line1محليات

الجمعيات السكنية.. جهات غير مرئية ومجالس الإدارات غارقة في الفساد

 

نشرت الوحدة الاستصقائية في صحيفة البعث، تحقيق حول واقع قطاع التعاون السكني، جاء فيه، انه “لن يكون ماحصل ويحصل في جمعية البركة للسكن والاصطياف الحلقة الأخيرة في مسلسل الشبهات لقطاع التعاون السكني، إلّا أنه وبكل ثقة من أكثر حلقاته إثارة، حيث يتطابق سيناريو الاجتماع الأخير الذي تم عقده للهيئة العامة والضجة التي أحدثتها الكثير من الوقائع فيه مع أعراض المرض العضال الذي أصاب ومنذ سنوات طويلة جزءاً كبيراً من مكونات منظومة التعاون السكني بجمعياتها المختلفة، كما هو الحال في هذه الجمعية التي حامت حولها ومنذ إحداثها الكثير من التساؤلات الباحثة في حقيقة مشروع قرية الشيخ زايد والقائمين عليه وفكرة نشوئه”.

وتجنباً للإغراق والضياع في التفاصيل وحرصاً على عدم الاقتراب من الخطوط الحمراء التي ترسمها العديد من الوقائع لأقلامنا الصحفية لاخوفاً من المغامرة والمخاطرة بكل ماتعنيه هذه الكلمة من معنى، بل حرصاً على عدم إثارة البلبلة وفتح الدفاتر والسجلات المشبوهة وذات الخصوصية في هذه المرحلة الحساسة والتي تفرض تأجيل بعض القضايا وإن كانت معالجتها ضرورية في نظر البعض، إلّا أن الواقع والظروف يرجحان كفة التريث في محاكمة تفاصيلها ويضعانها بقوة في خانة المصلحة الوطنية، ولكن ذلك لن يلغي أو يقلل من فرصة طرحنا لما حصل وعرض الكثير من الانتقادات الطاعنة في آلية الاجتماع الأخير وفي شرعية النتائج المتمخضة عن انتخاب مجلس إدارة جديد لهذه الجمعية.

إذاً نحن لن نخوض في التفاصيل، بل سنستعرض واقع القطاع السكني ومشكلاته الموثقة بالشواهد والأمثلة من خلال واقع حال الجمعيات السكنية، إضافة إلى آراء الجهات المختصة التي حاولت إخفاء مايمكن تشخيصه بالحالة التصادمية(حرب الكلمات) التي تبيّن اختلاف وجهات النظر حول بعض القضايا المطروحة على طاولات الحوار الخاصة بقطاع التعاون السكني، وهنا نؤكد على أن التقصي والبحث في هذا المجال أشبه بالسير في حقل ألغام نظراً للمصالح الكبيرة التي يمثلها بالنسبة لفئات وشرائح عديدة في مجتمعنا.

الخط الأحمر

لم تكن جمعية البركة والاصطياف ضمن مخطط تحقيقنا، بل لعبت الصدفة دوراً كبيراً في انضمامها وإضافتها إلى قائمة الجمعيات التي سعينا للتقصي حولها، فعندما كنا نتقصى في موضوع القطاع السكني اتصل بنا بعض المكتتبين فيها ليخبرونا عما حدث معهم في الاجتماع الأخير والبعض الآخر أغرقنا بالتفاصيل التي تدور في دائرة الشبه بأن الاجتماع الذي تم التحفظ عليه من قبل مندوبي مديرية التعاون السكني والاتحاد التعاوني السكني في دمشق تم تسييره وفق رغبات البعض وبأن ماجرى فيه كان مدبراً وخاصة من حيث نتائج الانتخابات، والغريب أن الجميع أكدوا على عدم ذكر أسمائهم أو إخفاء شخصياتهم ومنهم من قابلنا وبعد تزويدنا بالمعلومات خانته شجاعته وأراد الانسحاب بشكل كامل وحاول إضفاء أجواء الرهبة على الموضوع متسلحاً بالكثير من الخطوط الحمراء الموجودة في سجلات الجمعية.

