مساحة حرة

البُعد الاجتماعي في الحل

يتابع الشعب السوري، ومعه شعوب العالم، يوميات الحرب على سورية وتفاصيلها، ولا شك في أنها الحدث الأبرز طوال ست سنوات في الميديا العالمية. ولهذه المتابعة مسوغاتها وأسبابها وأهدافها، فقد اتضح جرّاء ذلك أن سورية ليست قلب العروبة وحسب، بل قلب العالم أيضاً، وليس في هذا ما يبسّط المشكلة.

هذه المتابعة تتركز باتجاه مسارين: المسار السياسي لحل الأزمة، والمسار الميداني للحل والذي تزداد القناعة بأنه الأنجع في محاربة الإرهاب.

لكن الأهم في هذا السياق، هو المسار الاجتماعي الذي يغض كثير من الأطراف النظر عنه أو يتجاوزه عمداً أو عن جهالة. علماً أن أعداء الشعب السوري ودولته الوطنية أول ما اشتغلوا على هذا المسار انطلاقاً من أن القلاع الحصينة لا تؤخذ إلّا من الداخل. فلطالما اعتزّ السوريون بوحدتهم الوطنية وبعيشهم المشترك، وبفلاح الحركة التصحيحية في حمل سورية الجيوسياسية من حقبة الاضطراب الاجتماعي والسياسي، ونقلها إلى حقبة الاستقرار والأمان، والأمن الوطني والقومي.

إن البعد الاجتماعي لمواجهة الحرب على سورية «المجتمع والدولة» يكتسب أهمية بالغة، وأولوية، وقد بيّنت مراكز الأبحاث والدراسات ضراوة التفكير وشراسة الخطط لاستهداف وحدة المجتمع السوري، وصلابة مؤسسات الدولة الوطنية، ومشروعية النظام السياسي. ولنا في متابعة نشاط مثقفي الارتزاق وميديا البترودولار أدلّة واضحة وعديدة.

ومع تقدم حضورنا وقوتنا في المسارين السياسي والميداني كان التركيز مستمراً على البعد الاجتماعي لكن بخفوت وبفاعلية ينقصها السطوع والتأثير القوي. ونحن لا ننكر مثلاً أهمية تركيز الحكومة في جلستها أمس على «وضع خطة لعودة مؤسسات الدولة والسكان تدريجياً إلى الريف الشرقي والجنوبي لمحافظة حلب والريف الغربي للرقة» وقبل ذلك استمرار العمل في المصالحات. ويُعدّ البرنامج الوطني للإصلاح الإداري الذي أطلقه السيد الرئيس تتويجاً ومنطلقاً ناجحاً للعمل في هذا السياق.

لكن المجتمع السوري العريق، والذي غرّر المتآمرون بأعداد منه، يستحق تجديد التكفير والوسائل، ومراجعة النظرية والممارسة، في التعامل مع فعاليّاته المتعددة والمتنوعة لهزيمة العدوان عليه. هذا المجتمع الذي وصفه سيادة الرئيس الأسبوع الماضي في لقائه مع وفد بطريركية الروم الكاثوليك بأنه «متمسّك بوحدته، وبتنوعه، وبإيمانه بوطنه»، وهكذا مجتمع عادة مايكون صلباً، وينتج دولة صلبة. ونحن نعرف أن كثيراً من الأشقاء والحلفاء، والبشرية جمعاء سيستفيدُ من صلابة المجتمع والدولة في سورية في محاربتهما للإرهاب.

والحقيقة أن قناعات الناس وهي تتابع أستانا 5 وجنيف 7 لاتنمّ عن رضى ولا عن ثقة كبيرين بقدرتهما على رأب الصدع المجتمعي الذي يواجه إرهاباً لم يعرف له التاريخ مثيلاً في الوحشية، ومعارضة لم يعرف لها التاريخ انفصاماً عن الوطنية والمواطنة والوطن وارتماء مقيتاً وشنيعاً في أحضان البترودولار، واسترسالاً في الكلام وتضييع الوقت في المجتمع الدولي، بينما الأجيال الطالعة بدأ وعيها وهويتها وانتماؤها يتعرض للمخاطر والتشوّه مع طول الأزمة، ومع إشكالية غزارة الدماء الطاهرة، والفاسدة أيضاً المسفوكة على تراب الوطن، وتوالي مصفوفة الأرقام في أستانا وجنيف، وما يتصل بذلك من حدة الاستقطاب. ويبدو أن رعاة الإرهاب في قطر والسعودية وتركيا والإمارات مقبلون على هكذا مصفوفة حيث يتناسل العلّاكون «والكلمة فصيحة».

ومع توالي هزائم الإرهاب والتطرف والتكفير في سورية والعراق كأفراد وعصابات فإن الحكومات وأجهزة المخابرات الراعية والداعمة لاتزال قائمة وقادرة على إعادة توفير الحواضن الاجتماعية وتخيّر الزمان والمكان المناسبين لتجديد الحضور والفعل الإجرامي، مايستدعي حضور الوعي الاجتماعي عاصماً أساسياً من عودة المؤامرة. فالمجتمعات تتماسك بأواصرها الداخلية، وليس بالولاءات للخارج.

وهنا لا يُعوّل فقط على الأبعاد السياسية والعسكرية وحدها لحل الأزمة ومنع تجددها، بل كل القوى الوطنية من أحزاب ومنظمات ونقابات ومؤسسات المجتمع المدني والأهلي مدعوة للانخراط في العمل على وحدة الشعب والمجتمع، وعلى مواجهة التطرف والتكفير. وللمؤسسة الدينية حقيقةً الدور الأهم والأقوى في هذه المواجهة، فدورها في هكذا مجتمع مهم ورديف فاعل في دعم الدولة الوطنية، ولذلك كان مثلاً استهداف الشهيد البوطي وغيره من العلماء مؤلماً وخسارة في سجل خلود شهداء الوطن.

إن القوى الوطنية في المجتمع السوري متنوعة الأطياف، متعددة وعريقة، وقادرة على صناعة النصر والمستقبل الواعد.

د. عبد اللطيف عمران