line1مساحة حرة

“التحالف”.. مع الإرهاب!

لم يعد يوجد عاقل في الأرض لا يدرك أن التحالف الدولي الراهن والمعلن عنه لمكافحة الإرهاب، يضمر غير ما يعلن، فقد أثبتت الوقائع أن هذا النوع من التحالفات – نظير التحالف سابقاً في أفغانستان والعراق وليبيا، واليوم في اليمن، ينمّي ظاهرة التطرّف والإرهاب، ويغذّي أذرع القاعدة، فيكون التحالف مراوغة ومناورة، وازدواجية لا غير. وهو في أغلب الأحيان يدخل مع أنظمة إقليمية في لعبة خبيثة تستثمر في ما يسمّى “الجهاد العالمي الجوّال”.
ومن جهة أخرى، فلم يعد أيضاً عاقل لا يعرف أن الدولة الوطنية العربية السورية هي اليوم القوة الأكبر في مواجهة الإرهاب وما ينجم عنه من تهديد للأمن والاستقرار الإقليمي والدولي، بعد أن أسفرت ضربات التحالف في عدة بلدان عربية وإسلامية عن تشجيع الإرهاب العابر للحدود، وليس العكس. وأن أغلب الذين يناصبون هذه الدولة العداء، يدعمون التكفير والتطرّف والخراب من حيث يدرون أو لا يدرون، ولاسيما ألعوبة “القوة العربية المشتركة” رديف “المعارضة المعتدلة”.
وبالتالي، فإن هكذا نوع من التحالفات، ولاسيما التحالف المزعوم لضرب داعش والنصرة في العراق وسورية الذي بدأ ضرباته في 19/أيلول/2014، مبني على استراتيجية مخاتلة أسفرت عن تقويض قرار مجلس الأمن 2170 تاريخ 1/أيلول/2014، وها نحن اليوم نرى تمدد العصابات الإرهابية التكفيرية في مناطق عديدة من العالم، ولاسيما تلك التي نفّذ “التحالف” فيها ضرباته “الجوّية”:
– فالتحالف استراتيجية معلنة لضرب الإرهاب “الجهاد العالمي”، لكن الواقع يسفر عن نتائج مخالفة تؤكد عدم الجديّة والمصداقيّة، إذ إن هناك خططاً مديدة ومضمرة مضادة لمصالح العرب والمسلمين ومستقبلهم.
– باتت الشعوب في المنطقة والعالم، وكذلك الأنظمة، ومراكز الأبحاث والدراسات، والرأي العام، تدرك أن قوى التحالف غير جادة، وأنها تؤذي القوى والتيارات والأحزاب الوطنية وتضعفها أكثر مما تؤذي أذرع القاعدة.
– هذه الأنواع من التحالف أدت أولاً إلى “أسلمة الإرهاب”، وخلق عدو، أو خطر بديل عن الشيوعية والتقدمية واليسار، هو الإسلام، كما أدت ثانياً إلى “تعريب الإرهاب والتطرف والتكفير”.
– أسفر التحالف عن ازدواجية جديدة غير تلك التقليدية التي كانت تعمل على الخلط بين المقاومة الوطنية والإرهاب. فعاد التحالف الصهيو- أطلسي الرجعي العربي اليوم ليلعب لعبة مزدوجة يظهر فيها أمام شعوبه أنه يحارب الإرهاب حفاظاً على وحدة البلدان أرضاً وشعباً وسيادة، بينما الواقع يغرس ميدانياً مشاريع التفتيت والتجزئة والتكفير، ويزرع بذور فتنة وتخلّف طويلة في أرض يخصّبها بالبترودولار وشراء الذمم ولاسيما من مثقفين وسياسيين وأنظمة مطواعة ديناميكية، تكره الثوابت والمبادىء والممانعة والمقاومة.
– من الواضح أن هذه التحالفات نمت وتقدّمت بعد انهيار أوروبا الشرقية، وتطورت أكثر بعد التصدّع، بل الانهيار الذي أصاب عدداً من البلدان العربية التي حكمتها أنظمة وطنية ناجمة عن حركة التحرر والاستقلال الوطني العربية. هذه الأنظمة تنسّق اليوم أنظمة البترودولار والتحالف لخلق بديل عنها يعزز الاقتتال الطويل، وتقسيم المقسّم، وتدمير المشروع الوطني والقومي دعماً للمشروع الصهيوني ويهوديّة كيانه.
– كانت سورية سبّاقة في إدراك ذلك، فلم تنخدع بادعاء التحالف محاربة الإرهاب، وأدركت ذلك منذ البداية فأكّد الرئيس الأسد في 4/12/2014 في حديثه مع مجلة باري ماتش الفرنسية أن الضربات التي يشنها التحالف ضد الإرهابيين: ليست جدية ولا فاعلة – وهي انتهاك للسيادة – كما أنها تدخل غير قانوني لا ينسجم مع أية آلية تنفيذية للقرار 2170 – وهي في الوقت نفسه ضربات تجميلية.
< بالمحصلة: إن التمدد الجغرافي الذي اتسع أكثر أمام الإرهابيين مواكبةً لضربات التحالف هش لا شك وضعيف، وستثبت الأيام القادمة أو الأشهر… أن الأرض والسماء من تحت الإرهابيين وفوقهم ستشتعل ناراً تحرق عددهم وعتادهم وداعميهم. فشعوب المنطقة حيّة، وهي تتجه لتدرك أكثر مخاطر التكفير والإرهاب، ومخاطر هذا النوع من التحالفات على التاريخ والجغرافيا والمستقبل. وليس لافروف وحيداً، ولا بلاده كذلك، حين أوضح في لقائه مع هيئة التنسيق في نيسان 2012 “أن روسيا تدافع عن موسكو في دمشق”.
ودمشق اليوم، تدافع عن الوجه، وعن المستقبل المشرق للإنسانية وللعروبة والإسلام، وستنتصر بحتميّة التاريخ والمنطق، وبالحتميّة نفسها سينهزم وحوش العصر ومجرموه.

د. عبد اللطيف عمران