ثقافة وفن

ابن باديس.. لوحة فنية لملحمة وطنية جزائرية

من دمشق إلى قسنطينة انتقلنا.. مشهد لأسرى يسوقهم المستعمر إلى قدر مجهول.. وإعلان قدوم طفل ستكون حياته حكاية مناضل ضد الاحتلال والجهل.. حياة رائد للنهضة الإسلامية..

مناضل جزائري، لم نكن نعرف عنه الكثير.. حارب المستعمر.. وحارب الجهل والفقر الذي خلفه الغزاة.. لم يتخل عن جوهر الدين ومواصفات المتدين.. في الوقت ذاته ساهم في إثراء الثقافة بافتتاح الصحف والجمعيات..

الشيخ عبد الحميد بن باديس، الذي كان له دور كبير في إعادة بناء الإنسان الجزائريّ وصقل شخصيّته، رأى أنه يستحيل على الجزائريّين محاربة فرنسا وهم مستلَبون حضارياً وثقافياً، فعكف على إقامة المعاهد التعليمية والمدارس القرآنية، والعربية التي ألغتها فرنسا و حاربتها من باب تجفيف المنابع..

تناول الفيلم أبرز المحطات التي شهدتها حياة العلامة ابن باديس، من وجهة نظر الكاتب، ومقاومته للمستعمر الفرنسي، وكذلك المؤامرات التي حيكت ضده، حيث استطاع أن ينسف مقولة الاستعمار، الذين كان يعتبر الجزائريين فرنسيّين، وكل المنطلقات الفكرية والإيديولوجية التي قامت عليها الحركة الاستعمارية..

كان مهادنا للاستعمار نهارا معاديا له ليلا، ورغم محاولات فرنسا لاستمالته، بعد فشل محاولات اغتياله، إلا أنه بقي متمسكا بعقيدته وأفكاره.. عروبيا محاربا للتضييق على اللغة العربية، معاديا لأدق تفاصل الاحتلال، وهذا ما ظهر حين رأيناه يوبخ أحد تلامذته لارتدائه قبعة فرنسة، قائلا «إن تراب الجزائر فوق رأسك أشرف من كل قبعات فرنسا»..

تنقل الفيلم، عبر خطوط درامية، بين حياة العلامة ابن باديس، بشكل متشابك ومتقاطع، وبمقاربة ذكية لم تغرق في التفاصيل المثيرة للاختلافات، بل كان عاطفيا عقلانيا في الوقت ذاته، أخلاقيا، إنسانيا وموضوعيا..

ملحمة جزائرية، أظهرت الجانب الوطني والمنفتح في شخصية ابن باديس، فهو رجل دين رفض المذهبية والنزعة الإلغائية والعدائية، فهم الدين على أنه عطاء واسع لتوحيد الجزائريين من أجل تحقيق هدف واحد، هو تحررهم وبناء حياتهم المستقلة العادلة، وفقا للناقد سعد القاسم، الذي ذكره الفيلم بأعمال أخرى تحدثت عن ثورة الجزائر ونضالها..

وكان على مدار ساعتين من الزمن، أمام شريط من اللوحات الفنية الرائعة، كل لقطة فيه مدروسة بدقة، إضافة لأداء الممثلين الساحر..

مخرج العمل، باسل الخطيب، الذي رفع سقف التحديات في الجزائر، كان متوجسا من خوض التجربة، كونها تتحدث عن شخصية إشكالية، مع وجود وجهات نظر متضاربة حولها، وخطورة مقاربة مثل هذا النوع من الشخصيات التي مازالت حاضرة في وجدان وأذهان الناس بقوة..

فريقا العمل السوري والجزائري، رغم اختلاف طرق العمل بينهما، إلا أن الانسجام كان طاغيا على أجواء العمل، وهذا ما بينه بطل الفيلم، يوسف السحيري، حيث تطلب الأمر مجهودا كبيرا بذله الطرفان، للوصول إلى هذه اللوحة الفنية..

ومن الناحية الموسيقية، تكلم المؤلف الموسيقي سمير كويفاتي أن الأجواء الكلاسيكية، كانت مغايرة لما اعتدنا عليه في أفلام باسل الخطيب السابقة، إلا أنها نقلت ما عبر عنه الفيلم تماما، وجعلتنا نعيش، كأننا بين الناس في الجزائر..

ربما كانت اللهجة الجزائرية أكثر ما أعاق فهم الفيلم، عند عرضه في دمشق،  إلا أنها لم تمنع من الاستمتاع بالقيم الفنية والإحساس الحقيقي بروح الفيلم..

وكوجهة نظر بالفيلم، وجد الممثل علاء قاسم أنه من الممتع التعرف على تاريخ المقاومة الجزائرية من خلال فيلم سينمائي، كان من المتوقع أن يكون سياسي، إلا أن الطابع الإنساني كان طاغيا عليه، حمل كل قيم المقاومة والدفاع عن الهوية الوطنية ضد الظلم والاستعمار..

جزائريا كان أم سوري.. فلسطينيا، عربيا، أم أجنبي، جنسية المخرج لاتهم، بقدر ما يمكن أن يقدمه لمثل هكذا أعمال، وباسل الخطيب قدم ابن باديس بطريقة فنية لا يختلف على جاذبيتها وبراعتها ودقتها أحد..

إلا أن البعض رأى أنه لم يستغل الخلفيات التي تفرضها البيئة الجزائرية التي عاشها ابن باديس، مفضلا التركيز على الوجوه، فخسر توظيف المكان، باستثناء بعض المشاهد القليلة..

«لابد من  اعتبار ابن باديس أبا لحركات التمرد بين عامي 1945 و1954، وملهما لأفكار حركات جبهات التحرر الوطني»، بهذه العبارات ختم المخرج فيلمه.. ملخصا حياة ابن باديس النضالية، التي جاءت باعتراف من أحد الضباط الفرنسيين..

 

البعث ميديا  ||  رغد خضور