مساحة حرة

لا تهرولوا: فلا مستقبل لـ «إسرائيل»

في هذه الأيام يتبجّح نتنياهو ويفاخر بتوسّع علاقاته مع «الدول العربية» كما يقول، فيزعم أن «تحسّن هذه العلاقات وتطورها صار يفوق الخيال»؟!. وهو يكذب لا شك، ويراوغ ويخادع لأنه يصوّر للآخرين أن الأنظمة التي يتواصل معها سرّاً تمثّل إرادة الشعب العربي وقناعاته وهويته وتطلعاته.

حسناً، لننظر في واقع الأمر: لم ولن تجرؤ الأنظمة التي يتواصل معها الصهاينة أو تتواصل هي معهم على إعلان ذلك، ولا على المفاخرة، كما يفاخر هو، وهي تنطلق من جبن يقترن بما ينطلق منه هو من كذب وتضليل، فهي تعيش تحت وطأة الخوف والقلق من شعوبها ومن الشعب العربي بأطيافه الدينية والعرقية التي ترفض بطبيعتها التطبيع مع الصهيونية.

هذا من جهة، ومن جهة ثانية فقادة الصهاينة ومعهم المهرولون لايزال يساورهم القلق من الرفض الشعبي العربي العام للتطبيع مع جسد غريب عن أعراف المنطقة وتقاليدها وثقافتها، معتدٍ على حقوقها وهويتها ومصيرها. فالشارع العربي غير الأنظمة التي يتخيّل نتنياهو وعصابته أنه سيأتي يوم تجرؤ فيه هذه الأنظمة على إعلان موقف يرتجيه الصهاينة، إذ عبّر مثلاً عدد غير قليل من قادة الصهاينة عن خيبة أملهم من كمب ديفيد، ووادي عربة، وأوسلو، فلا يزال شعبنا في مصر والأردن وفلسطين كسائر أشقائه في الخليج والشام والمغرب العربي يرفض التطبيع، والتنازل عن الحقوق والمقدسات والهوية والأصالة في التراث والحاضر والمستقبل.

فهذه هي «إسرائيل»، لم ولن تتغير منذ مئة عام: عدوان وجرائم واحتلال واستيطان وعنصرية «قانون القومية» وكذب وخداع ومؤامرات… إلخ. كانت، ولازالت، وستبقى ما أمكن لها البقاء، جرثومة مؤذية، وسرطاناً خبيثاً، وكياناً غاصباً للحق وللحرية والعدالة ولإنسانية الإنسان، يصعب عليها بل يستحيل أن تلتزم بالقانون وبالأخلاق، فهي لا تستطيع إلا التمرّد على المجتمع والقانون الدولي، وعلى الإنسان بصفته الآدمية على الأقل.

ولذلك، لم ولن ينجح المشروع الصهيوني. وعلى الذين يقلقون، ويخافون «جداً» من بؤس الواقع العربي الراهن بسبب ضخامة التحديات التي يواجهها المشروع القومي العربي وتراجع عوامل قوة هذا المشروع مرحلياً، أن يتيقّنوا من أن القلق والخوف عند الصهاينة أكبر، لكنهم يكابرون مستفيدين من الأقلام المأجورة، والأنظمة الوظيفية، والعصابات الإرهابية التكفيرية الرديفة، وهذه فائدة مرهونة بالوقت، وبقصر النظر.

إن عدوان «إسرائيل» المستمر على العروبة، وعلى سورية خاصة نابع من غطرسة مقترنة بالقلق واليأس المشروعين، وقلقها في ازدياد لأن كل الرسائل والوسائل والضغوط والتهديدات، والتبجّح بتطور العلاقات مع «الأنظمة» لم، ولن تحقق لها النتائج المرجوّة، فغطرستها هي لتبديد روح الخوف واليأس الكامنة والمتأصّلة في نفوس المستوطنين الذين طالما يشعرون أنهم سيبقون غرباء معتدين في هذه المنطقة من العالم.

وليعرف الجميع وليتأكد أن رفض الصهاينة لخطوات السلام الشامل والعادل، ولقرارات مجلس الأمن ولاسيما القرار 242 كان من حسن الحظ، لأن المفهوم الصهيوني التلمودي للسلام غائب ومخادع، وهو مرادف فقط للاستسلام الذي يقترن بالتطبيع أولاً، ويفرّ من محادثات «الوضع النهائي»: النتيجة.

هذا الرفض المعروف عالمياً والمُستنكر هو الذي جعل شعوب العالم الحر وقادتهم ينظرون بعين التقدير والإعجاب إلى القائد المؤسس الذي «لم يوقّع».

وعلى العرب أن يكونوا على يقين من أن روح المقاومة ونهجها وثقافتها تتجسّد مرحليّاً في المحور المعروف اليوم، لكن هذه الروح كامنة وأصيلة في أعماق المجتمعات العربية والإسلامية، وقريباً سيأتي الوقت الذي تنتشر هذه الروح وتتوسّع وتتعزّز… وتنتصر، فالصهيونية لا شك في أنها إلى زوال، وعلى «إسرائيل» وحلفائها أن تتدبر حضور هذه الحقيقة وقوتها، والمأزق الوجودي الذي تعيشه، فلا رهان على الغطرسة والعدوان، ولا على الخونة الجبناء الذين لن يجرؤوا على التطبيع لا أمس، ولا اليوم، ولا غداً.

فماذا ينفع «إسرائيل» عدوانها أمس على طرطوس ومصياف، وعلى غيرهما قبل؟!، ونحن في سورية وخلف حكمة القائد الأسد وشجاعته ندرك أننا حين نتصدى بنجاح لإرهاب التطرف والتكفير أولاً فإننا ننتصر في معركة متعددة الأطراف والأهداف، وعلى الصهيونية وحلفائها أولاً أيضاً.

د. عبد اللطيف عمران

اترك تعليقاً