مساحة حرة

أردوغان.. يا ليت الذي جرى ما كان!!

تداعت منذ يوم أمس الأحداث على خلفية قيام تركيا بإسقاط طائرة السوخوي الروسية فوق الأراضي السورية، وحبس العالم أنفاسه، ترقباً لما ستكون عليه ردّة فعل موسكو على هذا التطور الخطير، والإنعطاف المفاجئ في سير المعارك ضدّ الإرهاب.

أردوغان وفي أول تصريح له بعد الواقعة قال: ” لم نكن نريد ما حدث ولكننا تعاملنا ضمن القوانين الدولية”.

الرأس التركي هذه المرة استخدم طربوشا أكبر من حجمه، فتدلّى على عينه، مما كان على ما يبدو سببا في حجب الرؤيا، وانعدام البصيرة عند صاحب القرار في ذلك البلد الذي ربما وجب على أهله أن يحزنوا على إسقاط الطائرة الروسية أكثر من حزن الروس أنفسهم.

إن أعتى المنظرين والمحللين العسكريين حول العالم، فشلوا حتى اللحظة في استنباط المغزى أو الهدف من اتخاذ أردوغان لقرار إسقاط الطائرة الروسية، فإما أنّه عبقري، وهذا أمرٌ مُستبعد كون تاريخ تعامل هذا الرجل مع “صفر مشاكل” كفيل بتوضيح النتائج، وإمّا أنّه غافل ومخدوع !!!

وبكلتا الحالتين فإن حادثة إسقاط الطائرة الروسية لن تمرّ بسلام، بحسب تصريح الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، حيث قال: “إن إسقاط المقاتلة الروسية طعنة في الظهر من أعوان الإرهاب، وستكون له عواقب وخيمة”.

هذا الإختصار يعتبر كفيلاً بأن يُفسر للسلطان ما سيكون، فالقانون الدولي الذي مازالت روسيا تحترمه حتى الآن، يبيح لها أن تتخذ كافة الإجراءات اللازمة كي تؤمن حماية مستدامة لمختلف أنواع قواتها العسكرية، وهذا ما فعلته بشكل مبدئي بعد الحادثة مباشرة، حيث أعلنت موسكو أن “طائراتها المقاتلة اعتبارا من الآن، ستدمر أي هدف تعتقد أنه يشكل خطر عليها”.

وبهذا، تكون روسيا قد فرضت على جميع القوى التي تحلّق في سماء سورية “قواعد اشتباك” جديدة، وهذا بحدّ ذاته يعتبر خسارة تضاف إلى سجل أردغان الحافل….

وبما أنّ “قواعد الإشتباك” وبحسب القانون الدولي أيضا، “يمكن تعديلها بما يؤمن الردّ الكافي على الأمر الطارئ”، فاالخطوة الروسية بـ “الغاء الإتصالات العسكرية مع تركيا” تعتبر أمراً بالغ الأهمية، حيث لم يعد من الممكن بعد الآن وجود أي تنسيق بين الطرفين، مما سيبرر بالتالي للطائرات الروسية استهداف نظيراتها التركية واسقاطها، وربما هذا ما سنشهده في الأيام القادمة.

كما أن “المنطقة الأمنة” التي كان يحلم أردوغان بتنفيذها خلال الأسابيع القادمة أصبحت اليوم في خبر كان،بعد أن تحوّلت طائراته إلى أهداف مشروعة للمقاتلات الروسية.

ورغم هذا، يبقى من المستبعد قيام روسيا بردّ عسكري شامل، على اعتبار انها لاتنتمي إلى فريق الحمقى والمتهورين الذي تقوده الولايات المتحدة، وبالتالي ليس من ضمن مخططاتها انزلاق المنطقة إلى حرب جديدة لاتبقي ولا تذر.

ولكن، ورغم هذا، كان من الأجدر بأردوغان التفكير قليلا بالأبعاد القانونية والعسكرية والسياسية، قبل أن يعطي الأمر لطياريه بإسقاط المقاتلة الروسية، فموسكو قادرة على الرد الموجع، سياسياً وعسكرياً واقتصادياً، حيث أكدت مصادر روسية مطلعة أن ما قصده بوتين في حديثه عن “العواقب الوخيمة” يتعلق تحديدا بالشق الإقتصادي، كون تركيا ترتبط بعدد من المشاريع الروسية الضخمة، منها مشروع “السيل التركي” الذي سيمكن تركيا من لعب دور هام كموزع للغاز إلى الدول الأوروبية، بالإضافة إلى مشروع محطة ‘أكويو’ النووية برعاية روسيا أيضا.

و الغاء هذه التعاقدات سيشكل ضربة موجعة ومكلفة جدا على الأتراك، وربما لن تجد أنقرة بعد هذا شريكا مناسبا لمشاريعها الإقتصادية مع استمرار نظام أردوغان في الحكم.!!!!

فما الذي بقي للسلطان كي يحصده ،جزاء وفاقا لما اقترفت يداه..!!

 

ساهرة صالح (بتوقيت دمشق)