مساحة حرة

أردوغان وانقلاب السـحر على الساحر

هل وجدت حكومة أردوغان نفسها أمام طريق مسدود في رهانها على «داعش» بعد أن بدأ الوحش الذي سمنته ينهشها, علماً بأن حكومة أردوغان بقيت حتى الآن الداعم الإقليمي الأوّل لـ«داعش»، بينما الدعم الذي تتلقّاه من دول عربية معروفة يبقى محدوداً ومحدّداً بالمال، أمّا حزب العدالة والتنمية فيقدم لـ«داعش» دعماً بالسلاح والعناصر وكل المتطلبات اللوجستية وهو في حقيقة الأمر سر وجودها واستمرارها, ويعلم الأميركيون وسائر القوى الاستخبارية الدولية ذلك, ففي نهاية شباط الفائت، أكد رئيس الاستخبارات الأميركية جيمس كلابر، أثناء جلسة استماع أمام لجنة القوات المسلحة في مجلس الشيوخ، أنّ محاربة «داعش» ليست أولوية لحكومة أردوغان وكشفَ أنّ 60 في المئة من مقاتلي «داعش» الأجانب يَصِلون سورية عبر تركيا بسبب «الأجواء المُتساهلة».

إن التطورات المتسارعة تقودنا إلى القول: ان السحر بدأ ينقلب على الساحر وان مصداقية ما نبهت منه سورية منذ بداية الأحداث الإرهابية لم تعد موضع شك, فعندما قالت سورية قبل خمس سنوات بالفم الملآن لحكام العواصم التي صدرت الإرهابيين والعصابات الإرهابية إلى داخل أراضيها إن هؤلاء سيرتدون عليكم عاجلاً أم آجلاً وإن الإرهاب سوف تتطاير شظاياه إلى أعماق بلدانكم كانوا يهزؤون من هذه الأقوال والتحذيرات ولا يأخذونها على محمل الجد إلى أن بدأت الوقائع تكذبهم والدماء تسيل في شوارعهم  وأصوات المتفجرات والمفخخات والرصاص تصل إلى أماكن لم يحسبوا يوماً من الأيام أنها يمكن أن تصل إليها ومؤخراً ضرب الإرهاب ضربته المزلزلة في مدينة سروج التركية التي أدت إلى مقتل أكثر من ثلاثين وإصابة أكثر من مئة.

لقد نفذت عملية سروج العصابات الداعشية التي نمت وترعرعت وما زالت في كنف حكومة أردوغان إذ أعلن رئيس الحكومة أحمد داود أوغلو أن تنظيم «داعش» يقف وراء الهجوم الدموي، الذي أسفر عن مقتل العشرات في مدينة سروج الحدودية مع سورية، وقد توعد بعدها زعماء مجموعات إرهابية من «داعش» بالقيام بعمليات أخرى وإيقاظ مئات الخلايا النائمة التابعة لهم على امتداد الأراضي التركية وحذروا مشغلهم وصاحبهم رجب أردوغان من أن التفجيرات القادمة لن تستثني المناطق السياحية التركية التي تعد من المحرمات نظراً لكون السياحة العمود الفقري للاقتصاد التركي.

علاقة حكومة أردوغان بتنظيم «داعش» مكشوفة ومفضوحة  فقد أكد الباحث ديفيد فيليبس من جامعة (كولومبيا) الأميركية أن الوثائق كشفت (أن السعودي بندر بن سلطان مَوَّلَ نقل السلاح لـ«داعش» عبر تركيا)، وفي تصريح لأحد متزعمي«داعش» لصحيفة «واشنطن بوست» في 12/8/2014 قال: إن أغلبية المقاتلين الذين انضموا في بداية الحرب أتوا عبر تركيا، وكذلك الدعم اللوجستي، والتسليح والتمويل .

وها هو النائب العام التركي الذي اعتقل بتهمة «تشكيل منظمة إرهابية ضد حكومة حزب العدالة والتنمية» عدّ في شهادته أمام المحكمة أن أي تساهل في نقل أسلحة لمتطرفين في سورية سينتج عنه موت المئات من الشعب التركي، وأوضح أن تفجير الريحانية الذي وقع في 11 أيار 2013 من خلال تفجير سيارتين وأدى إلى مقتل 52 شخصاً، وجرح 140 آخرين قد تم بإشراف المخابرات التركية من خلال العلاقة مع مجموعة إجرامية كانت تنقل السلاح والإرهابيين إلى سورية..

