مساحات القرّاء

سلوى حفظ الله – عشق في هلوسة الحرب والكلمات

ولنا في الحرب كلمة أيضا، أنا وأنت ليس لنا نصيب في الغنيمة، لم نجتزئ التاريخ ولا الأرض، أيادينا نظيفة من عرق المهجرين والضحايا، حزنّا مع أمهات الشهداء وبكينا مع أراملهم، لم نفكر بجمع صور الأحبة ووضع تراب هذه الأمة في قارورة ولملمته في حقيبة سفر، جريمتنا في ويلات الحرب أنّ قلبنا إحدى صفحات مجتمعنا الدموية، خلعنا لباس الحزن على علي وعلى عمر واعتلينا منصة النسيان، كنّا أول من رأى أول رصاصة قبل أن تطلق ورمينا بأثرها في القمامة، صرخنا عاليا وأخبرناهم بأن كل شبر هو آلاف الهكتارات، لم نطمح إلى شيء مثلهم، هم أرادوا الانتصار بأي ثمن ونحن حلمنا بالسلام بعد الانتصار، وحين سرنا إليهم، التقيتك لم ألمسك مع انك كنت قريبا حد الالتصاق بي.

في طريقنا اليهم توقفت تشكر إلهة لم تعرف اسمها، سمعتك تناديها وفي قلبك غصة أو ندم، طلبت غفرانها على ذنب اقترفوه هم ولم تقترفه أنت، نظرت الي طويلا، مددت ذراعيك نحوي، ابتعدت وهربت وكصقر جارح التقطتني من أضلعي، مزقت حيائي وككل النبلاء ألبستني نظراتك وحجبت عني العيون، دافئ وبارد أنت كمياه الينابيع، شامخ حكيم وحذر تعلم على يديّ قائد، أنا وأنت نحمل هوياتهم وعلى ظهرينا ثقل كبير، يسمى “تاريخا” .. إنه ليس تاريخا إنه فنتازيا، بدأت منذ أن حاولت حواء أن تدخل المتعة على قلب آدم، لما سئما الروتين، أرادت تجربة علاقة أكثر اثارة في مكان غير تلك الغرفة الكبيرة التي سميت “جنة”، وبها المسكينة تلقى جميع انواع الاساءات اللفظية، وكل رجل “غبي” يختلف مع زوجته يقمعها بكلمة واحدة “يلعن اخت النسوان اي حوّا طلعت آدم من الجنة” !! يا روح أنفاسي أي تاريخ، امي المرأة الأمازيغية حاولت مع بناتها الخمس ان تربي فيهن روح “المساواة” مع الرجل، تقول لهن: الرجال اندادكن في العلم والعمل، ولكن السيدة الحقيقية هي التي تهتم ببيتها وبرغبات زوجها، وتذكرهن بمعاناة المرأة قديما، وتضرب أحد الأمثلة الشعبية بسخرية شديدة وتقول: “في زمن جدتي، الرجل الذي كان يأكل مع زوجته يوصف بالجبان”! اساءات لفظية متوارثة، لم توجه للأسف للمسيحي الغربي الذي يضع يده في يد الصهيوني الذي صلب أجداده يسوع ابن مريم، انظر إلى هتافات “بني عربون” كيف يهتفون لأوروبا التي اعترفت بفلسطين التي لم يعرف “ساسها من راسها”، شاهد الجماعات الاسلاموية الراديكالية وهي تستعرض مثل الكوبوي فنونها في الذبح، تجسس على الجيران وهم يكفّرون بعضهم سرا، وحين يجتمعون ينادون بالتسامح الديني ويعايدون بعضهم!! دعني أخاطبك علنا، يا حبيب القلب، أين نحن من التاريخ؟ هل نصنعه، هم يبيعون التاريخ في الأزقة والجادات والحارات، لا تقل لي إنّا لنا انتصارات وانجازات، بل اشكر ربك واقرأ التعويذات في سرك سبع مرات، فصانعوها مفرد مذكر أو مفرد مؤنث وليسوا هم، هم لم يسيروا خلف “المفرد” لأنهم لا يحفظون الوعود، المفرد حاول تبشيرهم بدين يعيدهم إلى إنسانيتهم، لكنهم يعشقون الدم واللحم النيئ، ولذلك لم يلحقوا به وانتظروا الحرب حتى يشبعوا. عفوا يا عطر جسدي، إن التعبير يخونني أحيانا كثيرة بحكم عادة “الثرثرة العربية”.. دعنا منهم وحدثني عن يوم التقينا فيه، اتذكر كانت الحرب مشتعلة ووقودها هم، هم الذين سرقوا ضحكات الأطفال ونهبوا الكنائس، وهم من نسفوا المآذن، وانت وأنا كنّا شاهدين، انفعلنا وتفاعلنا مع قناعاتنا، ولكن هم كانوا أقوى، حجبوا الشمس وأوقفوا المطر وذوبوا الثلج..

حين التقينا، كان الموت صديقك وكان الفراق عزاءك. انا كنت تائهة في الأوجه، أبحث عنك ولا أراك، أنت رأيتني أولا مسكت بي وكأنني قشة في بحر مظلم، لمساتك أنارت قلبي المخدوع مرتين الأولى في هذه الحرب والثانية في هذه الامة الجاحدة، سأحدثك صراحة: تلك الإلهة التي استنجدت بها، لم تكن سوى أنا، أنا التي أنصت إلى دعائك وغفرت توبتك بين قدمي، أنا التي التقطتها كصقر جارح ووضعتها داخل قلبك، لو تعرف يا صديقي كم مرة ظهرت لك، بصور نساء كثيرات وأنت غير مبال بي، لبست جميع أنواعهن، ولم تهتم، بعد أن جربت معظمهن، قلت لي: أنت من أريد: انثى تختصر “نون” النسوة، امرأة تشبه سارة وزينب وزليخة وكليوبترا والخنساء وعائشة وفاطمة وعشتار وجولييت وعبلة وكل نساء هذا الزمان، زمنك الذي لن تختصره الحرب في بارودة ولا قلم ولا دولار، بل سأختصره انا في قبلة أبدية تجمع تناقضاتنا واختلافنا وجنوني وشغفي بك.. أنت مريدي وأنا كل تاريخك.

سلوى حفظ الله – كاتبة جزائرية