مساحة حرة

من أنتم؟.. أحرار العالم مع إيران

حقّاً..، من أنتم؟، فقد أثارت هذه العبارة التي أطلقها رئيس الجمهورية الإسلامية السيد حسن روحاني في وجه الإدارة الأمريكية جملة من الحقائق أمام الرأي العام العالمي، ورأى فيها أحرار العالم وشرفاؤه صرخة حق وقوة مدوّية في عالم اليوم ضد نزوع الهيمنة والغطرسة والتفرّد المتجدّد في الإدارة الأمريكية، لكن اليوم بوحشيّة صارخة ينفر منها المجتمع الدولي والقانون الدولي وشرعة حقوق الإنسان.

جاءت كلمة الرئيس روحاني «صفعةً» أربكت بوضوح وبأس وشجاعة «صفقة القرن» التي تلهث الإدارة الأمريكية وذيولها في المنطقة لتمريرها، صفعة يبدو أنها ستجعل الرياح الحارّة تذرو الحلم بهذه الصفقة البائسة وتبدّدها على الرغم من احتفال الصهاينة والرجعية العربية والمتطرفين والتكفيريين واحتفائهم بها، هؤلاء الذين هللوا واستبشروا أملاً قاتماً على سراب شروط الإدارة الأمريكية الـ 12 .

والرقم 12 يثير التساؤل في السجال الاستراتيجي بين الإدارة الأمريكية والجمهورية الإسلامية، وعلى أيّة حال كان بإمكان الإدارة اختصار هذا الرقم بعبارة «تمكين المشروع الصهيوني في المنطقة وإضعاف محور مقاومته ومقاومة الإرهاب والتطرّف». لكن اجتهاد الإدارة في الاستطراد بالتعداد أضعف رؤيتها العائمة على مياه راكدة من الخيال والآمال الضائعة في قدرتها على ابتلاع «فارس» الحضارة والتاريخ والحاضر العتيد، وعلى إذلال العالم أجمع أيضاً من خلال شعور الغطرسة والتفرّد الخائب. فالعالم ينهض من جديد ليتصدى للهيمنة والتفرّد، ومع هذا النهوض تشعر الإدارة الأمريكية بتوالي الحرج من موضوع إلى آخر ومن منطقة إلى أخرى، ولهذا تضرب خبط عشواء، ما دفع كثيراً من شعوب الأرض إلى البحث في الحديث عن «سيطرة التافهين».

من أنتم؟، قالها بطريقة أخرى قبل خمسة عشر عاماً القائد بشار الأسد للإدارة الأمريكية حين رفض إملاءات كولن باول جرّاء الحرب على العراق، ومن المفيد تذكير الأجيال بـ لاءات الأسد، ومقارنة شروط وزير الخارجية كولن باول بشروط الوزير بومبيو الـ 12.

في دمشق وفي 3 أيار 2003 وأمام الصحفيين حدد كولن باول قبيل اجتماعه بالرئيس بشار الأسد الشروط الأمريكية غير القابلة للتفاوض لعقد «صفقة» سلام في الشرق الأوسط بثلاثة مطالب أساسية، وهي: عدم التدخل في الشأن العراقي، حل حزب الله والانسحاب من لبنان، التخلي عن القضية الفلسطينية وطرد فصائل المقاومة… وذاقت الإدارة الأمريكية الطعوم المريرة بعدها في العراق بعد أن عجزت عن استيعاب أبعاد لاءات الأسد الثلاث. وستلقى لا شك شروطها اليوم على إيران ما لقيته شروطها السابقة أمام الرئيس الأسد.

لا ينسى الأمريكان أنهم أشتات متفرقة لا رصيد تاريخياً ذا بُعد حضاري لهم، ولا يعرفون تاريخاً مجيداً بعيداً عن السلوك الاستيطاني الإبادي الدموي العنصري الإرهابي الذي لا شبيه له في نشوء «الوحدات السياسية» كما يُقال، إلّا نشوء الكيان الصهيوني «المعنى الأمريكي لنشوء الكيان الصهيوني»، فلا تاريخ للولايات المتحدة قبل «الآباء المؤسسين» الذين أسسوا على الجماجم كياناً، أما الشعوب الحيّة كالإغريق والفرس والعرب… فيحق لها أن تسأل هؤلاء هذا السؤال: من أنتم؟.

نعم، «من أنتم لتقرروا لإيران والعالم ما يجب أن يفعلوه»؟. بالتأكيد سيكون الرد الإيراني، ومحور المقاومة الصاعد والمتمدد، وكذلك رد الشعوب الحيّة في العالم: لا لهذه الشروط الـ 12، وهذا ما يعرفه الأمريكان الذي قال بخبث وغباء وزير خارجيتهم أمس: «الشروط ليست صعبة». والحقيقة هي ليست صعبة على اللاهثين وراء التطبيع والاستسلام وبيع الأوطان والحقوق والمقدّسات، أما على محور المقاومة وسائر الشعوب الحيّة وأحرار العالم وشرفائه فهي ليست صعبة فقط بل مستحيلة ومرفوضة.

من منّا لا يعرف أن الأمريكان هم الذين دفعوا بالمشروع النووي الإيراني إلى الوجود والتطور أيام الشاه، وحين انتصرت إيران بثورتها للحقوق والقضايا العربية والإسلامية ولاسيما القضية المركزية «فلسطين» غيّروا الهدف، لكن بعد أن كانت إيران قد أنجزت ما أنجزته في المشروع النووي وعلى الساحة الداخلية والإقليمية والدولية، وجاءت هذه الشروط الـ 12 لتزيد منَعة الشعب الإيراني وتعزز وحدته الوطنية، وتدفع بأغلب شعوب الأرض إلى الوقوف إلى جانبه، لتجد الإدارة الأمريكية نفسها قريباً معزولة فاشلة خائبة.

ترامب: لم يعد العالم ألعوبة، وها أنت تدفع بإدارتك إلى تسلّق شجرة يصعب النزول عنها فيما بعد.

 

د. عبد اللطيف عمران