مساحة حرة

الجلاء.. ذكرى تزداد سطوعا في المحن..!!

عندما تشتد المحن وتطغى الازمات يصوبون على مكامن العزة والفخار لتشويهها اولا وتدميرها ئانيا والجلاء الذي كان من اهم هذه المكامن في تاريخ سورية الحديث  باعتباره صانع وحدتها الوطنية وباني مكانتها وحضورها لم ينج من الاستهداف  في سياق استهداف نيران الازمة  لمسيرة الوطن الكفاحية وحرق النسيج الوطني الذي ولد من رحمها وفي سياق لاتخطؤه العين المجردة الا وهو تغييب ذاكرة ابناء الوطن عن هذه المسيرة وحرف الصراع مع الاعداء والمحتلين والمغتصبين الى صراع بين ابناء الوطن الواحد من خلال فتنة عمياء تفكك عرى التلاحم الوطني الذي كان امضى سلاح في وجه كل التحديات والاخطار الخارجية ..

في هذا الزمن العربي الرديء الذي اطلقوا عليه زورا وبهتانا ربيعا عربيا كان الاستهداف الاول قتل روح المواجهة والصراع مع اعداء الخارج واستبدالها بمواجهات داخلية يصوب فيها الجار الرصاص الى صدر جاره و يصوب فيها الزميل الرصاص الحي الى صدر زميله ويعمل فيها السيف والساطور والتفخيخ والتلغيم لتدميرأغلى ما تمتلكه الأوطان ألا وهو هوية ابنائها وذاكرة أجيالها  .. و لماذا استهداف هاتين القيمتين الساميتين ؟؟ .. أليس لأنهما الجوهر في كل أمة والحصن الحصين المقاوم لفنائها وزوالها .. ومتى تتمزق الأمم وتتفتت البلدان ..؟؟ أليس عندما يستخف بالهوية الوطنية ويستهان بالذاكرة الكفاحية وتشوه بمفاهيم مقلوبة  وشعارت كاذبة .. أليس ما يجري على الأرض العربية منذ أكثر من ثلاث سنوات متطابق مع هذا الى حد بعيد وتحت مسميات دينية مزيفة ومزورة  .. أليس ما يجري في سورية على وجه الخصوص هو استهداف مباشر لتكوينها النضالي الذي كان مصدر اشعاع واستلهام لكل العرب على امتداد الساحة العربية لأكثر من ستة عقود ..

لقد كان نيسان الجلاء قبل ثمانية وستين عاما من أهم المحطات التي اعطت الهوية الوطنية السورية أبعادها القومية وأعطت للذاكرة الجمعية السورية امتدادها في وجدان الأجيال فكانت ولازالت عصية على النسيان .. والفتنة التي أشعلوها قي سورية أرادوها أولا وقبل كل شيء أن تمزق الهوية الوطنية وأن تلغي الذاكرة الجمعية لهذا النيسان المجيد .. وهم في هذا لايحرقون أوراقا خاصة بالشعب العربي السوري وإنما يحرقون هوية أمة بكاملها ويدفنون ذاكرة أجيال عربية على امتداد التاريخ المعاصر .. وهم يعرفون  أن خدمتهم  لمشغليهم وإنفاذ أجندتهم في عمق الوطن العربي لاتكتمل إلا بتعطيل قلب العروبة النابض في دمشق الذي كان ولايزال ينبض بنيسان الأربعينات في السابع عشر منه جلاء  معمدا بالفداء والدماء ..

ما من شك أنه من صميم إرادة السوريين وبطولاتهم وتضحياتهم ولد نيسان الجلاء الذي علم  البلدان العربية كلها  في مشرق الوطن العربي ومغربه كيف ترفع رايات الاستقلال الوطني رغما عن أنف المستعمرين .. ومن ضوع الشام وحارات الياسمين أشرق نيسان جديد حمل أول استقلال سياسي عربي حقيقي كان رائدا لأمة تتوق الى مكانة تحت الشمس علمت كل من جاء بعدها  كيف يكون الاستقلال وكيف تنتزع حرية الاوطان  .. ولما لا وهذه الأرض الشامية السورية العريقة هي أرض الأبجدية الأولى التي علمت الدنيا  أسرار الكتابة والتدوين وقدرة الحرف على التنوير والتحرير ووضعت البشرية امام  لغز إعجازات العقل وصناعة الحضارات وتقدم بني البشر .