 

شاهد عيان

لم تختلف الرواية أو القصة التي رواها لنا بعض المكتتبين الحاضرين في الاجتماع عن حديث كل من محمد جمال شقدوح المشرف على الجمعية من قبل الاتحاد التعاوني وعضو مجلس إدارة مؤقت وأديب نحاس عضو مكتب تنفيذي في الاتحاد التعاوني السكني في دمشق ومندوبه لحضور الاجتماع، حيث تلاقت جميع الروايات واتفقت على أنه في بداية الاجتماع كان عدد الحاضرين في القاعة، والذين تم تسجيلهم في سجل الحضور، /370 / عضواً من أصل 2369 عضواً، وبوجود هذا الحضور تم افتتاح الجلسة المخصصة لانتخاب مجلس إدارة جديد مكون من (7 أعضاء) ولجنة المراقبة مكونة من (3 أعضاء)، وعلى هذا الأساس تم البدء بعملية الترشيح والانتخاب بطريقة الاقتراع السري وبأوراق ممهورة بختم الجمعية حتى لايتم تقديم أوراق مخالفة.

وعند فتح باب الترشيح لعضوية مجلس الإدارة اعترض البعض بوجوب تقديم أوراق الراغبين بالترشيح إلى مجلس الإدارة قبل أسبوع من تاريخ الجلسة، وبعد الجدال تم العمل بموجب المادة /55/ من النظام الداخلي بالقرار الوزاري رقم /578/لعام 2008 التي تعطي الفرصة للفائزين في الانتخابات بالتقدم بكامل الأوراق الثبوتية خلال مدة أسبوع من تاريخ انتخابهم.

وبعد ذلك سارت الأمور بشكل جيد إلى لحظة البدء بالانتخابات وطلب الأوراق الثبوتية من الناخبين (الهوية ) للتأكد من اسم العضو أو وكالة مصدقة حديثاً، وقد أثار هذا التصرف بعض الحاضرين وحدثت ضجة كبيرة دفعت بالمندوبين لاتخاذ قرار المغادرة وترك الاجتماع ولكن تدخل أشخاص حال دون ذلك، واستمرت الجلسة الانتخابية ليكون عدد الناخبين فيها 89 عضواً من أصل 370، تم تسجيل أسمائهم في سجل حضور الجلسة، أما الباقي فقد غادر لأسباب مجهولة ولن ننسى هنا ماقيل لنا عن توزيع قوائم جاهزة بأسماء الذين نجحوا في الانتخابات وبأن هؤلاء وحدهم كانت أوراق ترشيحهم جاهزة من أصل 12 مرشحاً والأسباب نضعها أيضاً في عهدة مجلس الإدارة المؤقت للجمعية.

ولاشك في أن حديثنا مع شقدوح والنحاس كان سريعاً، فقد غادر بسرعة بعد سرده لما حصل، وأما النحاس فكانت كلماته حذرة، ونحن نعذره لحساسية القضية وتشعباتها الكثيرة، وبدا ذلك واضحاً عندما اعترض على سؤالنا حول قانونية ماحصل، محاولاً كما يعتقد التخفيف من حدة السؤال بإجابة أو بالأصح بجملة واحدة، أنها كانت أكثر حدة في معناها وناضحة بالإشارات الاستفهامية وتتطابق في عجزها وانتكاستها مع ماقاله الملك فيصل العائد من مؤتمر باريس (ليس بالإمكان أكثر مما كان) وأتبع النحاس جملته ببضع كلمات: أبلغنا إدارتنا بماجرى وسيتم اتخاذ الإجراء المناسب من قبل إدارة التعاون السكني.

 

بشكل مقصود

لفت انتباهنا في دعوة جمعية بركة التعاونية للسكن والاصطياف لأعضاء الهيئة العامة للاجتماع في إحدى الصحف أسماء الأعضاء مجهولي العناوين والتي يمكن إذا أخذنا حسن النوايا بعين الاعتبار أن نضع ماتضمنته القوائم الاسمية من شخصيات رفيعة المستوى تم ذكرها في خانة الجهل التام بحساسية ماتمثله، أما إذا أردنا إدراجها تحت سوء النية فليست برأينا إلّا محاولة لإقحام هذه الشخصيات في القضية بطريقة استعراضية للقوة ولتشابك تعقيداتها التي أوقعت مجلس الإدارة في خطأ كبير وبشكل يدعو لمساءلتها وخاصة عندما تضع على سبيل المثال لا الحصر وزير الإسكان وغيره في قائمة مجهولي العنوان، وطبعاً شكوكنا هذه لاقت تأييداً من قبل الكثيرين، وبالاستفسار عن الموضوع قيل لنا إن ذلك يتعلق بسجلات الجمعية وقانونية التبليغ، إلّا أن ذلك لم يمنع من برر وفسّر من وضع الخطوط الحمراء تحت هذه الدعوة واتهام مجلس الإدارة ………؟.

