مساحة حرة

معركة الجنوب.. والتهديدات الأمريكية؟

ما أن احتشدت قوات الجيش العربي السوري بنية التوجه نحو الجنوب السوري حتى اختطفت الأضواء معركة الجنوب المتوقع انطلاقتها بعد الانتصارات المذهلة التي حققها الجيش في ريف دمشق بكل ما حملت من أبعاد إستراتيجية غيرت معادلة الصراع وأدت إلى حالة من الرعب لدى محور الأعداء بسبب فقدان كافة الأوراق مع إعلان دمشق هزيمة التنظيمات الإرهابية بشكل كامل، مع أن قرار القيادة السورية ببدء التحرك لتنفيذ المعركة لم يُتخذ بعد، حيث تم ترك مساحة من الوقت في انتظار المبادرات الساعية للحل الودي علَها تُعطي نتيجة ايجابية . لكنها ستحصل وبخطة مذهلة فيما لو استمرت التنظيمات الإرهابية على اختلاف مشاربها بالتعنت ورفض التسوية والمصالحة التي طرحتها بعض الشخصيات الوطنية والوجهاء في المجتمع الحوراني على الحكومة السورية التي باركتها، من المؤكد بأن ما حصل في ريف دمشق أدى إلى تغيير قواعد الاشتباك مع الأعداء وفيما بينهم نتيجة فرض معادلة مواجهة جديدة لم تكن في حسبانهم ليس على المستوى المحلي فحسب، بل كذلك على الساحة الدولية، حيث تمكن الجيش العربي السوري وقيادته الحكيمة من ضرب المخططات المعادية في الصميم بعد أن قام بتحصين طوق العاصمة دمشق القريب والبعيد عبر سلسلة انتصارات وقعت كالصاعقة على رأس محور الأعداء وفي مقدمهم الإدارة الأمريكية المتغطرسة، فكيف إذا حقق نفس النجاح في درعا والقنيطرة ؟

في الوقت الذي أكدت في الحكومة السورية على لسان نائب رئيس الوزراء وزير الخارجية وليد المعلم بأن أي اتفاق حول الجنوب لن يحصل إلا بعد انسحاب القوات الأمريكية المحتلة، الذي أكد في الوقت ذاته على خطة سورية بتحرير كافة المناطق السورية من قوات الاحتلال الأجنبي مشيراً إلى القوات الأمريكية والفرنسية والبريطانية إن وجدت والتركية، حيث أصبحت الأهمية التالية لدى الحكومة السورية هي لمنطقة الجنوب ابتداءً من ريف القنيطرة وصولاً إلى ريف درعا الجنوبي الشرقي وأصبحت تشكل أولوية كذلك في أجندة الجيش العربي السوري الذي بدا غير آبه بكل التشابكات المعقدة عسكرياً على أرض الجنوب أو سياسياً بين المحاور، إن ما تحمله معركة الجنوب من أهداف إستراتيجية تشكل قيمة مضافة إلى مجموع الانتصارات السابقة ووضع رأس حربة الأعداء (الكيان الصهيوني) في حالة تخبط وإرباك وإحباط سيما بعد سماعها خبر انسحاب القوات الأمريكية من الأراضي السورية، وباشرت صحفها بالترويج لمخاوف الكيان الصهيوني التي ناشدت ببقاء القوات الأمريكية على الأراضي السورية وعدم مغادرتها تحت حجج مختلفة لتنفيذ أجندات عدوانية جديدة، وتأتي التهديدات الأمريكية الوقحة الموجهة للحكومة السورية وجيشها الوطني في خضم هذا السياق، مع أن السياسة الأمريكية ذاتها تمر في حالة هذيان لم تشهده أمريكا من قبل، وإن القرارات المتناقضة والاستقالات العديدة تعكس حالة التردي وعدم الاستقرار هذه، لكن مع كل هذا فإن الخطة الخاصة بتحرير الجنوب قد أنجزت بانتظار إشارة البدء، وأن استعداداً نموذجيا لمعركة الجنوب المتوقع أن تُنهي وجود التنظيمات الإرهابية وتؤدي إلى تنظيف الجنوب السوري حتى الحدود الدولية مع الأردن في حال رفضت التنظيمات الإرهابية الخضوع للمصالحة والقبول بالتسوية ضمن إطار اتفاقيات ستوشي وتخفيض التوتر.

إن الضجة الإعلامية التي تُحدثها أبواق الإعلام الصهيوني حول وجود قوات عسكرية إيرانية في الجنوب السوري وعن الخطر الذي تُشكله تلك القوات لكيان العدو الصهيوني والمخاوف التي تبديها حكومة الكيان الصهيوني من عدو وهمي لا وجود له إلا في مخيلتها العفنة، ما هو إلا كذب موصوف لتبرير الاعتداءات المستمرة على مواقع الجيش العربي السوري، والاستمرار باعتماد سياسة عدوانية ضد سورية وجيشها وشعبها تحت حجج وأكاذيب واهية لا أساس لها من الصحة، سوى محاولة التغطية على احتلال الكيان الصهيوني الظالم للجولان السوري، وكذلك الاستمرار بتوريط أمريكا وأدواتها في المنطقة بدعم الإرهاب وفتح الباب واسعاً أمام المزيد من الصراعات وعدم استقرار المنطقة.

من الواضح بأن الحكومة السورية لم ولن تألو جهداً في تحرير كافة المناطق التي تقع تحت سيطرة التنظيمات الإرهابية أو غيرها من المحتلين، سواء من خلال الاتفاقات السياسية أو عبر القوة العسكرية وهذا ما تؤكده القيادة السورية في جميع المناسبات، وهي بكل تأكيد قادرة على ذلك، وأصبح الواقع على الجيش السوري وحلفائه أسهل بكثير مما كان عليه سابقاً، وأن الكرة الآن في ملعب الأعداء وأدواتهم على الأرض فإما القبول بالاستسلام والهزيمة وإما عليهم انتظار السحق على أيادي بواسل القوات المسلحة السورية، وإن غداً لناظره قريب ..

 

محمد عبد الكريم مصطفى