مساحة حرة

«الإرهاب والإمبريالية»: في ذكرى الثورة

يبدو أن النزوع الاستعماري الامبريالي الذي عانت منه الأمرّين شعوب العالم في القرن الماضي لم ينتهِ، ولم تَغِبْ أسبابه وأهدافه وأطماعه على الساحة الدولية. بل إن هذا النزوع يتجدد اليوم ليأخذ أبعاداً وأشكالاً أقسى من السابق وأكثر إيلاماً ووحشية.
وعلى الرغم من الإنجازات الإيجابية لحركات التحرر الوطني في العالم التي حققتها شعوب آسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية بعد الحرب العالمية الثانية، فإن تطور الاستعمار القديم إلى النيوكولونيالية وإلى الامبريالية وصولاً إلى مطامح سياسات التفرّد والهيمنة والقطبية الأحادية، سياسات المحافظين الجدد و«نهاية التاريخ والإنسان الأخير»، واقتران ذلك بعولمة الاقتصاد، وعولمة «الجهاد». إن هذا يستدعي من تلك الشعوب إعادة قراءة دقيقة لواقع السياسة الدولية المعاصرة بما فيها من إشكاليات ينبع بعضها من أن ما يجري اليوم وسيتحقق في المستقبل لم يكن فوق الطاولة أبداً بل هو كان تحتها، وهذا ما لم يَعُد مجدياً معه الحذر والتردد في طرح «نظرية المؤامرة».
في القرن الماضي كان النزوع الاستعماري الامبريالي أحادي الاتجاه من الخارج إلى الداخل، بينما في هذه السنوات وفي الجيل الرابع من الحروب ذات التكلفة الصفرية لقوى الاستعمار والامبريالية والصهيونية أصبح لهذا النزوع مرتكزاته الإقليمية والداخلية، وهنا يكمن الخطر الأكبر ولا سيما مع اصطناع الإرهاب ودعمه وتمويله والاستثمار فيه.
إن ما جرى في هذا السياق في القرن العشرين ينبغي استلهامه والإضافة عليه في القرن الحادي والعشرين بما فيه من نذُر قاتمة وعصيبة على البشرية، فلا عاقل يستطيع أن ينكر أن الغرب الامبريالي كشف، حتى بعد هزائمه من حركات التحرر الوطني عن «منظوره الاستراتيجي الحاقد والمتعالي المشبع بروح العنصرية والاستغلال والتفوقيّة.. فكانت شعوب العالم الثالث مادة لتطبيق أبحاثه في علم الإنسان» وفق ما ورد في الكتاب المهم جداً «الثقافة والامبريالية» للمفكر الفلسطيني إدوار سعيد.
واليوم هذا الغرب بعملائه وذيوله في منطقتنا ينطلق إلى ثنائية جديدة يتجاوز فيها تسخير الثقافة ولاسيما الثقافة الناجمة عن «الاستشراق» إلى ثنائية «الإرهاب والامبريالية» ليكون الإرهابي أداة جديدة خبيثة داخلية غير معهودة سابقاً.
والأصعب من ذلك هو الجهود الكبرى المبذولة لتوصيف الإرهابي بأنه ثائر، وبأن «ثورات الربيع العربي» هي ثورات احتجاج شعبي مشروعة ضد الوطن والشعب والمؤسسات التي أنجزتها حركات الاستقلال والتحرر الوطني، قبل أن تكون ضد الحكومات.
وعلى هذا الأساس وظّف الغرب الأطلسي الامبريالي الإرهاب الدولي «الصهيوني والتكفيري» أداةً حديثةً ومعاصرةً للانقضاض على مصالح الشعب وحقوق الأمة والوطن والمواطن، ووفّر للإرهابي بدعم البترودولار، والرجعية العربية «مثقفين» إمبرياليين حقيقيين يمتلكون أدوات الثقافة والمعرفة والمنابر والمحطات ووسائل نشر «الثقافة» التي تنتصر للإرهابي وتدعمه وتزعم أنه ثائر وأن مشروعه ثورة؟!. كما تزعم أن محاربة وحشية هذا الإرهابي هي تسلّط وديكتاتورية.
ولذلك يسهب هؤلاء في كتابات تنقضّ على الفكر وعلى المشروع الوطني والعروبي، ويعمدون إلى تشويه مناخات الثورات الوطنية العربية في القرن الماضي، وإلى الإساءة إلى الأحزاب والتيارات الوطنية والقومية كالبعث والناصرية مثلاً. وهم بهذا شاؤوا أم أبَوا يدعمون الإرهاب إرهاب التطرف والتكفير وإرهاب الصهيونية، وينددون بالمقابل بمحاربيه وبمقاوميه.
لقد أسفر استثمار العلاقة الواضحة بين الإرهاب والإمبريالية عن تحالفات جديدة في المنطقة والعالم دفعت بالروس مثلاً ليعلنوا ويوضّحوا كيف أن موسكو تدافع عن روسيا في دمشق. وعلى هذا الأساس فلا يمكن للدول المعروفة التي تدعم الإرهاب أن تكون صديقة لقضايا الشعوب وحقوقها وتطلعاتها المشروعة، ولا يمكن لعملاء هذه الدول أن يكونوا إلا مثلها في دعم الإرهاب من جهة، والتصدي للمشروع الوطني المقاوم من جهة ثانية.
في هذا المعترك المصيري الصعب، وفي الذكرى الخامسة والخمسين لثورة الثامن من آذار المجيدة نحتاج إلى قراءة جديدة، غير تقليدية، تتضح فيها أهمية الثورة الحقيقية، وأهمية توضيح الإشكالات التي تحيط بهذه الثورة جرّاء مخاطر العلاقة بين الإرهاب والامبريالية، ومن أهمها تشويه المفهوم الفكري والنضالي والتاريخي للثورة الشعبية البنّاءة النقيّة الطاهرة، الثورة التي قال فيها القائد الأسد في 6/1/2013:
«الثورة عادة ثورة الشعب، لا ثورة المستورَدين من الخارج لكي يثوروا على الشعب، هي ثورة من أجل مصالح الشعب وليست ضد مصالح الشعب،… يسمّونها ثورة وهي لا علاقة لها بالثورات لا من قريب ولا من بعيد، الثورة بحاجة إلى مفكرين، الثورة تُبنى على الفكر فأين هو المفكر، من يعرف مفكراً لهذه الثورة؟!…»
فما أحوج العرب اليوم إلى ثورة ضد «الإرهاب والإمبريالية».

د. عبد اللطيف عمران