قبل الانتقال إلى جمعية أخرى وإغلاق ملفها نذكر أننا زرنا وزارة الإسكان وحاولنا لقاء الوزير بشكل عاجل، خاصة ونحن نتوهم أن يحدث في بلدنا مايحدث في بلدان أخرى التي ينتهج مسؤولوها سياسة العلاقة المفتوحة مع الإعلام لخدمة المصلحة العامة، إلا أن مدير مكتبه اعتذر لانشغال الوزير بسلسلة من الاجتماعات، وطلب منا العبور من المكتب الصحفي، ولكن إصرارنا على اختطاف دقيقتين فقط من وقت الوزير دفع به لتدوين رقم الموبايل في سجله للاتصال بنا بأسرع وقت ممكن، ولكن يبدو أننا كنا نلهث وراء السراب.

وباختصار سنضيف إلى جدول أعمال اجتماعات وزارة الإسكان، وهي الجهة المسؤولة عن القطاع التعاوني، بند مخالفات اجتماع جمعية البركة للسكن والاصطياف، بدءاً من قيام مجلس الإدارة المؤقت للجمعية باتخاذ قرار دعوة الهيئة العامة للاجتماع وتبليغ الاتحاد بتاريخ 27/1/2016 بشكل مخالف لنص المادة /61/الفقرة /ب/ من المرسوم التشريعي /99/لعام 2011 مروراً بنقص عدد المبلغين، حيث هناك وبحسب السجلات 85 عضواً في الجمعية لم يتم تبليغهم، وصولاً إلى أن السبعة الذين فازوا بعضوية مجلس الإدارة هم من الأسماء التي تم توزيع قوائم بهم قبل بداية الاجتماع، ولم يتغير أحد منهم في القائمة، وطبعاً تم التحفظ من المندوبين في بداية الجلسة على طريقة التبليغ لوجود نقص في عدد المبلغين لحضور اجتماع الهيئة العامة، وعلى الأشخاص الحاضرين بسبب عدم القدرة على التأكد من هوياتهم وعضويتهم في الجمعية.

 

الوعد الكاذب

هذه العبارة وصلت إلى مسامعنا أثناء خروجنا من مكتب مدير التعاون السكني، حيث كنا من بين السامعين والمشاهدين لحالة الغضب التي اعترت أحد المراجعين للمديرية والذي كان يعترض ويشتكي من قيام رئيس جمعية الوعد الصادق بالتلاعب بأوراق التخصيص في الجمعية، حيث تم تجاهل دور زوجته المسجلة في الجمعية ورقمها 105 ليتم منح دورها وتخصيص الرقم 700 بطريقة غير قانونية رغم تسديده لكافة الالتزامات المالية، وهذا ما أكدته الزوجة نسرين، ولاشك أن صراخ الزوج كان يتقاطع مع الصرخات القادمة من أحد مكاتب المديرية والتي تبين أنها صرخات أمينة سر الجمعية التي كانت تخوض معركة ضد رئيس الجمعية محاولة استعادة مهامها المسلوبة وأمانتها المفقودة نتيجة تصرفات رئيس الجمعية الذي لم يجد أمامه سوى الصمت والتلفظ بكلمات معدودة تطالب الزوج بتقديم شكوى ضده، ولكن الزوج لم يهدأ وكرر اتهاماته وطالب أمينة السر بسرد الأسماء التي تم تخصيصها بشكل مخالف، حيث ساعدتها ذاكرتها على تذكر حوالي أربعة أسماء فقط.

