ثقافة وفن

“سينما براديسو”.. أيقونة السينما الإيطالية

على الرغم من مرور أكثر من ربع قرن على إنتاج  هذا الفيلم السينمائي (سينما براديسو)، إلا أنه لايزال يتمتع بذاك الحضور وذاك الألق.. ومازال يعرض في العديد من دور العرض، حتى عندنا في سورية وعلى الرغم من عرضه منذ عدة سنوات ماضية، إلا انه تم عرضه منذ ثلاثة أشهر في سينما الكندي بدمشق.

فيلم (سينما براديسو) بعيدا عن نيله جائزة الأوسكار، وجائزة مهرجان كان في العام 2000، وعدة جوائز عالمية، يعتبر تحفة من تحف الأفلام السينمائية العالمية، وأحد أروع الأفلام الايطالية.

حقق حضورا لافتا تجاوز الكثير من الأفلام الإيطالية التي سبقته وحازت جوائز عديدة، إلا انه استطاع ان يعيد للسينما الإيطالية بعد رحيل عملاقيها: (بيير باولو بازوليني) و(فريدريكو فيللني).

في فيلم سينما براديسو نحن أما عمل فني متكامل من حيث السيناريو المتين والمشغول بعناية فائقة، ومن حيث الموسيقى والديكور، وحركات الكاميرا، ومخرج متمكن من أدواته وممثلين على غاية من الحضور الخلاق، فيلم يحمل قيمة إبداعية وإنسانية فنية لاتنسى، كوميديا راقية بعيدة عن الابتذال، ورومانسية على غاية من الشغف بما هو واقعي، وحزن خجول يظهر هنا وهناك في انتظار الأم لزوجها المفقود في الحرب، ولحبيبة سلفاتوري التي فقدته بسبب عدم وصول رسالتها له، وباحتراق (ألفريدو) بالسينما وبكاء ودموع الطفل توتو حزنا على احترق صديقه، (توتو) الوحيد الذي وبكل صغر سنه أنقذ ألفريدو، ولكن ألفريدو بعد احتراقه قي السينما فقد بصره.

يبدأ الفيلم على طريقة (الفلاش باك) الخطف خلفا، وهي عادة مستخدمة في الكثير من الأفلام السينمائية الغربية منذ أيام الأسود والأبيض.. منذ فيلم (نقطة الصفر) بطولة المغني (جوني هوليداي).

يبدأ الفلم بعودة (سلفاتوري) إلى بيته في وقت متأخر فتخبره صديقته بان أمه اتصلت معه من صقلية، وتخبره بموت (ألفريدو)، فينزل وقع الخبر عليه كوقع الصاعقة، وما فعله المخرج بذاك المشهد لا ينسى، حين سلط عليه لمع البرق وصوت الصاعقة ويبدأ يتذكر الماضي منذ طفولته لشبابه وتلك القصة الخالدة لحيه الأول والأخير.

من هنا نستطيع القول أن الفيلم قد بدأ، حيث نجد (سلفاتوري – توّتو) الطفل المسكون بعشق السينما لحد النخاع، والمهووس بالسينما لحد الهيام، حتى أنه يتحايل على أمه الفقيرة ليأخذ ثمن تذكرة دخول للسينما، ومن هنا نجد  أن الطفل ( توّتوّ ) كان العمود الفقري للفيلم بل الحامل الكبر لرسالة الفيلم، إذ وعلى صغر سنه أدي دورا على غاية من الأهمية.. واستحوذ على الثلث الأكبر من الفيلم الذي فيه شخصية (سلفاتوري – توتو.. طفل – شاب  – رجل)، توتو طفل يرافق كاهن الكنيسة قي الطقوس الدينية، الكاهن الذي كلن يمنع عرض القبل العميقة والحميمية  في الأفلام التي يتم عرضها في سينما براديسو، قي تلك القرية التي ليس لها أي شيء تستمع به سوى تلك السينما، تنشأ صداقة قوية بين الطفل (توتو) وبين (ألفريدو) مشغل أفلام السينما. والكاميرا في هذا الفيلم كانت معظم الأحيان خارج سراديب الأستوديو، في ساحة القرية وفي الحقول والأشجار الخ.

في فيلم «سينما براديسو»، كان توتو يُلِح في طفولته على ألفريدو، ببراءة وبساطة وبإصرار شديد، للاحتفاظ باللقطات المقصوصة من الأفلام،  في ما بعد، أدرك ألفريدو السبب، وأهدى إلى السيد سلفاتوري ما سيجعله للمرة الأخيرة ويشعل في عينه التماعة جديدة دامعة من الصبيانية والسعادة والحب، والمشاعر المتضاربة، بعدما وصل الاثنان، كلٌّ بطريقته، إلى أن اللقطات المرفوضة غير المشذبة، تلك التي ظنناها غير جديرة بالعرض، هي ما جعل سلفاتوري – توتو عندما أصبح مخرجا محترفا ليعود إلى قريته وبعرض تلك القبل التي كانت ممنوعة، على أهل القرية وفي دار السينما ذاتها ( سينما براديسو ) .

إنه فيلم عن الذاكرة، والسينما ذاكرة وذكريات، ولعل هذا محل التشابه، السينما كجميع الفنون هي الذاكرة الجمعية للبشر من خلال الذاكرة الفردية، لكنها أيضا النبع الذي تنهل منه السينما، وهو ذلك الخيط الدقيق الذي نحاول إيجاده بين مفهومي الذاكرة والذكريات، وإن هذا الفيلم هو فيلم للذكرى التي لاتنسى، هذا أقل مايمكن أن يقال عنه.

–  بطاقة الفيلم فيلم إيطالي كتبه وأخرجه: (جوزيبي تورناتوري) بطولة: انبو موريكوني، وجوفانا رومانيولي، وأنبييزي نانو، وليولدوتربساي، وفيليب نواريه، وجاك بيربن. الموسيقى التصويرية: فرانكو كريستالدي. أهم الجوائز (الأوسكار وكان)

البعث ميديا || أحمد عساف