مساحة حرة

في “خان شيخون…” من المعتدي ومن المعتدى عليه

في السياق النظري المجرّد بأن تنظيم “جبهة النصرة” تنظيم إرهابي، لكن ما أن أعلن هذا التنظيم عبر مواقعه المشبوهة بأن الجيش السوري قد قصف المدنيين في “خان شيخون” عبر استخدام الأسلحة الكيميائية حتى تبنت الدول العربية والاقليمية التي تدعمه وتموله هذه التهمة المؤصلة بحذافيرها وأقامت الدنيا ولم تقعدها، فتارة يجتمع مجلس الأمن لهذا الغرض، وتتباكى قنوات الفتنة الناطقى بلسان الإرهاب التكفيري على الضحايا من مدنيين ونساء وأطفال، وتحتشد الجيوش، وتتنادى أصوات من يذرفون دموع التماسيح على سورية والسوريين، ويصبح عناصر تنظيم “جبهة النصرة” الإرهابي ملائكة سلام، ودعاة محبة… فقط لمجرد أنهم غيروا لون الخوذة التي يلبسونها من الأسود إلى الأبيض، وكأن المشكلة في لون (الخوذة) فحسب، وليست في الفكر الإرهابي التكفيري المتطرّف الذي يقبع داخل هذه الخوذة… ولم تكن هناك من حاجة للوقوف على الحقيقة، سواء فيما يتم التواصل إليه من تحقيق نزيه بهذا الخصوص، أو العثور على دلائل قاطعة تبيّن من هو الجاني الحقيقي ومن هو المجني عليه، وكل المصداقية في قول إرهابي متطرّف، ولا مصداقية لدولة مستقلة ذات سيادة أنكرت وأنكر جيشها القيام بذلك، بل لا مصداقية لوكالات الأمم المتحدة ومنها منظمة “حظر الأسلحة الكيميائية” التي أعلنت رسمياً خلو سورية من الأسلحة الكيميائية، وهنا يأتي شرطي العالم الذي يبكي السوريين كذباً ورياء ليقدم خلال ثمانٍ وأربعين ساعة من الحادثة على ضرب موقع عسكري سوري، في دولة ذات سيادة، وعضو مؤسس للأمم المتحدة، فتقدم الولايات المتحدة على عملها العدواني خارج نطاق الشرعة الدولية، وخارج نطاق مجلس الأمن الدولي، وبدلاً من إدانتها على عملها غير المشروع عملت على استخدام مجلس الأمن مطية لها عقب هذه العدوان على أمل تحويل الجاني إلى مجني عليه، وبدلاً من الإدانة أيدتها بعض من الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن، وكادت أن تنجح هذه المرة كما حث ذلك مراراً في تحقيق ما ترنو إليه لولا الفيتو “الروسي”.

وحتى على فرض أن القوات السورية قد استخدمت الأسلحة الكيميائية، وهذا مجرد افتراض بعيد كل البعد عن الواقع، أو أن مثل هذه الأسلحة قد استخدمت من قبل أي جهة على وجه الأرض، من الذي أعطى الولايات المتحدة الحق في أن تمارس سلطة العقاب عن العالم بأسره، أو بالنيابة عن الأمم المتحدة, أو مجلس الأمن، خصوصاً وأن ميثاق الأمم المتحدة كان صريحاً بأن استخدام القوة في العلاقات الدولية غير جائز إلا في حالتين لا ثالث لهما، إحداهما تتعلّق بحالة الدفاع الشرعي عن النفس، والثانية تنفيذاً لقرارات الأمم المتحدة عندما لا تكون جميع الوسائل الأخرى ذات نتيجة كالتسوية والتوفيق… على أن الحالة الأخيرة يجب أن تتم من خلال القوة المتوافرة لدى الأمم المتحدة، وتحت علمها، ومن دون شك فإن أي من الحالتين لم تتوافر. وكان الإجراء الأنسب هو تشكيل لجنة تحقيق محايدة ونزيهة تعاين موقع المطار المستهدف في حماة لمعرفة ما إذا كان يحوي أسلحة كيميائية، أو أن مثل هذه الأسلحة قد استخدمت فيه، وكذلك زيارة الموقع في “خان شيخون” لاستكمال ما تبقى من إجراءات ذات صلة، وقد يتبدى للجنة أن هذه الأسلحة لم تستخدم، أو أنها استخدمت من قبل تنظيم “جبهة النصرة” الإرهابي ذاته بهدف اتهام الدولة السورية، ولربما تم استهدف مقر الإرهابيين بشكل طبيعي لوجود “تنظيم “جبهة النصرة” الإرهابي فيه، وكان المقر يحتوي على هذه الأسلحة، مع ملاحظة أن الحالتين الأخيرتين قد تقود أي منهما إلى معرفة الدول أو الجهات التي زوّدت تلك العصابات بهذا السلاح الخطير، وأسباب وجوده، وآلية انتقاله إليها، لذلك نجد هذا التردد كما وجدناه حينما تم المطالبة بتشكيل لجنة تحقيق مستقلة في اعتداء العصابات الإرهابية على موقع للجيش العربي السوري في “حان العسل” ما أدى إلى شهداء مدنيين وعسكريين، وهي اللجنة التي لم تشكّل حتى تاريخه، وفرضية استهداف مركز أو مقر لتنظيم إرهابي، وفرضية احتواء هذا الموقع أو المركز على أسلحة محظورة من جميع الأصناف فرضية قائمة بقوة، وكانت قوات التحالف التي تقودها الولايات المتحدة ذاتها، وبعد أيامٍ معدودة قد استهدفت موقعاً لتنظيم “داعش” الإرهابي في محافظة في دير الزور، وتبيّن احتواء الموقع المستهدف على غازات سامة أدت إلى مقتل أكثر من (100) شخص من عناصر “التنظيم” الإرهابي، بالإضافة إلى ارتقاء شهداء مدنيين، وإذا كان التحالف المذكور هذه المرة قد استهدف مقراَ لتنظيم “داعش” الإرهابي خلافاً لما اعتدنا قيامه به لجهة ضرب المنشآت الحيوية والجسور المدنية، لا بل تقديم الدعم إلى هذا التنظيم، وإذا وضعنا في الاعتبار الفارق الكبير بين العمليتين، لأن الجيش السوري يدافع بطريقة مشروعة عن الأرض السورية والشعب السوري، فيما وجود قوات التحالف فوق الأجواء السورية لا مستند شرعي له، ويتنافى ومبدأ “سيادة الدولة”، فإن السؤال كيف تكون الدولة السورية جانية، ولا ضير في ضرب موقع عسكري لها حتى وإن كان بالإرادة المنفردة لدولة قامت بما قامت به خلافاً للقانون الدولي؟ وفي الوقت ذاته فإن قيام الدولة بمحاربة الإرهاب على أرضها وفقاَ للقانون الدولي ولدستورها وقوانينها يؤدي إلى ضربها واستهدافها؟ مع أن الأسباب مختلفة، مع تطابق في النتائج بالنسبة إلى هاتين الحاتين (خان شيخون- دير الزور) بينما نتائج التحرك الدولي سياسياً أو إعلامياً مختلف كل الاختلاف، إذ تم التفاعل بكل قوة ممكنة مع الحالة الأولى (خان شيخون)، وإهمال الحالة الثانية تماماً (دير الزور).