هل من حاجة للسؤال بعد ما تقدم  .. لماذا كان حجم استهداف سورية أشد وأعتى وأطول وأكثر وحشية من كل الاستهدافات التي حملها الربيع العربي المزور ؟؟ هل من حاجة للسؤال لماذا كانت وجهة الأستهداف الإرهابي في سورية تنصب أولا على تمزيق الهوية الوطنية بفتنة عمياء لاتبقي ولاتذر ؟؟ وهل من حاجة للسؤال أيضا لماذا استهدفت ذاكرة شباب سورية بالتشويش والتضليل والزوغان وهي التي انتعشت دوما بذكرى الجلاء وما شكلته من إلهام واستلهام لبناء غد عربي أبي عزيز ؟؟ وهل نستغرب بعد هذا لماذا تنهب المتاحف وتسرق الأثار وتدمر الآوابد ويقطع رأس المعري ويفجر مقام عمار بن ياسر وحجر بن عدي وتلغم قلعة حلب وتحرق الأديرة وتحطم كنوزها التاريخية الى آخر القائمة التي تطول وتطول ولاتعني الا شيئا واحدا وهو إلغاء ذاكرة أمة وحرق تاريخ وطن شكل معجزة على مر الدهور ..

إن المعركة مع هؤلاء الهمج الذين بزوا همج هولاكوا وهمج الحروب الوحشية كلها عبر التاريخ هي في أهم جوانبها معركة ثقافية فكرية معركة هوية وانتماء وطني وقومي ومعركة ذاكرة ترعرعت الأجيال المتعاقبة عليها وتغذت من نسغها الطيب وتربت على طهر مبادئها وأهدافها الرفيعة .. وهي معركة بين مشروعين مشروع تلمودي وهابي ظلامي يعمل على تدمير هوية الأمة ويسعى للقضاء على ذاكرة الوطن لتسود شقيقته الصهيونية وتقوم الإمارات الوهابية عن طريق الفظائع والدماء وبين مشروع يتمسك بالهوية وأصالة الأنتماء وألق الذاكرة كمنطلق للتحرر وصون الكرامة الوطنية والقومية ونبذ التراث المغشوش والتمسك بالإرث الحنيف  والتراث الإسلامي المضيء ..

ولعل انهيار الآخرين من الوهلة الاولى في ربيعهم المزعوم وصمود سورية بروح ربيعها النيساني العريق له دلالاته الكبرى بل لعل انكسار مشروعهم على أبواب دمشق وبواباتها العتيقة وفشله بعد ثلاث سنوات بلياليها والسقوط المدوي الوشيك يؤشر الى أن جذوة نيسان الجلاء  لاتزال متقدة تغذي عزيمة السوريين بمزيد من الإصرار على الفوز في معركة كونية أرادوها دفنا لآمال العرب ومستقبلهم الى الأبد ..

لقد فاتت جحافل الإرهابيين ومحركيهم بأن السوريين قد رضعوا روح البذل والتضحية والفداء من المبادئ الأصيلة للجلاء وقيمه الكفاحية العنيدة فسرت في دمائهم واستنشقوها في عروقهم فأصبحت في عقولهم وأرواحهم فباتوا مسكونين بها وباتت مسكونة بهم يتصرفون بما تمليها عليهم هذه المبادئ والقيم السامية فذكرى الجلاء في عز الازمة التي تمر بها سورية تزداد سطوعا في ذاكرة السوريين لرفدهم بمزيد من الثقة واليقين انهم قادرون على صنع جلاء جديد يقضي على عصابات عدوهم التاريخي الخارجي الذي قارعوه طويلا وانتصروا عليه وها هم اليوم محكومون بالانتصار في معركتهم الجديدة مع قوى الظلام والارهاب والموت وهي معركة واحدة وامتداد لمعركة الامس ولاشيء امامهم فيها سوى الانتصار مهما كانت التضحيات ..

البعث ميديا || د.تركي صقر