line1مساحة حرة

التحوّل التدريجي في الرأي العام

من الواضح أن الوفود البرلمانية، والناشطين المدنيين غير الرسميين الذين زاروا سورية مؤخراً، وأدلوا بتصريحات إيجابية لا لبس فيها حول  موقفهم  من الإرهاب وداعميه، وتقديرهم لأهمية الموقف العربي السوري في مواجهة العصابات الإرهابية التكفيرية  الجوّالة التي تهدد السلام الدولي، والاجتماعي، والأمن الإقليمي والعالمي. من الواضح أن لهذا دلالات مهمّة كبيرة وبنّاءة ومؤثّرة في الرأي العام، ومن ثم سيكون الأثر لا شك اضطرارياً في الرأي الرسمي على المستوى الدولي.
وتأتي أهمية هذه الدلالات البنّاءة من أنها أولاً تنشر الثقة والتفاؤل لأنها صوت الحق الذي لا ينكسر، وهي موضوعية وواقعية، ومن كون أعضاء هذه الوفود يمثّلون قراراً مستقلاً، واتجاهات شعبية واسعة في بلدانهم، وهم غير خاضعين للابتزاز الذي يمكن اختصاره في تحالف الصهيو-بترودولار الذي يجعل عدداً من الشخصيات الرسمية في الإدارات السياسية الدولية عرضة للضغوط، فهؤلاء البرلمانيون والناشطون أكثر حرية واستقلالاً، وأصدق تمثيلاً للرأي العام، وهم أصلب في وجه الضغوط التي يتعرض لها السياسيون ويرزحون تحت وطأتها الثقيلة.
وآية ذلك ماسمعناه من آراء إيجابية لمسؤولين «سابقين» تحرروا من ضغوط تحالف الصهيو-بترودولار العابرة، حول الأزمة في سورية، وحول كثير من قضايا تمثّل  مصالح الشعوب التي تناهض سياسات هذا التحالف في سبيل حقوقها وأمنها واستقرارها.
وبعد أن توالت المواقف المعلنة في الغرب والشرق تجاه مشروعية نضال الدولة الوطنية السورية ضد الإرهاب، وإقرار شخصيات محترمة ومنتخبة من شعوبها بالدور الإيجابي للقيادة السياسية السورية وعلى رأسها الرئيس الأسد في التصدي  للخطر الإرهابي الوحشي الذي يهدد المنطقة والعالم على البعدين المكاني والزماني، بعد هذا بدأنا نلحظ تحولاً إيجابياً متدرّجاً في المواقف الرسمية يعكس انعطافاً شعبياً ورسمياً في التعامل مع الأزمة السورية، وأزمة المنطقة عامة.
فقد أكدت منذ أيام كارلا بونتي المدعي العام السويسري السابقة، وعضو لجنة الأمم المتحدة لانتهاكات حقوق الإنسان أن «الرئيس الأسد الشريك الوحيد من أجل التوصل إلى حل سياسي للأزمة في سورية نظراً لما يتمتع به من قوة شعبية على الأرض». وكذلك أوضح السيناتور ريتشارد بلاك عضو مجلس الشيوخ الأمريكي أن «سورية بقيادة الرئيس الأسد تحارب الإرهاب بصورة فعّالة… وهي مركز ثقل للحضارة الغربية، وفي حال سقوطها ستسقط خلال أشهر دول إقليمية أخرى وسيتوجّه الإرهاب فوراً إلى أوروبا».
كما صرّح رئيس   البرلمان الأوروبي السياسي الألماني المعروف مارتن شولتز معقّباً على تصريحات كيري الأخيرة بقوله: «إن ماظهر للعلن ليس فقط موقف كيري… بل هناك وزراء خارجية آخرون يفكرون إيجابياً بمفاوضات محتملة مع الأسد». وكان دبلوماسي أوروبي قد سبق وسرّب ما جرى من نقاشات مطلع هذا العام في اجتماع وزراء خارجية دول الاتحاد الأوروبي من «قناعات الجميع بأن الحوار مع الأسد ضروري  وهو موقف نتنباه باستثناء دولتين».
وكانت منظمة «هيومن رايتس ووتش» قد بيّنت في تقريرها الأخير أن «المعارضة المسلحة شنّت هجمات ثأرية عشوائية، بنيّة إجرامية، وعديمة التمييز، تمثل انتهاكاً لقوانين الحرب وأدت إلى مقتل مئات الأبرياء، وتدمير البنية الأساسية المدنية، دون وجود أهداف عسكرية.. وليس لانتهاكاتها أية مشروعية».
في هذا السياق نلحظ تتابع  اللقاءات والتواصل البرلماني الدولي مع مجلس الشعب  من خلال زيارات عديدة قصد بها سورية شخصيات ووفود  من باكستان، وتركيا، وفرنسا… وبلجيكا التي قال عضو مجلس النواب الاتحادي فيها أمس:« الرئيس الأسد حليف وليس عدواً لأنه يحارب الإرهاب والتطرّف اللذين نعاني منهما نحن أيضاً.. وسورية محقّة في موقفها وهي على الطريق الصحيح».
إضافة إلى مشاركة رئيس مجلس الشعب في عدة مؤتمرات برلمانية دوليّة، وما رافق ذلك ووافقه من عشرات التصريحات لشخصيات  معروفة، منها على سبيل المثال تصريح بريجنسكي «إن الرئيس الأسد يتمتّع بدعم كبير داخل المجتمع السوري سواء أعجب ذلك واشنطن أم لا»… وهنا يتبيّن وجه المهزلة والخزي في تصريحات حكّام السعودية وتركيا، والعملاء من «معارضة» الارتزاق والفنادق المراهنين فقط على دعم أجنبي مأجور، ليس للوطنية فيه ذرة تراب.
هذا التحوّل لم يأتِ من فراغ، وللأسف فقد كانت ضريبته كبيرة ومؤلمة تكبّدتها سورية دفاعاً عن أمنها وأمن المنطقة والعالم، لهزيمة إرهاب وحوش العصر، وستجني ثمارها البشرية جمعاء. ولا يمكن لصاحب أي إحساس إنساني أن يتنكّر لصمود الشعب والجيش والقيادة السورية. هذا الصمود الذي سيفتح الآفاق الرحبة لمعالجة الإشكالات المستمرة التي تهدد أمن المنطقة والعالم، ولمقاومة المشاريع المضادة لحقوقنا المشروعة وقضايانا المصيرية المعروفة.
إنه تحوّل أنجزه الصمود والتضحية وشرف الشهادة والانتماء. ولا بد من توافر القدرة على استثماره وتوظيفه، ويصبح معه الرهان على الداخل ضرورة، رهان في الميدان: عسكري واجتماعي واقتصادي، وحينها يكون رابحاً وواعداً.

 
د. عبد اللطيف عمران