وفي حادثة “”خان شيخون” من هو المعتدي ومن هو المعتدى عليه؟ هل هو من خرق المواثيق والمعاهدات الدولية والدستور السوري وقوانين الدولة، فتمرد مسلحاً على كل ذلك، واغتصب أرضاً بالقوة المسلّحة، وقبل بدخول الإرهابين المرتزقة ليسيدوا عليه وعلى المواطنين السوريين، ويعمل على جعل الدولة السورية إمارات وولايات منقسمة متقطعة الأوصال، فضلاً عن استيلائه على الممتلكات العامة أو الخاصة، وتدميرها وإحراقها وسرق محتوياتها، وتهجير المدنيين، وقتلهم، ورجمهم، وقطع أو صالهم، واغتصاب النساء، ورفع علم غير علم الدولة، والارتباط بحكومات أجنبية منها حكومات دول معادية، والارتهان للخارج، والتآمر على الدولة، والصلات غير المشروعة بالكيان الصهيوني، ومهاجمة مقرات الدولة المدنية والعسكرية، وخطف المدنيين الآمنين…. أم من يدافع عن تراب وطنه، وعن شرعية الدولة ومؤسساتها، ويحارب الإرهاب وفقاً لما يمليه الواجب الدولي والدستوري، ويعمل على إعادة الأرض المغتصبة، وإعادة المخطوفين والمهجرين، وتجسيد سيادة الدولة؟

وإذا كان الجواب على سؤالنا الأخير لا يحتاج إلى أي مجهود فكري للوصول إلى الجواب المنطقي اللازم فإن ما نخلص إليه أن المعتدى عليه هو الدولة السورية حكومة وشعباً وأرضاً. أما المعتدي فهو تلك العصابات الإرهابية المسلّحة ومن يقف خلفها داعماً إياها مادياً ومعنوياً، سواء أكان الداعم دولة أو منظمة دولية أو إرهابية، أو أي شخص طبيعي وإرهابي.

إزاء ما تقدم وما نريد قوله: إن الحلول الداخلية التي يتعيّن الولوج بها هي الفيصل في الحؤول من دون أي تدخل خارجي، وهي الحلول التي تعكس رؤى المواطن وتطلعاته إلى غدٍ أفضل، عبر مكافحة الإرهاب والاستمرار في هذه المكافحة حتى سحق آخر إرهابي على الأرض السورية، ولملمة الجراح الدامية في جسد الوطن، بعودة الأمن والاستقرار، وتعميق تجربة المصالحة الوطنية، ومحبة الآخر، وقبوله، والتجاوز عن الأخطاء، ومن حسن الحظ أنها خصائل لطالما امتاز بها الشعب السوري، على مر القرون، وسورية التي أعطت على الدوام آن لأبنائها أن يردوا ولو جزءاً يسيراً من حقها عليهم.

عضو القيادة القطرية
الرفيق نجم الأحمد