في سياق متصل، كتبت مجلة «دير شبيغل» الألمانية الثلاثاء 21 تموز 2015 على موقعها على الانترنيت: «العملية الإرهابية هي آخر دليل وأوضحه على أن سياسة الحكومة التركية إزاء سورية قد منيت بفشل ذريع», فلقد غضت أنقرة الطرف طويلاً عن تنامي قوة تنظيم «داعش» في سورية، حيث كان الإرهابيون  يعبرون الأراضي التركية من دون أي مراقبة باتجاه سورية كما تردد أن هؤلاء كانوا يسوّقون النفط المسروق عبر تركيا.

إذاً, هل عاد الوحش إلى البيت الذي تربى فيه وبدأ يتلذذ بمنظر الدماء التركية؟؟ ولمــاذا في هـذا التوقيت ومـا الأســباب ؟؟

أولا وقبل الإجابة نقول: إن العلاقات بين «داعش» وأردوغان لا تخفى على أحد إلى درجة أن ابنته سمية أردوغان تترأس منظمة سرية تعمل على تأمين استشفاء جرحى  التنظيم, وباستمرار كان جرحى إرهابيي «داعش» ينقلون إلى مستشفيات ابنة أردوغان للعلاج والرعاية وإعادة تأهيلهم  ومن ثم إعادتهم للأعمال الإرهابية في سورية وهذا الكلام ليس من فراغ وإنما هو مثبت بتقرير نشره موقع «غلوبال ريسيرش» الذي اعتمد على شهادة ممرضة (34 سنة)، فضلت الصحيفة عدم الكشف عن هويتها حفاظاً على حياتها، وكشفت الممرضة التي تعمل سراً في مستشفى عسكري في «شانلي أورفا»، وهي مدينة تقع جنوب شرق تركيا، على مقربة من الحدود مع سورية، النقاب عن معلومات عن ترؤس سمية أردوغان هيئة طبية سرية لعلاج جرحى تنظيم «داعش» ونقل المسلحين إلى المستشفيات التركية.

نعود إلى السؤال: لماذا الوحش «الداعشي» عاد ليقض مضجع صاحبه؟ هناك من يقول: أن صاحب الوحش لم يعد مسيطراً تماماً على وحشه, وهناك من يقول إن الوحش استخدمته حكومة أردوغان للقضاء على مجموعة من الاشتراكيين الأكراد المناوئين  لها في مدينة سروج وقبلها في الريحانية,  وإن مثل هذا الاستخدام سوف يتكرر لأن «داعش» إحدى أهم أذرع المخابرات التركية في الداخل والخارج, وهناك يقول: إن نظام أردوغان يريد من وراء اتهام «داعش» إظهار نفسه بأنه ضحية إرهاب هذا التنظيم وبذلك يهيئ الأجواء للالتحاق بالتحالف الدولي أو التحالف الذي دعا إليه بوتين إذا ما أبصر النور وفي كل الأحوال, كما تجمع المعارضة التركية, فإن أردوغان هو الذي جلب هذه الشرور الإرهابية كلها إلى سورية  التي انتقلت نارها إلى عقر داره.

والآن جاء وقت الاستحقاق ولم يعد في مقدور حكومة أردوغان تأجيله فلا هي في إمكانها أن تبقى في موقفٍ مُلتبس ومزدوج  إزاء «داعش» تقول في العلن شيئاً وتعمل في الخفاء أشياء, ولا هي قادرة على تلبية مطلب «داعش» بتنفيذ تهديدها بالدخول عسكرياً إلى الشمال السوري، وترجيح الكفّة لمصلحتها بعد أن أضحى هذا مستحيلاً في ظل مآزق عدة، أبرزها أنّ أنقرة هي اليوم في وضعية الحكومة الانتقالية، وأنّ الجيش التركي ليس متحمّساً لمغامرة من هذا النوع، وأنه يجب على تركيا إعادة حساباتها بدقّة بعد التطور السياسي الاستراتيجي المُتمثِّل بتوقيع الاتفاق النووي الإيراني,  من هنا ظهر الانفجار الكبير بين أردوغان وتوابعه الإرهابية.

تركي صقر