مساحة حرة

الاتفاقات الروسية الأمريكية.. واللعب على وتر الاعتدال ؟!

جاءت التصريحات الروسية بعد مباحثات مضنية وطويلة بين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ووزير خارجية الولايات المتحدة الأمريكية «جون كيري» في الخامس عشر من تموز الجاري في موسكو مبشرة ومطمئنة لجهة حصول توافق روسي أمريكي مشترك على الخطوط العامة العريضة بخصوص الأزمة السورية وضرورة القيام بتحرك دولي فاعل من أجل دفع المفاوضات السورية – السورية في جنيف قبل نهاية آب القادم   بدون تدخل خارجي أو شروط تعجيزية مسبقة من أي طرف وهنا الإشارة إلى وفد ما يُسمى بالمعارضة ، وهذا ما أيدته الخارجية السورية في بيان رسمي ، مثمنةً بذلك الدور الروسي المخلص للشعب السوري وللقضية السورية العادلة في مواجهة أبشع حرب إرهابية عرفتها البشرية ،و وفق ما أعلنه المبعوث الاممي ستيفان ديمستورا بعد اللقاء الثلاثي الذي حصل مؤخراً ، لكن في حقيقة الأمر نحن لا نثق بالولايات المتحدة الأمريكية ولا بسياساتها الرعناء المتهورة والمضللة التي عهدناها على مدى عقود ماضية وهي تُثبت مراراً عدم التزام الإدارات الأمريكية بما يتم الاتفاق عليه مع أي طرف إلا في حدود مصالحها الخاصة ومصالح حلفائها في المرتبة الثانية ، كما أنها لم تلتزم بتصريحات مسؤوليها التي كانت تأتي متناقضة في الغالب للإبقاء على طريق العودة سالكة بشكل دائم أمام التراجع وفق ما يقتضيه التكتيك المخادع الذي يُتيح لها التنصل من تعهداتها المعلنة باستمرار والانقلاب على الاتفاقات  .

فيما يتعلق بالاتفاقات التي تمت مؤخرا بين الإدارة الأمريكية التي تُمضي أيامها الأخيرة في السلطة وبين القيادة الروسية ، فقد كانت نتيجة حتمية للبراغماتية العالية التي يتمتع بها الروس ، في الوقت الذي كانت تعكس فيه تصريحات وزير الدفاع الأمريكي «أشتون كارتر» عن وجود خلافات جوهرية بين أقطاب الإدارة الأمريكية ذاتها ، فهناك خلاف في المواقف والرؤى بين وزارة الدفاع الأمريكية وبين وزارة الخارجية ، حيث ترى الأولى أن الاتفاقات مع روسيا هي ” مكافأة مجانية لروسيا ” لان القوات الروسية لا تلتزم بقصف قوات تنظيم «داعش» فقط ، بل تتعدى ذلك وتطال تنظيمات مسلحة أخرى تراها واشنطن تنظيمات مسلحة  ” معتدلة كحركة نور الدين الزنكي ” الإرهابية التي تدعمها الولايات المتحدة بشكل مباشر وغير مباشر حيث لا ترى إدارة الرئيس أوباما في الجريمة الأخيرة البشعة التي قام بها عناصرها  بدم بارد أمام مرأى العالم وهي ذبح طفل فلسطيني لم يتجاوز الثانية عشرة من عمره وهو مريض أنه سبب كافي لاعتبارها تنظيما إرهابيا ؟

بكل الأحوال لم تأت الليونة الأمريكية في التعامل مع ملف الأزمة السورية وتطرية موافقتها بقبول اعتبار «جبهة النصرة» تنظيما إرهابيا والموافقة على التنسيق مع الجانب الروسي ومع الجيش العربي السوري ضمناً ” لضرب كل من «داعش وجبهة النصرة»  ، إلا محاولة خبيثة للالتفاف على القرار الدولي وحصر الإرهاب بهذين التنظيمين ، واللعب على وتر الاعتدال لباقي التنظيمات الإرهابية الأخرى وما أكثرها ، وهذا يُخالف الرؤية السورية الحاسمة في هذا المجال والتي تعتبر كل التنظيمات المسلحة التي تقاتل الجيش الوطني وحلفائه في سورية هي تنظيمات إرهابية لا يحق لها المشاركة في العملية السياسية إلا بعد أن تلقي سلاحها وتعترف بالجيش العربي السوري كجهة وحيدة يحق لها حمل السلاح والدفاع عن الوطن والمواطن .

إن معركة حلب الأساسية قد تجاوزت كل التوقعات وسارت كما هو مخطط لها  وتمت المهمة بنجاح ، وإن ما حققه الجيش العربي السوري وحلفاؤه من إنجازات على هذه الجبهة سيكون له الوقع الأكثر تأثيراً في دفع كل أعداء سورية الإقليميين والدوليين للمسارعة في سحب عملائهم من المستنقع السوري الذي بات الاستمرار بالتورط به يُهدد مستقبل المنطقة برمتها وربما أبعد منها ، وإن مزيداً من الوقت في التلاعب بالحرب على سورية يعني احتمال  وجود المزيد من الخطر والهزيمة للحلفاء الأعداء الذين يُحاربون سورية ، وهذا يعود إلى القدرة العالية وغير المحدودة للشعب والجيش العربي السوري وحلفائهم على استمرارهم بالصمود والتماسك في وجه العدوان ، والتمسك أكثر من أي وقت بالحقوق المشروعة في الحفاظ على الدولة السورية والدفاع عن قياداته التي اختارها برغبته ودون أية ضغوط من أحد .

إن تزايد عدد الوفود الأوروبية ، سيما بعد الهزة الانقلابية الفاشلة في تركيا ، هي مؤشر بالغ الأهمية على تغير واضح في المزاج العام الأوروبي تجاه ما يجري في سورية ، كما إنها رسالة واضحة المعالم والمخاوف من استمرار الحرب الإرهابية على سورية ومدى انعكاس تلك المخاطر على القارة الأوروبية وغيرها من دول العالم ، لذلك نرى أن الجميع بات اليوم بحاجة ملحة للوقوف في وجه الإرهاب الدولي الذي يضرب سورية ضمن أجندة مشتركة لتوجيه بوصلة القوى الدولية في اتجاه مؤازرة الجيش العربي السوري الذي يُمثل الجهة الوحيدة القادرة على القضاء على الإرهاب واجتثاثه من جذوره بعيداً عن عمليات التجميل التي تسعى الولايات المتحدة وعملاؤها في المنطقة للقيام بها لحماية بعض التنظيمات الإرهابية والإبقاء عليها لحين من أجل الاستمرار في تغذية الإرهاب والاستثمار فيه بعد أن أثبتت الأحداث أن الإرهاب أصبح بضاعة فاسدة قد ترتد سريعاً على منتجيها وهذا ما نسمعه ونشاهده في أعمال إرهابية يومية في مدن مختلفة من العالم.

 

محمد عبد الكريم مصطفى

Email: Mohamad.a.mustafa@Gmail.com