ولوضع النقاط على الحروف فيما سمعناه اتصلنا في اليوم الثاني برئيس الجمعية خليل الخليل (أبو حسين) الذي نفى وجود أي مخالفة للقوانين التعاونية، مؤكداً على أن الاتهامات باطلة، وأن أمينة السر لا تعرف مهامها ومسؤولياتها، والتخصيص وملء الشواغر يتم وفق جدول الأفضلية ولا يوجد أي خطأ بهذا الخصوص في الجمعية.

 

سلطات غير مرئية

لا نبالغ عندما نقول إننا وعلى مدار شهرين حاولنا جمع أكبر قدر ممكن من المعلومات عن القطاع التعاوني السكني، حيث استطعنا بالمثابرة والتقصي لقاء عدد من ممثلي الجمعيات السكنية ولاننكر أن الصدفة قد ساعدتنا في ذلك، ففي أحد الاجتماعات الجماهيرية وقف غسان رضوان، أمين سر جمعية أشرفية صحنايا مناشداً الحضور بضرورة العمل للحفاظ على استمرارية الجمعية وتشجيع الناس على الاكتتاب فيها لملء الفراغ بعد خسارتها لعدد كبير من أعضائها نتيجة الظروف وعند لقائنا معه كرر رضوان كلامه، مؤكداً على أنه سيتم العمل على تشكيل مجلس إدارة مؤقت بعد دعوة الهيئة العامة.

واقع هذه الجمعية ومستقبل استمرارها المهدد لايختلف عن واقع الكثير من الجمعيات التي تنتظر قرار إنهائها، ولكن في المقابل هناك جمعيات مستمرة بالعمل كجمعية 7 نيسان التي زرناها أكثر من مرة في مشروع دمر وهو المشروع الذي انطلق منذ سنوات طويلة، وكان مخططاً له آنذاك ليكون منازل أو “فلل” وسط حدائق، ولكن خلال التنفيذ تم حرف المشروع عن مساره، فكثرة التعديات على الأملاك العامة التي أثارت شهية ما يطلق عليه اليوم المسؤول التاجر وغيره من الحالمين بالحصول على بيت، ونتيجة ذلك تشوهت فكرة المشروع ودمرت البيئة الحراجية فيه وتحولت المنطقة إلى كتل اسمنتية شاهقة مكتنزة بالملايين وجاذبة للطبقات المخملية بكل أنواعها.

وبالعودة إلى زياراتنا المتكررة للجمعية والتي كانت تستمر لساعات ونحن نستمع لحديث رئيس مجلس إدارتها سلامة ديوب الممتلئ بالذكريات فهو من أقدم رؤساء الجمعيات والذي استطاع أن يلخص واقع القطاع التعاوني بكلمة واحدة، قال لنا في بداية حديثه (مابيسوى) متهماً السلطات غير المرئية بمصادرة دور وزارة الإسكان التي لايمكن للجمعيات السكنية أن تقوم بدورها الصحيح والسليم إلا من خلالها، وبكلماته الهادئة ألقى (أبو عصام ) بمسؤولية التأخر بتوزيع المقاسم على الوزارة ومؤسسة الإسكان التي لم تحدد قيمة الأرض، حيث توجد خلافات حول عدد الطوابق واصفاً حالتها بالمتخبطة.

ديوب الذي طلب منا عدم إثارة موضوع الخلاف الواقع بين الجمعية وإحدى الجهات العامة والذي كان من نتائجه توقف أحد مشاريع الجمعية لسنوات طويلة انتقد القيم الصغيرة للقروض السكنية المقدمة خاصة مع ارتفاع أسعار الأراضي وقلة عدد المتعهدين، مايؤدي إلى طرح المشروع أكثر من مرة ونعاني أيضاً من قلة اليد العاملة وتحكم الموجودمنها بالأجور وارتفاع أسعارمواد البناء والإكساء التي تضاعفت عشرات المرات وبشكل أثر على جميع القطاعات ومنها القطاع التعاوني السكني الذي يرتبط وجوده بتوزيع الأراضي عليه، واعتبره ديوب من أنظف القطاعات لاستفادة أصحاب الدخل المحدود.

