ثقافة وفنسلايد

أمومة مفقودة!

لطالما كان عيد الأم رمزاً للحب والعطاء اللامحدود، عيد تُتوّج فيه الأمومة بكل تجلياتها على عرش الحياة لتهبها الروح والنقاء والنور، ومن أجدر من الأم بذلك؟!

لكن.. ماذا عن الأمومة المفقودة، ماذا عن الأم التي رحلت، الأم التي تخلّت وحَرمت ومَنعت، الأم التي خانت أمومتها وعنّفت وقست، ماذا عن اللا حب واللاعطاء واللاروح، ماذا عن اللاأم.

أسئلة مرّة، فرضت نفسها بقسوة في واقعنا، وبقدر مرارتها، نتوه في زحمة عتمتها دون أن نجد لها إجابة تشفي، أو لعلنا نتهرب من ألم الإجابة.

سألتني صديقتي مرة، ما هو أكثر موقف تذكرينه لأمك، أجبتها، أذكرها بكل لحظاتها وبكل مواقفها، أعادت النظر إلي بعتب مؤلم جعلني أشعر بضآلة جوابي أمام حجم وجعها، وقالت.. أنتِ لديك ما أنفقتُ عمري وأنا أبحث عن لحظة منه، وأظن أن بحثي سيبقى مستمراً دون جدوى، ستبقى روحي تبحث عن الأمان الذي لن أعرفه يوماً لأني فقدته بفقد أمي.

نعم.. هناك الكثير من الأطفال الذين حرموا من أمهاتهم ببعدهم عنها، أو حتى بوجودها، وبالتالي هم حرموا من كل أسباب بنائهم وتوازنهم وتميزهم.

تتفق دراسات علم النفس أن الأساس السليم لصحة الطفل تتأتّى بالدرجة الأولى من العلاقة بينه وبين أمه، وأن الحرمان الأمومي يسبب له إعاقة في النمو الجسدي والنفسي والعقلي، فخلال السنوات الأولى تتكون الذات الشعورية للطفل، ويعود الفضل في صقل هذه الذات واستقرارها وإرساء أسسها للغة الأولى التي يفقهها، وهي الأم، فعملية التواصل بينهما تؤثر فيه تأثيراً بالغاً يفوق أي عملية أخرى، لأنها الوحيدة التي تستطيع أن تشبع حاجاته الروحية والنفسية والتي تعتبر الأساس في تكوين شخصيته، وهي الأقدر على احتوائه ووهبه مشاعر الأمان التي هو بحاجتها والتي لن يستقيها إلاّ من حضن أمه.

وكما سلبتنا الحرب كل جميل في حياتنا، كانت السبب في سلب أمهات الآلاف من الأطفال، الذين هم الأحق بالاهتمام، والأجدر أن ندق لأجلهم كل نواقيس الخطر كي ينالوا حقهم من الرعاية الاجتماعية والنفسية التي قد تعوضهم، بشكل أو بآخر، عن فقدهم لأهم أسس عالمهم الداخلي التي حرموا منها، وتضمن لهم البناء السليم لإنسان متوازن قادر على مواجهة الحياة والمستقبل الذي نعوّل عليهم في بنائه.

الأم وطن، ولعلّنا، كلنا، بأمس الحاجة لوطن الأمومة، ولأمومة الوطن.

 

هديل فيزو