الشريط الاخباريمساحة حرة

الأسد يرسم من سوتشي معالم الحل السياسي في سورية

د. شاهر إسماعيل الشاهر

أستاذ العلاقات الدولية ومدير المركز الوطني للدراسات والبحوث الشبابية

بعد الانتصارات الكبيرة التي حققها محور المقاومة بالقضاء على تنظيم داعش الارهابي ومن خلفه الولايات المتحدة الأمريكية وأذنابها في المنطقة. حيث تم تحرير مدينة البوكمال الحدودية مع العراق ليصبح خط طهران- بغداد- دمشق – بيروت مؤمناً وتحت سيطرة محور المقاومة. وبعد زوال وهزيمة دولتهم المزعومة في المنطقة، أتت زيارة الرئيس بشار الأسد إلى مدينة سوتشي الروسية قبل يوم من انعقاد القمة الثلاثية بشأن الأزمة السورية التي من المفترض أن تنطلق غداً الأربعاء بين رؤساء روسيا وتركيا وإيران.

وهي الزيارة الثانية للرئيس الأسد منذ بدء الحرب في سورية حيث كانت الزيارة الأولى في أكتوبر 2015 والتي رسمت خارطة التحالف العسكري السوري الروسي لمحاربة الإرهاب، ورسمت خارطة لتواجد القوات العسكرية الروسية في سورية. هذا التحالف الذي أثبت فعاليته وقدرته على تحقيق أهدافه. والذي استطاع هزيمة الإرهاب وفضح مزاعم دول التحالف الداعمة للإرهاب.

لقد استطاع محور المقاومة  المتمثل بالجيش العربي السوري والأصدقاء والقوات الرديفة، استطاع كشف وفضح العلاقة بين داعش والولايات المتحدة الأمريكية. وهو ما قالته سوريا منذ البداية، ولسنا هنا بحاجة إلى اعترافاتهم، لكن اعترافات حمد الصغير وزير خارجية قطر الأسبق جاءت لتفضح وتفقأ عين من لا يريد أن يرى الحقيقة.

لقد جاء لقاء الرئيس الأسد مع كبار المسؤولين في وزارة الدفاع وهيئة الأركان الروسية وكبار القادة المشاركين في العمليات العسكرية في سورية وشكرهم على دورهم في المساعدة الحقيقية في دحر الإرهاب ودك حصونه ومعاقله. كمؤشر لوضع تصور لنهاية العمليات العسكرية الروسية في سورية والتي من المتوقع أن تنتهي قبل نهاية هذا العام لتنطلق العملية السياسية والتي لا يقل خوضها عن العملية العسكرية، حيث استمع الرئيس بوتين لرؤية الرئيس الأسد لمستقبل الحل السياسي في سورية وهو ما يضع نهاية لخرافة “سورية بدون الأسد”.

لقد أكدت سورية منذ البداية أن لا حل للأزمة في سورية إلا بالحوار السياسي وهو ما كانت ترفضه الأطراف المأجورة والمأمورة بتخريب سورية. وهاهم اليوم يتراشقون الاتهامات ويفضحون خسة ودناءة بعضهم البعض.

 لقد تم خلال قمة سوتشي اطلاع الرئيس الأسد على آخر التجهيزات المتعلقة بمؤتمر سوتشي للحوار الوطني السوري الذي من المفترض أن ينطلق في الثاني من الشهر القادم، وهو ما تدعمه الحكومة السورية وتعمل جاهدة على انجاحه بعيداً عن التدخلات الدولية في الشأن الداخلي السوري، وتعول دمشق على قدرة ودور موسكو في وضع نهاية لهذه التدخلات.

إن هذه الزيارة تؤكد قناعة القيادة الروسية بأهمية ودور الحكومة السورية في عملية التسوية، وتعكس قناعة ورغبة وإرادة القيادة السورية بحل الأزمة السورية وعدم اغلاق الباب في وجه أي مبادرة بهذا الخصوص، وتعلن نهاية المرحلة العسكرية والبدء بالعملية السياسية التي ستنهي الحرب في سورية.

