ثقافة وفن

أرواح صغيرة تطغى على رائحة الحرب

ريم حسن

هو مكان ما من العالم أثبت شعبه ومجتمعه على أنهم قادرون على الاستمرار والحياة بقوة، إنه ذاك البلد المسمى سورية. حتى الطفل احتل  جزءاً كبيراً من هذا المجتمع، وأثبت وبقوة بأن العمر الصغير ليس نقطة ضعف بل هو قوة عظمى تحثنا على المضي قدماً بمجرد النظر في أعينهم الحالمة وبراءتهم، فلا نجد أنفسنا إلا ونحن نضحك لضحكاتهم ونفرح لفرحهم ونخرج الطفل الموجود داخل كل نفس فينا ليحاكي طفولتهم.

في معرض افتتح مؤخراً، اختص بأعمال أطفال اختاروا أن يقدموا أفكارهم الفنية بإبداعات مرئية تلقائية في بلاد أتعبتها أنات قاطنيها من حرب ودمار، واندفعوا لتقديم مالديهم تحت شعار الحضارة والإنسان.

قدم الأطفال في معرض الفنون الجميلة المركزي، الذي أقيم في مكتبة الأسد، أكثر من ١٤٠٠ عمل فني من رسم ونحت وأشغال يدوية، وحاكوا بلادهم بكل حضاراتها من تاريخ وموسيقا وفن، بمشاركة ١٥٠ طفل من ذوي الاحتياجات الخاصة، وبدؤوا بورشة عمل جماعية، ولفتت الأنظار مجسماتٌ لآثار سورية مشغولة بمواد بسيطة أولية سهلة الاستعمال بالنسبة للطفل، وقدموا أيضاً منحوتات صغيرة بأزياء فلكلورية شعبية وجميلة ولوحات ملونة بسيطة، منها ما شُكل بحجارة اختارها الفنان الصغير ليغير معالمها على طريقته الخاصة ويبدع عمله الفني، وتلك الفرقة الموسيقية هناك التي تحولت من أسلاك معدنية باردة وميتة إلى حالات إنسانية رائعة، عازفة ً لحن أيامهم الجميلة الآتية، وفي زاوية أخرى تراصت عدة لوحات مختلفة بألوانها ومتشابهة بروحها الصغيرة والبسيطة.

الفن بكل أشكاله ليس مجرد كلمة بسيطة، إنما هو كل شي جميل، تلك الزاوية الإنسية من أرواحنا، فعندما نعطي لأطفالنا الوقت لإثراء ذلك الجمال المكنون داخلهم سيبدعون وينشرون جمالهم، وشيئا فشيئاً يختفي الجانب الوحشي المتربص لأي فرصة سانحة للاحتلال.

سابقاً، لم يكن للفن حضورٌ، خاصة في المدرسة، وفي أغلب الأحيان اعتبرت أي حصة فنية، رسماً كانت أم موسيقا، فرصة لتعويض المدرس عن تقاعسه في إكمال منهاجه، فيسارع لقنص تلك الحصة اليتيمة من الأطفال، ويخنق لديهم كل روح إبداعية ويساهم بلا مبالاة في تجريد أرواحهم من الجمال.

أعمال كثيرة ملأت هذا المكان غطت على رائحة الحرب الخبيثة، ولم يتخللها أي أعمال فنية تحريضية ولا عنصرية، إنما عبرت عن روح الإنسان فقط، وأثبت ذاك الفنان الصغير أنه يستطيع أن يتعايش مع الجميع ويعبر عن كل شي برؤيته الخاصة وعما يتمناه فقط، من أسرة جميلة وحياة هادئة وشعور بالأمان في أحضان بلاده، دون أن يلغي الآخر.

علينا دائماً أن نغني هذه الروح بكل ما هو جميل، سواء كنا صغاراً أم كباراً، ونغذيها بالتأمل بإبداع الخالق من فنون وموسيقا خالدة مستقاة من الطبيعة، فمن دون مبالغة يجب أن نؤمن بأن الفن سلاح الحضارة في وجه التخلف والرجعية، ومرقد آمن للشعور بالسلام، فلنربي أجيالنا الغضة على استخدام هذا النوع من السلاح.