مساحة حرة

ما بين إعلان الخلافة وبدء العدوان ؟؟

ليس محض صدفة أن يأتي العدوان الإسرائيلي على غزة المحاصرة بعد أيام قليلة من إعلان تنظيم ” داعش ” الإرهابي لدولته الإسلامية في العراق والشام وإقامة الخلافة الإسلامية على أنقاض الواقع المشتت في العراق الذي لم تتمكن حكومته الوطنية من معافاته بالشكل التام من آثار جريمة الاحتلال الأمريكي للدولة العراقية وتخريب مؤسساتها التي كانت قائمة فيها قبل الاحتلال ، بل جاءت كحلقة من حلقات مخطط كانت بدايته احتلال العراق ونهايته تعميم ” الفوضى الخلاقة ” تحت يافطة ما سمي ” بالربيع العربي ” الذي أثبتت الأحداث والوقائع بأنه ربيعاً صهيونياً بامتياز يهدف إلى تدمير الدول العربية القوية في المنطقة وإعادة تقسيمها على أسس هشة .

  للحقيقة والتاريخ نؤكد بأن كل البلاء الذي حل بالعراق والمنطقة هو نتيجة حتمية للسياسة الأمريكية الرعناء التي أدت إلى احتلال العراق وغيرها من دول المنطقة وإن ما يحصل اليوم في العراق هو حصاد لما زرعه الأمريكان من بذور الفتنة والتقسيم ، لضرب الخاصرة العربية من جهة العراق في الصميم خدمة لأمن الكيان الصهيوني وسيادته على المنطقة بكاملها ، وحلمه في إقامة مملكة يهوذا الكبرى من الفرات إلى النيل ، وعلى الرغم من محاولات الحكومة العراقية والشعب العراقي التغلب على الجراح المثقلة والانطلاق بالعراق نحو الكيان المؤسساتي الموحد ، كانت الآثار السلبية للاحتلال وما نتج عنه أقوى من إمكانيات الشعب العراقي .

 إن ما جرى في العراق من سيطرة التنظيمات الإرهابية على مساحة كبيرة منه وإقامة ” الخلافة الإسلامية ” بالتواقت مع العدوان الإسرائيلي على غزة في فلسطين المحتلة يُثبت حالة الترابط الفكري والإستراتيجي ما بين التنظيمات الإرهابية التكفيرية وما بين الصهيونية العالمية كتنظيم إرهابي عنصري يهدف إلى السيطرة على العالم ، ويبني أسس استمرار ” دولته المعهودة ” على حالة التفكك والتشرذم التي تمخر عباب المجتمع العربي وهي بازدياد كل يوم نتيجة السياسات المذلة التي تتبناها الأنظمة العربية العميلة ، في الوقت الذي تتصيد فيه الحكومة الإسرائيلية الفرص وتقتنصها لإعادة خلط الأوراق بعد أن بدأت الإدارة الأمريكي تفقد أغلب أوراقها في المنطقة .

   يأتي العدوان الإسرائيلي على غزة في مرحلة مفصلية من تاريخ المنطقة ، حيث بدأت تلوح في الأفق نتائج الصمود السوري الأسطوري وتتالت انتصارات الجيش العربي السوري على كافة الجبهات ، وتمكنت الدولة والشعب السوري من مقاومة الحرب الكونية الظالمة التي تقوم بها قوى الاستعمار الغربية وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية ، ومنعها من تحقيق أي هدف على الأراضي السورية ، بل تمكن الجيش العربي السوري خلال فترة زمنية قصيرة من إثبات قدراته القتالية العالية في حربه مع العصابات الإرهابية التكفيرية ، واستطاع تغيير قواعد المعركة لمصلحته رغم الدعم الهائل الذي قدمته الولايات المتحدة الأمريكية وأدواتها في السعودية وقطر وتركيا للعصابات الإرهابية ، وأكد من خلال معاركه المشرفة بأنه يمتلك الأرض وأنه قادر على تحريرها من رجس الإرهابيين وهو قادم لتنظيف كل المناطق .

  أثبتت التحركات العربية الواهية مدى التخاذل العربي في مواجهة إسرائيل ، وربما يعتبر البعض من الأعراب بان مجرد محاولة الفلسطينيين الرد والدفاع عن النفس هو مغامرة أو جريمة يستحقون العقاب عليها ، وقد كشف العدوان رداءة السياسة العربية وجامعتها العبرية ، وعمالة الأنظمة للمشروع الصهيوني في المنطقة الذي يهدف إلى الوصول إلى العمق العربي من خلال كيانات انفصالية متجانسة موالية لإسرائيل ، وإن ما يجري في شمال العراق من محاولات لانفصال كردستان العراق وإنشاء الدولة الكردية هو حلقة أخرى من هذا المخطط التوسعي الجديد للكيان الصهيوني ، وهو مرتبط بشكل مباشر بالعدوان على غزة لتغييب ما يحصل في العراق عن الإعلام والرأي العام ، وقد تطول غفوة الأعراب لإتمام تمرير المشروع الاستعماري الجديد في الوقت الذي تنشغل فيه سورية بحل أزمتها المفتعلة من قبل الغرب الاستعماري ، لكن انتصار سورية على الحرب وإعادة تمكين الدولة ، سيكون أهم عامل في مواجهة المؤامرة وإفشالها .

 محمد عبد الكريم مصطفى