وعند الحديث عن الكلف كان هناك اختلاف في وجهات النظر بين ديوب وأمين سر الجمعية، حيث أنهى رئيس مجلس إدارة الجمعية الجدل بأن الكلفة تحسب على العضو بدقة دون أن تكون هناك عوائد للجمعية، فالقطاع التعاوني غير ربحي إلا أن أرباح تجارة البيوت تغري الجميع.

امامحمد السفاف (متعهد بناء) الذي شاركنا الحديث لفت انتباهنا إلى أن الكثير من الجمعيات التي يتعامل معها المتعهدون لايعرفون مجالس إداراتها الغائبة تماماً عن ساحة العمل، وتحدث أيضاً عن أن الفارق الكبير بالأسعار يشكل تحدياً وعقبة أساسية في وجه المتعهدين الذين لاتتجاوز أرباحهم 6% .

نقطة البداية

زيارة عصام الحلبي من مجلس إدارة جمعية الوحدة العربية التي تعيش منذ سنوات طويلة في متاهة الفساد كانت البوابة التي دخلنا منها للبحث والتقصي في قطاع التعاون السكني، وطبعاً ملف المخالفات الذي حمله الحلبي عن هذه الجمعية والذي يوثق حالات الاختلاس وغيرها من التقارير التفتيشية التي تدين أمين سر الجمعية، وتبين جميع الأعمال غير القانونية من اختلاس للأموال وعمليات شراء أراض بشكل غير قانوني ومخالف، وغيرها، وهذا ماسنطرحه في الجزء الثاني من تحقيقنا الاستقصائي.

 

نشاط جماهيري

لم يزعجنا حرص سامر دلال باشي، مدير التعاون السكني، على التقيد بمضمون الموافقة التي وصلته من الوزارة بحرفيتها وعدم الحديث بمواضيع أخرى، حتى ولو كان لها علاقة بقطاع التعاون السكني وبعمل الجمعيات التي عرفها باشي بأنها عبارة عن نشاط جماهيري تتدخل فيه الوزارة لتنظيمه، وليس لإدارته لذلك جميع القوانين التي صدرت بخصوص قطاع التعاون ركزت على مبدأ أن الهيئة العامة هي السلطة العليا، ويتم انتخاب مجلس إدارة من قبل الهيئة العامة، وله جميع الصلاحيات لتمثيل الجمعية وتحقيق الأغراض منها وتنفيذ مشاريعها وتحريك حساباتها وليس للوزارة أي تمثيل في اجتماعات مجلس الإدارة، ويقتصر حضورها بإرسال مندوب من قبل المديرية المختصة لحضور اجتماعات الهيئة العامة “هيئة المستفيدين” ومعالجة محاضر جلسات مجلس الإدارة وبيان مدى تطابق قرارات مجلس الإدارة مع الأنظمة وقوانين قطاع التعاون السكني.

الأرض والقرض هما دعامتان أساسيتان في القطاع التعاوني، برأي دلال باشي، كونهما يساهمان في تخفيض الكلف على المسكن الذي سيؤول لذوي الدخل المحدود، فعدم توفر الأرض بأسعار تناسبهم، وعدم إعطاء القروض من قبل المصرف العقاري، أديا إلى إرهاق العضو التعاوني، وهذا الأمر جعل الأعضاء التعاونيين يعزفون عن التواصل مع المنظومة الأساسية (الجمعية)، وبشكل هيأ البيئة الخصبة لبعض مجالس الإدارات ضعاف النفوس لاستغلال هذا الوضع، والقيام بأعمال لاتعاونية وغير قانونية أدت إلى تهديد مصالح الأعضاء التعاونيين، وهنا تقوم الوزارة من خلال المديرية والاتحاد التعاوني بمتابعة أية مخالفات تقوم بها مجالس الإدارات خلافاً للأنظمة، ويتم إصدار قرارات بإسقاط عضوية أعضاء مجلس الإدارة، وإحالة مجلس الإدارة إلى الهيئة المركزية للرقابة والتفتيش، وطبعاً عند الحديث عن وجود فساد يمس قطاع التعاون يجب الانتباه إلى أننا نتحدث عن فساد بعض مجالس إدارات الجمعيات، وليس الكل، فهناك (2700جمعية).