إن النجاحات التي حققتها سورية لم تكن لتتحقق لولا الوقوف عند مجموعة من العوامل، المتمثلة بالرؤية الاستراتيجية الدقيقة التي تميزت بها القيادة السورية، وحسن قراءتها لمآل الملفات في المنطقة، وسبل حلّها بالشكل الذي يخدم الأهداف القومية والوطنية. وكذلك الحس الوطني والقومي الذي تميز به الشعب العربي السوري، والتفافه حول قيادته السياسية، ودعمه للقضايا العربية دون أن تكون له مطالب أو مقاصد. والثبات في المواقف الاستراتيجية التي تخص الكرامة العربية والأرض العربية، مهما كان حجم الضغوط. واستشراف المواقف السياسية من نبض الشارع وبما لا يتجاوز حقوق الشعوب وإرادتها.

إننا نسير باتجاه الحل السياسي، الذي سيضع سورية على طريق الاصلاح الحقيقي، الحل القائم على علاقات سياسية ومدنية بين مواطنين أحرار، ينظّمها القانون العام المنبثق من دستور وطني يتوافق السوريون على وضعه، إما بواسطة جمعية تأسيسية أو بواسطة برلمان منتخب، وهو ما يجعلنا لا نستبعد احتمال حل مجلس الشعب وانتخاب مجلس جديد كأحد متطلبات الحل السياسي القادم، المبني على المسألة الوطنية، والذي يفتح أمام السوريين إمكانات التقدم على كل المستويات، ويضعهم على مسار البحث عن دور إقليمي– اقتصادي لسورية، وإعادة بنائها عمرانياً وسوسيولوجياً، ووصلها بالبشرية العاقلة والمتمدنة.

لقد أصبح طرح الحل السياسي هو الأساس, وبقاء الرئيس الأسد هو الضامن الوحيد وأصبحت الدول الخليجية تغرّد لوحدها وتتلقى الفشل تلو الآخر، وأصبحوا يتقاذفون التهم ويفضحون خيانة بعضهم البعض.

لقد كانت الدولة السوريّـة ناجحة في تحالفاتها وخياراتها، واحسنت الاستثمار في التناقضات الدولية والإقليمية والتناقضات الفكرية والايديولوجية للجماعات المسلحة, وأجادت اللعب على حافة الهاوية في الكثير من الحالات والظروف, وأخيراً فرضت شروطها خلال المفاوضات بالاعتماد على انتصارات الميدان والتنسيق الجيد والفعّال مع الأطراف الداعمة، مع المحافظة على وحدة وسيادة سوريا وضمان أمنها ومنعتها.

وسيبقى التحدي الأهم الذي سيواجه مستقبل الدولة السورية هو كيفية تدعيم سياستها الخارجية بسياسة داخلية أكثر قدرة وكفاءة، فسورية عانت من ضعف كبير ومزمن في هذا المجال. خاصة في ظل استحقاقات المرحلة القادمة التي سيكون عنوانها نهاية الحرب وإعادة الاعمار. وبرأيي فإن خطة إعادة إعمار سورية تتلخص بخطة خماسية، مضمونها ما يلي:

1.    محاربة الفساد بأشكاله كافة، والتخلص من المظاهر المسلحة في الدولة، ومحاسبة المسؤولين الفاسدين وأثرياء الحروب.

2.    الاستفادة من خبرات الدول الصديقة، والبدء بالأساسيات: البنى التحتية، الماء، الصرف الصحي، الكهرباء، المدارس، المواصلات….. وغيرها شرط الدقة من خلال تعيين متخصصين ذوي كفاءة، مع مراقبتهم تحت طائلة العقوبات القانونية في حال الشذوذ.

3.    الأولوية في إعادة الإعمار للسوريين، فعقود الاستثمار وتراخيص الإعمار يجب أن تُعطى لرجال الأعمال والمستثمرين السوريين الذين ساندوا الجيش العربي السوري، ثم تأتي روسيا وإيران والصين والدول التي وقفت بجانب الدولة السورية.

4.    استبعاد نهائي لتركيا ودول الخليج من أي عقود استثمار وحظر استيراد منتجاتها.

5.       وضع نظام ضريبي ملزم لأصحاب الدخل العالي.