ثقافة وفن

آري جان سرحان.. موهبة ترفض قولبة الموسيقا بالكلمة

كثير من الخامات المميزة يحتويها وطننا، وفي كلّ مرّة تذهلك براعة موهبة جديدة؛ وهذا الكلام ينطبق على الموسيقي الموهوب (آري سرحان) تماماً، الذي أبدع في علاقته مع آلة البزق، فكانت هي بوابته نحو التأليف الموسيقي، وإيجاد لغة متفردة بين لحنه وخيال المستمع، وبتعاونه مع أعضاء فرقة (ورق) يلاقي صدى نشاطه من خلال التحضير لمشاريع موسيقية إبداعية نفخر كسوريين بوجودها.

البزق واختيار الموسيقى طريقاً…

كان والدي مديراً لفرقة رقصٍ شعبي في مدينة الحسكة؛ تقدّم الفلكلور الخاصّ بالمنطقة الشمالية من سورية. ومنذ الصغر اعتدنا على أجواء الموسيقى وتدريباتها، ورؤية الفرق الاستعراضية، فدائماً الغناء والرقص والعزف حالات رافقت حياتنا من عمرٍ مبكر، كما أنّ الكثير من الآلات الموسيقية كانت متوفرة لدينا.

أمّا اختياري لآلة البزق فجاء بحكم ارتباطها الوثيق بنوعيّة فلكلور المنطقة الشمالية من سورية، وكنت أحبّ دراسة هذه الآلة لأنّ من درسها بصورة أكاديمية قلائل، على الرغم من كثرة عازفيها، وقرّاء نوطتها ليسوا كُثر، فكنت أرى أنّ دراستي العلمية هي الهدف الذي سأنشر بعده عن هذه الآلة، ولكن تغيّرت الظروف والأحوال لتتغيّر أهدافي أنا أيضاً.

سبب التغيير

تأخذنا الموسيقا لأماكن لا نقرر الذهاب إليها، ففي السنة الثانية من دراستي في المعهد العالي للموسيقا كُلفت بتأليف موسيقا تصويرية لفيلمٍ قصير، وبعد تجاوز مرحلتي الخوف والتشجّع كانت النتائج جميلة، وصدى الموضوع لاقى الترحيب والتشجيع للاستمرار بهذا الخطّ، ومن هنا توجهاتي تغيّرت فاتجهت نحو التأليف والموسيقا التصويرية، وزاد الاهتمام بالدراما والسينما، فالحلم المرتبط بمعلم يدرّس موسيقا آلة البزق أصبح ذكرى ماضية.

التجارب الأولى في الموسيقى التصويرية

كانت تجربتي الأولى في فيلم سينما توثيقي تسجيلي (بطل البحار) للمخرج (طلال ديركي) يروي حكاية الهجرة غير الشرعيّة للأكراد نحو دول أوربا. بعدها شاركت وزميلي الفنان (خالد رزق) في مجموعة أفلام مع الدكتورة (رانيا قدورة) وهذا شكل لي نقلة نوعيّة. فمن خلال توافر ثلاثين حلقة كان لا بدّ من التنويع في الآلات مع آلة البزق، فكانت مرحلةً تدريبية مهمّة لي. وتوالت بعد ذلك مجموعة من الأفلام القصيرة مثل فيلم (العدّاء) و(سما) وغيرها إلى أنّ قدّمت في العام الفائت 2013 موسيقا تصويرية لمسلسل (التالي).

الاختلاف بين موسيقا الفيلم والمسلسل

تُؤلّف موسيقا السينما على أساس الصورة، أمّا في المسلسلات فمن الممكن صناعتها دون رؤية كامل المسلسل بل مشاهد قليلة منه تكفي. وآلية التفكير تختلف والمقارنة بينهما كبيرة؛ ففي السينما لا بدّ من حضور الفيلم وتكوين اللغة الموسيقية، أمّا في المسلسل فتيمات الموسيقا محدّدة توزّع على الحلقات تبعاً للمشاهد، بمعنى أنّه في السينما لدي وقت أكبر لتكثيف المادة الموسيقيّة، بينما في المسلسل لا أملك الوقت ذاته مقارنة بكم المشاهد؛ فأصنع الموسيقا الخاصّة به ثمّ أقسّمها إلى أجزاء مرتبطة بالحزن والفرح وغيرها بحسب المشاهد. وعموماً في السينما يمكن ربط موسيقا بشخصية بينما في المسلسل هذا الأمر يحتمل الصعوبة وهو غير وارد كثيراً.

