ثقافة وفنسلايد

معرض مكتبة الأسد للكتاب.. مؤشرات “نهاية الحرب” وتحديات ما بعدها في عناوين الكتب

لن يثني الحصار ولا غدر الإرهاب ولا آثار الحرب اليومية عن استمرار علاقة القارئ السوري بالكتاب، وإن ارتفع ثمنه وإن شحت الإصدارات وخف وهج المعارض يبقى الكتاب الصديق الوفي للإنسان السوري الشغوف بالمعلومة والأدب والفنون، والمرافق للباحثين عن العلم والمطالعة.

يعود معرض الكتاب التاسع والعشرين في مكتبة الأسد الوطنية بدمشق للعام الثاني على التوالي، بعد انقطاع خمس سنوات بسبب الحرب الكونية على سورية التي اخترعت الأبجدية وساهمت وشجعت على نشر الكتاب والفكر بشكل عام.

جديد هذه الدورة من معرض الكتاب هو تواجد أكثر من مئة وخمسين دار، ومشاركة دول عربية مثل الأردن ولبنان والعراق ومصر، ودول صديقة مثل إيران وروسيا وأخرى كالدانمرك، وفعاليات على هامش المعرض منها ندوات ومحاضرات ونشاطات للطفل وللمبادرات الشبابية ومهرجان للقصة والشعر، وما لفت انتباه “البعث ميديا” في الجولة التي قمنا بها في المعرض هو الكتب السياسية والتاريخية والفكرية الكثيرة التي تتحدث عن سورية، وما أحوجنا لمثل هذه الإصدارات التي تعيد بناء الإنسان السوري الذي دخلت على حياته وعقله وطبيعة تفكيره مفردات ومصطلحات مغلوطة.

عام 1985 كانت الدورة الأولى لمعرض الكتاب وكانت دار “الكتاب العربي” مشاركة فيه وهي اليوم أيضا ضيفة ممتلئة بالكنوز المعرفية والعلمية والأدبية والتاريخية، يقول السيد نضال عبود مدير التوزيع في الدار، تواجدنا في المعرض دائم ولم ننقطع عن أي دورة من دوراته باستثناء السنوات الخمس التي توقف فيها المعرض، وعن حركة بيع الكتاب، يؤكد السيد عبود أن هذه العملية تأثرت كثيرا بسبب الحرب، ليس بسبب عدم الرغبة في اقتناء الكتاب بل بسبب ارتفاع ثمنه مقارنة مع الدخل الفردي، مشيرا في الوقت ذاته أن المعارض داخل وخارج سورية أصبحت الطريقة شبه الوحيدة للبيع، مضيفا: “للناس أولوياتها فتدني الدخل الفردي والقوة الشرائية، مقابل ارتفاع سعر الكتاب كأمر مرتبط بظروف الحرب، أدى إلى عزوف الكثيرين عن شراء الكتب، بعكس الأعوام التي سبقت الحرب على بلادنا”.

إصدارات دار “الكتاب العربي” الكثيرة والعناوين المتنوعة والجديدة، هي حال أغلب دور النشر المشاركة، التي تحدت الصعوبات والظروف القاسية التي فرضت على سورية واعتبرت أن المشاركة هي  ليست فكرية وثقافية بل هي قضية وطنية وفرصة لتجديد العهد على المقاومة والصمود، ومنها “مركز الدراسات العسكرية” التي قال عنها المسؤول عن الجناح: “إن المشاركة هذا العام بالتحديد لها مدلولها الخاص، حيث تصادف الاحتفالات بعيد الجيش، وهنا اسمحي لي أن أعايد الشعب السوري وقائد الوطن السيد الرئيس بهذه المناسبة”.

إصدارات المركز لا تتعلق فقط بالتقنيات العسكرية بل هي متنوعة منها التاريخية والفكرية والسياسية والاقتصادية وإستراتيجية، بحسب المسؤول عن الجناح، إذ تلقى “إقبالا كبيرا من المواطنين السوريين على المعرض وجناح المركز، الذي لها دلالة أيضا وهو أن البلد بدأ يتعافى من الحرب المفروضة عليه التي باتت في آخرها والانتصار حليفنا فيها.هذه المشاركة تأخذ بعد فكري لأن الحرب التي قامت على سورية هي فكرية وإعلامية بالدرجة الأولى، ونحن يجب أن نكون على قدر المسؤولية .. وتاريخ سورية منذ ثمانية آلاف سنة أثبت أن شعبها قادر على  دحر الأعداء، ومتأكدون أن الحرب شارفت على الانتهاء ومشاركة 150 دار نشر هو دليل آخر على ذلك.. وما يقوينا هو تحصين الشعب السوري فكريا وثقافيا وتاريخيا، طبعا برعاية الرئيس الأسد الذي هو راع للعلم والعلماء”.

وأردف: “المعرض بحد ذاته هو رسالة للعالم أجمع أننا انتصرنا ونحن واقفون ومستمرون بعطائنا”.

