مساحة حرة

اختبـــــار الأقصــــــى

لم تنتهِ أحداث الأقصى الأخيرة، ولن تنتهي، وهي ليست منقطعة عن سياق القضية المركزية للعرب وللمسلمين، وستفشل محاولات اختزالها بقضية بوابات الدخول، كما ستفشل مسألة حصرها بالبوابات الالكترونية أو كاميرات المراقبة… إلخ، لأن القضية أبعد من ذلك وأكبر.

وللأسف، في خضم أحداث الأقصى اليوم تتناقل الأجيال ووسائل التواصل الاجتماعي فتاوى الوهابية بأن الأقصى ليس ثالث الحرمين الشريفين، وأن كلمة ثالث خطأ، فقد أفتى الدعاة في السعودية وغيرها بعدم الجهاد في سبيل الأقصى وبعدم قتال اليهود من أجل الأقصى ولا من أجل الفلسطينيين الذين «….» فدوّت صرخة «لن ننصر الأقصى» الفاجرة، ولذلك اختار خادم الحرمين الوقت المناسب لقيلولته في طنجة.

في هذا الخضم طالبت صحيفة معاريف الصهيونية أول أمس الحكومة «بعدم إنكار العلاقة مع السعودية التي تحوّلت “إسرائيل” مع مرور الزمن إلى عشيقتها السريّة، ولماذا الإنكار بعد أن فقد النظام السعودي الحياء منذ زمن طويل بحيث لم يعد يتأثر بالكشف عن حقيقة هذه العلاقة؟!».

قضية الأقصى من القضايا التاريخية، وانتفاضة اليوم تنبعث من رماد التطبيع والاستسلام، والسلام المخادع، وبدعة القرار الوطني المستقل، ومايتصل بذلك من إيحاءات بفشل المشروع القومي العربي، وحصر القضية المركزية إلى حد تهميشها فموتها.

تنبعث قضية «بوابات» الأقصى لتنتشر تداعياتها انتشار النار في الهشيم ولتثبت أن الصراع بين المشروعين العروبي والصهيوني متّقد ومستمر ومشتعل ولا يطفئ لهيبه “الاعتدال العربي” ولا غيره، وذلك بسبب غياب الاعتدال الحقيقي بكافة أطيافه في المنطقة وانتشار التطرف والإرهاب وعند الصهاينة أولاً.

ويبدو أن القضية الأخيرة ملأى بالتربّص وبالكمائن وبآفاق الانتظار المفتوحة عند أغلب الأطراف من الجامعة العربية البائسة، إلى مجلس التعاون الخليجي «العتيد»، إلى منظمة التعاون الإسلامي أسيرة الوهابية والإخونجية، وصولاً إلى مجلس الأمن الذي يهتّم باستقرار أنظمة هذه الدول على حساب اهتزاز المجتمع والدولة.

قضية الأقصى الأخيرة بيّنت كم هو الكيان الصهيوني مأزوم أزمة لا نهاية لها في وقت تخيّل فيه قادته أن أزمته انتهت مع أزمة العرب في «ربيعهم» وتغنَّوا بانشغال المجتمعات العربية والجيوش العربية والأنظمة بالصراع المذهبي مقابل تناسي الصراع العربي الصهيوني.

فقد ظن الصهاينة ومعهم كثيرون أن روح المقاومة لمشروعهم تلاشت، بل انزاحت وانحرفت لتقع في فخّ تاريخي منصوب منذ عقود وهو الصراع العربي الإسلامي بين المذاهب والأعراق. وهو ظن لا شك له مسوغاته الواقعية الراهنة التي لايمكن نكرانها، لكن الواقع نفسه يؤكد أن القضية المركزية لا تموت ولن تموت، فروح الأقصى عروبية محضة تآلفت وتتآلف فيها المساجد مع الكنائس عند العرب وفي العالم.

الأقصى اليوم، وسابقاً ومستقبلاً اختبار ومحك، وهو جزء من القضية المركزية، وهما جزء من المسألة الكبرى: احتلال الأراضي العربية والعدوان المادي والمعنوي على العروبة والإسلام، إذن: فكل أرض عربية محتلة هي الأقصى، وهي في مواجهة المشروع الصهيوني حرُم، دون أن يتناقض ذلك مع الحرمين الشريفين، بل يكمله ويعززه ويؤكد أن الحرمين ليسا لآل سعود، والأراضي العربية المحتلة ليست مسألة سلطات عربية. إن المسألة مصيرية ومستقبلية، مسألة صراع حضاري بين المشروع الصهيوني التدميري، والمشروع الحضاري بأفقه العربي الإسلامي.

وإذا تمكّن عدد من الأنظمة العربية من لجم الشارع العربي ومصادرة مشاعره تجاه الأحداث الأخيرة في القدس، وتمكّن بعضها ولاسيما الأردن والسعودية من استثمار الأزمة للتطبيع، فإن هذا شعور مخاتل ومؤقت، فالكيان الصهيوني مأزوم – كغيره – وأزمته مستمرة وتتفاقم خصوصاً مع نتنياهو، ولابد من المعركة.

يخطئ مجلس الأمن، وأنظمة الجامعة العربية، ومنظمة التعاون الإسلامي، وكل من يظن أن فشل أو تأجيل عقد اجتماعاتهم هو بسبب عدم الوصول الى حل مشكلة «إغلاق المسجد أمام المصلين»، كما يخطئ من يظن أن الرهان عليهم وعلى دول الاعتدال العربي مجدٍ لحل الأزمة، وبالمقابل يخطئ من يظن أن خيار المقاومة نهجاً وثقافة ليس بديلاً مجدياً ووحيداً.

د. عبد اللطيف عمران