ومؤخراً…

قمت بالعمل على مشروعين الأوّل هو تأليف موسيقا تصويرية للفيلم الروائي الطويل (الرابعة بتوقيت الفردوس) للمخرج (محمد عبد العزيز) بمشاركة زميلي الفنان (خالد رزق)، وحاولنا استخدام آلات جديدة هذه المرّة، والتأليف كان مع موسيقا أوركسترالية، وبتعاون الفنان (يحيى تللو). أمّا المشروع الثاني فهو التجهيز لإصدار ألبوم موسيقى لفرقة (ورق) التي تمّ تأسيسها في أواخر 2012 والألبوم مؤلف من ثمان مقطوعات موسيقية، نشرنا واحدة منها في العام الماضي وقد حملت عنوان ( دمشق هذا المساء ) ولاقت إعجاب الناس وكانت ردّة الفعل مشجّعة.

ومن مشاركات العام الماضي 2013 مع أوركسترا العرض المسرحي (من أيّام صلاح الدين) مع الفنان (عاصي الحلاني) في مهرجان بعلبك، وأيضاً حفلة مع الفنان (ابراهيم كيفو) والعلاقة مع الموسيقى الجزراوية المتعددة اللغات في مهرجان بيت الدين.

أسلوب المزج بين الشرقي والغربي

درستُ دراسةً أكاديمية في المعهد، وبحكم الآلات الشرقية التي أعزف عليها كانت الدراسة كلاسيكية جداً، وحتى في الامتحانات كنت أعزف مقطوعات مع الأوركسترا الممثلة بآلة البيانو، بمعنى أنني تعلمت المزج بين الشرقي والغربي من خلال دراسة المعهد فترسخت هذه الآلية. بالتالي يمكن اعتبار هذا اتجاه نحو التطور وتقديم شيء جديد للناس، فمع هذا التطور الحاصل تكنولوجياً في العالم أصبح من الممكن الاستماع لأيّ مقطوعة أينما كانت، والتفكير بها ومزجها مع ما أملك من آلات شرقية، وبصورة أخرى يعدّ هذا نوع من التأقلم وولادة الموسيقا بقالب محلي جميل وجاذب.

موسيقا اليوم تروي الحكاية دون وجود صوت بشري

ما أسعى له اليوم هو موسيقا تصويرية دون أنّ تترافق مع عمل درامي، فمثلاً مقطوعة (دمشق هذا المساء) كلّ من يستمع لها يشكّل صورة خاصة به، ويتخيل مشاهده لوحده، فالموسيقا العربية بتاريخها اعتمدت على الكلمة أولاً، بمعنى قولبة الموسيقا حسب الكلام، وأنا ضدّ هذا المبدأ، وأحاول تقديم الموسيقا لوحدها فهي من سيتكلم، وهي من سيقدم اللغة من خلال تفّعيل خيال المستمع.

بطاقة تعريفية:

آري جان سرحان، مؤلف موسيقي شاب، عازف محترف على آلة البزق، لديه تجارب خاصة في الموسيقا التصويرية الدرامية والسينمائية والمسرحيّة وعدد من البرامج التلفزيونية، خريج المعهد العالي للموسيقا في دمشق، عضو مؤسس لكثير من الفرق المحلية السورية (حلم – نهوند – ألوان – قوس قزح – ورق) شارك في مهرجانات محلية ودولية كمهرجان بعلبك وبيت الدين، والكثير من الحفلات في دمشق والمحافظات السورية، وفي رصيده العديد من ورشات العمل الموسيقية.

البعث ميديا – عامر فؤاد عامر