مساحة حرة

الإدارة والإرادة والدراية

تهتم اللغات كلها بالعلاقة بين الكلمة والمعنى. لكن اللغة العربية تتميز بالعلاقة بين الحرف والمعنى. فغالباً ما تبنى الألفاظ ذات المعاني المتكاملة على الأحرف نفسها.

ومن الواضح أن الكلمات الثلاث الواردة في العنوان ذات بنية واحدة عمادها الأحرف الثلاثة، الراء والدال والتاء المربوطة. هنا لابد من الإشارة إلى أن أهم ما في هذه العبقرية هو أن التساوي بالأحرف يرتبط بالتكامل في المعاني لا بتشابهها وتطابقها. وهذه عبقرية فريدة تؤكد أن التكامل لا يقوم بين المتشابهين وإنما بين المختلفين في انسجام. تماماً كما هي أصابع الكف اليمنى متساوية (لكنها مختلفة) مع أصابع الكف اليسرى لذا يمكن تكامل اليدين عند الاستخدام.

التكامل بين الإرادة والإدارة والدراية وحده يؤدي إلىنتائج تخدم الهدف. وأي إخلال في التداخل التكاملي يعيق تحقيق الغاية. فالإرادة هي القرار الحازم، والإدارة هي التقنية، أما الدراية فهي المعرفة (know how).

هذه عمليةتبنى على تنسيق ضروري بين مكوناتها يشبه التنسيق بين الآلات الموسيقية في اللحن الواحد حيث يؤدي أي خلل إلى فشل المشروع بكامله.

ولعل أسهل ما في هذه السلسلة المنسجمة هو الجانب التقني، أي الإدارة، خاصة وأننا في عصر أصبح فيه الحصول على معلومات عن الحلول الإدارية والتجارب الإدارية لا يتطلب إلا كبسة زر واحد من أزرار بورد الكمبيوتر.

لم تعد هذه مشكلة. المشكلة الحقيقية هي في الإرادة والدراية. وأصعب ما في الإرادة والدراية عدم إمكانية القياس. الإدارة ممكن قياسها ووضع معايير لتقييمها، لكن الإرادة والدراية أمر آخر.

أذكر أنني عام (2003)، وكنت حينها في صحيفة البعث، زرت مع مجموعة صغيرة من الصحفيين من بلاد مختلفة رئيس وزراء ماليزيا السابق مهاتير محمد في مكتبه في العاصمة بتروجايا (كوالالمبور هي العاصمة القديمة). تحدث الرجل عن سر نجاحه في تحقيق ما يسمى «بالمعجزة الماليزية» مركزاً على الإدارة ومكافحة الفساد على أساس أنهما العنصران الأساسيان من أجل «العملية الانتقالية» إلى أداء أفضل.

الرئيس الأسد أكد منذ بداية عهده مع بداية القرن على أن مفتاح التقدم هو في تطوير الإدارة بل في إنجاز «ثورة» داخلها. الزمن يمضي بسرعة والمستقبل يقتحمنا بسرعة أكبر ولم يعد هناك مجال للانتظار والتسويف. لابد من شحذ الإرادة وتطوير الدراية حتى نستطيع معاً إنجاز الثورة في الإدارة.

د. مهدي دخل الله

mahdidakhlala@gmail.com