وعن الإصدارات القيمة والمهمة التي يصدرها المركز، لفت المسؤول عن الجناح أنه تم طباعة ونشر كتاب جديد خصيصا ليقدم أمام زوار المعرض وهو بعنوان “الدولة السورية والتحديات الراهنة.. رؤى وأفاق” وهو دراسة تحليلية محاوره اقتصادية وسياسية وأمنية وعسكرية وفكرية وقانونية واجتماعية وتربوية وثقافية بالتعاون مع وكتاب ودكاترة وأساتذة بجامعة دمشق، مشددا على أن الكتاب يلقي الضوء على الأزمة التي تمر بها سورية منذ 2011 وحتى هذه السنة بمختلف هذه المحاور”.

من جهة ثانية، وحول تأثير الأزمة السورية على الإقبال على معرض الكتاب، يقول نفس المتحدث: “الإقبال جيد ومتوقع فهذه سورية التي عمرها أكثر من 8 ألاف سورية.. سورية الراسخة وليست مشيخة من مشيخات الخليج”.

المشاركة في إشباع لذة القراءة لدى الزائر لم تقتصر كما ذكرنا على دور النشر السورية والعربية، فدار “نيو إرا” الدانمركية حاضرة وبقوة من حيث الكم والنوع، كتب متخصصة تهتم بالتنمية البشرية أولا إضافة إلى منشورات أخرى متنوعة. وعن مشاركتها في معرض الكتاب في دورته الـ29 يقول الشاب محمود دياب وهو المسؤول عن الجناح: “نشارك في معرض الكتاب بالتعاون مع دار “عقل” بإشراف الآنسة عبير عقل صاحبة الدار، ونقدم موسوعة عن التنمية البشرية والتربية والتعليم، لدينا كتب كثيرة متنوعة، وأشير إلى أننا نقدم الكثير من الإصدارات بحسومات كبيرة ومنها ما هو مجاني حتى”.

ويضيف: “إصداراتنا مهمة وهي تنموية وتوعية وتفيد المتلقي، وبفضل المعرض تمكنا من تقديم إنتاجاتنا للزائر السوري”.

السيد بسام أورفلي ممثلا عن دار “اليقضة الفكرية” التي تعد واحدة من الدور الوفية لمعرض الكتاب، أشاد بتعاون مكتبة الأسد الوطنية التي تنظم المعرض من الناحية التنظيمية والإدارية، معتبرا أن “الاقبال على المعرض بعد انقطاع دام لسنوات جيد”. مشيرا إلى الكتب القيمة والمهمة التي تعرضها الدار ممثلة عن دار “الراتب الجامعية” من لبنان، وهي متنوعة ومتخصصة في عدة مجالات.

سحر معرض الكتاب يضيفه التنظيم والفضل في ذلك لمكتبة الأسد الوطنية، أحد أهم المؤسسات التي تشجع على القراءة في سورية، ويؤكد السيد عصام عيساني مدير النشاط الثقافي بمكتبة الأسد الوطنية أن اقبال الزوار على المعرض ممتاز ويبعث روح التفاؤل، وهو دليل أن انقطاع المعرض لسنوات خمس، لم يؤثر على مريديه بل بالعكس، إننا كمنظمين للمعرض، لمسنا نجاحه من خلال الإقبال ومشاركة الدور السورية والعربية ومن الدول الصديقة ومن حيث التنظيم أيضا”.

ويردف السيد عيساني قائلا: “نجاح المعرض مرتبط أيضا بتنوع الإصدارات التي تهم كل شرائح المجتمع من كتب سياسية وتاريخية وفكرية ودينية واقتصادية وأدبية وعلمية وفلسفية دون نسيان كتب الأطفال واليافعين”.

ويختم مدير النشاط الثقافي بمكتبة الأسد قائلا: “عاد المعرض ويستمر، نحن نعيد بناء المعرض ونعد زوارنا بأن القادم سيكون أحسن لنؤكد اليوم وغدا أن سورية بخير وأن القطاع الثقافي خاصة برغم جميع المخططات صامد وباق وان الكتاب السوري حاضر في الداخل والخارج، لدينا إنتاجنا الفكري ومشاركة سورية في المعارض الخارجية ناجحة”.

في الثاني عشر من شهر آب الجاري، تسدل الستارة عن معرض دمشق في دورته الـ29 ، ليعود العام المقبل وكلنا أمل أن إيجاد سياسة لتخفيض سعر الكتاب فالقراءة للجميع وليست حكرا على فئة معينة، ولنشجع على القراءة في كل مكان بالقوافل المتنقلة والتنشئة في المدارس وانتهاج طريقة جديدة في الجامعات تعتمد على البحث والقراءة لتلقي المنهاج وليس سياسة الإملاء التي يعتمدها الكثير من الأساتذة للأسف.

البعث ميديا || خاص – سلوى حفظ الله