذتي بعد نقاش طويل دار، أنني استطيع إيصال الفكرة بـ مدة قصيرة جدا، وكانت النتيجة أن حصلت على علامات عالية جدا لإعجاب أساتذتي بالفيلم”.

علاقة “سالي” بالسينما هي علاقة حديثة العهد، بدأت من خلال تجربة صغيرة في فيلم “مريم” للمخرج “باسل الخطيب” وبعدها اشتغلت غنوم في البحث عن نافذة تكون فيها أكثر إبداعا في الفن الذي تحبه، فوجدت ضالتها في ” الاخراج”، المهنة التي تصفها بالقول: ” شخصيا اعتبر الإخراج  إن كان حرفيا وماهرا، هو فن جامع لجميع الفنون، لكنني وجدت نفسي ميالة إلى الأسلوب الرمزي في هذه المهنة الشاقة، وهذا سببه ثقافة بيئتي السورية، بيئة الريف والجبل المفتوح على الغيم في “مشتى الحلو”، بيئة الشعر المحكي الذي هو إرث وجداني وفني نبيل في عائلتي كما في الكثير من العائلات “المشتاوية” وأيضا في زوجي الشاعر السوري “عصام يوسف” الذي جاءت قصائده المحكية الرشيقة وكأنها أفلام سينمائية قصيرة أراها ولكن في لغته، لذا رغبت أن أترجم بصريا هذا الإحساس النادر والرقيق برهافة الشعر وقدرته على قول كل شيء حتى أنه يضاهي الكاميرا في ذلك.، أطمح أن اتميز في الافلام القصيرة لأجعل من الفيلم قصيدة جميلة معبرة و هادفة، وهذا يجعله أقرب إلى جمهور اليوم، كونه مهتم وبشدة في الميديا وعالم الاتصالات الذي غير العالم.

لم تيأس “سالي” حتى وهي ترى مشروعها السينمائي الأول الذي حققته في سورية يضيع بعد أن ضاع جهازها المحمول، الذي وضعت فيه كل ملفات ومتعلقات الفيلم الفنية ، وعنه تقول “غنوم”: قمت بتصوير فيلم كوميدي قصير مع فنانين سوريين، الأستاذ “حسان عجي” و الأستاذ “رئيس اتاسي” و المصور الفنان “كميل مكعبري” في مشتىى الحلو، و بسبب ظروف السفر الصعبة التي عانيتها واسرتي، قررت أن أترك العمل على المونتاج لحين استقراري، لكن سرق “لابتوبي” مع الهارد و كان فيه كل “فايلات” الفيلم و لم استطع للأسف أن أنهي الفيلم، الذي له في داخلي مكانه الخاص، فحيث صورته، تركت قلبي”.

كأي امرأة سورية، عانت “سالي غنوم” ما عانت من ويلات الحرب وفقدان الأحبة ومرارة الفراق، لكنها مؤمنة بأنها عائدة إلى وطنها إلى حيث يجب أن تضع فنها في خدمة أهلها وناسها، بعد أن تتقنه ببراعة، “وحتى ذلك الوقت” تقول “سالي” بعد تنهيدة نزت حسرات من القلب، ” حتى ذاك الوقت أريد أن أعمل وأتميز هنا في أوروبا، وأثبت بجدارة، ما يمكننا نحن السوريون تحقيقه نساء كنا أم رجال، رغم كل الظروف و الصعاب، وجل ما أتمناه أن أرفع اسم بلدي وأمثلها بفخر، في مهرجانات سينمائية عالمية وعربية…

هكذا ختمت سالي غنوم، السيدة التي غنت أيضا للوطن والحب والحمام، كما غنت عيونها للأمل والألم.

حاورها عبر الإنترنت: تمّام علي بركات