مساحة حرة

أربيل – ديار بكر – مرسين – تل أبيب.. حلم صهيون يحققه أردوغان

 من المؤسف حقّاً … أن رئيس الوزراء التركي أردوغان يفكر بطريقة اعتقد نفسه فيها داهية عصره، على الرغم من أنه رئيس الوزراء الأسوأ حتى الآن في تاريخ الجمهورية التركية منذ تأسيسها باعتراف الكثير من المحللين السياسيين الأتراك والأجانب.

تقرّب أردوغان “المفاجئ” من رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي ولقائه بمسعود البرزاني في ديار بكر واستفزازه لمصر كي تقوم بطرد السفير التركي وغيرها من الأمور، في الحقيقة ليست إلا لعبة جديدة من ألاعيب أردوغان الخبيثة التي يظن أنها ستنطلي على الآخرين.

إلا أن كل ما ذكر آنفا، له علاقة خفية ومباشرة بوصول أردوغان إلى كرسي رئاسة الجمهورية، ولكن كيف؟!

الطريقة التي وصل فيها أردوغان إلى السلطة في العام 2002، أصبحت معروفة لدى الجميع، وباتوا على علم بخفايا اجتماعاته السرية مع اللوبي اليهودي في واشنطن عندما كان رئيساً لبلدية ” باي أوغلو” في اسطنبول.

ترتبط قوة أردوغان واستمراره في السلطة بعاملين اثنين: تنظيم الجماعة “الإخواني” واللوبي اليهودي.

لكن أردوغان الآن على خلاف كبير مع تنظيم الجماعة بسبب أنانيته وحبه المستميت للإنفراد بالسلطة – أمر يفسر موقفه المتردد من عبد الله غل رئيس  الجمهورية وبولنت آرينتش نائب رئيس الوزراء-  وأما خلافه مع زعيم تنظيم الجماعة ذاته فتح الله غولان فهو بسبب إصرار أردوغان على إصدار قرار يغلق فيه المعاهد الخاصة ومنها المعاهد التابعة لتنظيم الجماعة.

نتيجة لذلك، يفتقد أردوغان الآن إلى أحد عنصري القوة الداعمة له ولوجوده في السلطة، وفي هذه الحالة لم يبق أمامه إلا قوة اللوبي اليهودي وإسرائيل بطبيعة الحال.

ظن الكثيرون بأن تقرب أردوغان من الحكومة العراقية المركزية وتودده لرئيس وزرائها نوري المالكي، تصرفٌ نابع عن تفكير مسؤول بالمصلحة القومية للبلاد، لدرجة أن بعض الكتاب الأتراك بدؤوا يتحدثون عن عودة أردوغان إلى سياسته السابقة والتي تسمى بسياسة “صفر مشاكل” مع دول الجوار.

لو أن أردوغان فعلاً ينوي العودة إلى سياسة صفر مشاكل مع دول الجوار، إذاً لماذا افتعل الأزمة الدبلوماسية الأخيرة مع مصر؟!  نعم … أقول بأنه افتعلها لأنها جاءت بعد تخطيط مسبق.

تقارب أردوغان مع الحكومة العراقية أفسح له المجال بفتح قناة دبلوماسية واسعة مع مسعود البرزاني وشمال العراق الذي يعجّ بالشركات الإسرائيلية، بعد أن كان هذا الموضوع مليئاً بالعراقيل التي تضعها الحكومة العراقية. وهنا نذكر جميعاً انزعاج بغداد المتكرر من التواصل المباشر بين أنقرة وأربيل وتجاهل الاثنين لبغداد التي رفضت في إحدى المرات عبور طائرة تركية فوق أراضيها كانت تقل وزيراً تركياً في طريقه إلى أربيل.

حل المسألة الكردية والتقدم في مسيرة مفاوضات الصلح مع حزب العمال الكردستاني، ناهيك عن بناء علاقات حميمة مع العراق كدولة، لا يعد الهدف الأساسي من تقارب أردوغان من حكومة العراق المركزية، لأن الهدف الرئيسي هو الوصول إلى أربيل وفتح الطريق التجاري مع الشركات الإسرائيلية التي تعمل هناك لكسب رضا ودعم اللوبي اليهودي له في الانتخابات البلدية والبرلمانية التي باتت على الأبواب، وإعطائه الضوء الأخضر للوصول إلى كرسي الرئاسة في قصر “تشاناك كايا” بأنقرة .

لم يتوقف طموح أردوغان في كسب رضا ودعم اللوبي اليهودي ومن ورائه إسرائيل عند فتح خط أربيل – ديار بكر من أجل إيصال الشركات الإسرائيلية إلى جنوب تركيا وتوسيع نشاطها في الداخل التركي، بل وصل إلى حد التضحية بعلاقات بلاده السياسية والاقتصادية ومصالحها القومية مع دولة كبيرة ومحورية مثل مصر.

يعد خلاف أردوغان مع مصر هدية كبيرة لإسرائيل قُدمت لها على طبق من ذهب، أعاد من خلاله الحياة إلى حلم بني صهيون القديم المتمثل بسيطرتهم على المنطقة الممتدة من شمال العراق إلى مياه المتوسط. هذا الحلم الذي طالما عجزت إسرائيل عن تحقيقه لعقود عاد الآن إلى الساحة السياسية كمشروع بديل لمشروع الشرق الأوسط الكبير الذي مني بهزيمة كبيرة بعد ارتطامه بالصخرة السورية.

 كان أردوغان الإخواني ولا زال يحاول إقناع أتباعه من المتشددين وحتى المتدينين البسطاء بأن إسرائيل عدوة له لاستعطافهم من خلال اللعب على وتر الدين، ولكن الآن بعد قطعه لعلاقاته الدبلوماسية مع مصر لم يعد لديه حرج أمام مناصريه وأتباعه في فتح ابواب تركيا على مصراعيها أمام “إسرائيل”.

عداء أردوغان لمصر فتح الطريق أمامه نحو تل أبيب، حيث أصبح بإمكانه تحويل إسرائيل برا وبحرا وجوا إلى ممر أساسي للتجارة التركية. وعندما استبق هذه الخطوة بفتح خط أربيل – ديار بكر، بات قادراً على إيصال هذا الخط بشكل مباشر عبر الموانئ التركية إلى “إسرائيل” .

تحقق حلم صهيون القديم الجديد (أربيل – ديار بكر – مرسين – تل أبيب ) على يد أردوغان، فكيف لإسرائيل ألا تكافئه على هذا الصنيع وتُجلسه على كرسي رئاسة الجمهورية التركية؟!

البعث ميديا || أسامة شحود