 

أمر سلبي

مدير التعاون السكني الذي حضر، على ما يبدو ما يريد قوله لنا استبدل سؤالنا حول واقع الجمعيات بأسئلة أخرى: هل هناك أمل في الحد من هذا الفساد المستشري؟! وما هي الآلية للحد منها؟! وهل لدينا رؤية واضحة إلى أين سنذهب بهذا القطاع التعاوني؟!.

وبعد ذلك أكد دلال باشي على أمر سلبي جداً في رأيه، وإن كان يستند إلى أسس قانونية، لكن له انطباعاً غير جيد على أرض الواقع إلا وهو الاستمرار الطويل لأعضاء مجلس الإدارة المنتخب لدورات انتخابية عديدة تفوق العقدين من الزمن، الأمر الذي جعل هذه المجالس تتصرف بالجمعية وكأنها حق مكتسب، وعندما تتوفر الصيغة القانونية التي تتيح وتحد من عدم استمرار مجلس الإدارة لأكثر من دورتين، فهذا الأمر سيضخ دماء جديدة في هذا القطاع.

ومن الأمور التي طرحها دلال باشي وضع آلية لمراقبة أوجه إنفاق مجلس الإدارة على المشاريع مقارنة مع مطالبة الأعضاء بتسديد الالتزامات المالية، وذلك من خلال تعديل المرسوم 99 لعام 2011 الذي انتهت وزارة الإسكان من وضع صيغته النهائية التي يتم حالياً عرضها على الجهات الوصائية لاستصدارها أصولاً /مرسوم قانون/، حيث تم لحظ إشادة الضواحي السكنية خارج المخططات التنظيمية، ولحظ آلية واضحة ودقيقة لمعالجة واقع الجمعيات التي انتشرت خارج المخططات التنظيمية 147 لعام 2002، ومن الإجراءات الوزارية الموجودة في ظل قانون التعاون السكني 99/2011 والقانون 17 لعام 2007 إحداث لجنة للرقابة في الاتحاد التعاوني ممثّلة بالاتحاد العام، والاتحادات بلجان فرعية، مهمتها معالجة الشكاوى الواردة للاتحاد أو المحالة من قبل الوزارة، وإجراء التحقيقات المناسبة مع مجلس الإدارة لبيان الأخطاء المرتكبة من قبله، والمخالفات، وعرضها على الوزارة لتتم المصادقة عليها من قبل وزير الإسكان أصولاً، وتم اتخاذ إجراء وقائي في عام 2012 يتمثّل بوضع ختم الاتحاد على صرفيات الجمعية من المصرف العقاري.

وختم دلال باشي حديثه: لا يوجد ترخيص جديد للجمعيات، حيث تم إيقاف التراخيص بموجب قرار رئاسة مجلس الوزراء لحين اتضاح معالم الإعمار في المرحلة المقبلة.

 

الشائعات

حظنا العاثر كان لنا بالمرصاد عند كل زيارة للاتحاد العام التعاوني، فلم يسعفنا أو يتيح لنا فرصة لقاء زياد السكري رئيس الاتحاد لمدة طويلة، حيث كنا نجده يستعد للخروج لدى وصولنا إلى مكتبه لارتباطه بأكثر من اجتماع، ولكن ذلك لم يمنعنا من تبادل الحديث معه ونحن نرافقه إلى مقصده، وما يميز حديث السكري تركيزه على العموميات، وإجاباته الفضفاضة: (سمعت ولم يصلني شيء حول الموضوع)، وتأكيده على أن الأمور تسير بشكل جيد، وأن الشائعات تطال من سمعة القطاع التعاوني، في حين تشهد الكثير من القطاعات حالات فساد موثقة، ولا يتم تسليط الضوء عليها إعلامياً، وأعطى الكثير من الأمثلة على ذلك!.

إجابات السكري المختصرة والعامة أوضحت تفاصيلها إجابات صالح عيسى رئيس الاتحاد التعاوني في دمشق الذي تعاون معنا بشكل كامل، وتحدث بصراحة عن وضع القطاع التعاوني الذي قسمه إلى عدة أقسام:انقسمت الجمعيات إلى ثلاثة أقسام ما قبل الأزمة، فعدد الجمعيات المشهرة 619 سكنية واصطيافية، قسم من تلك مشاريع سكنية ضمن مدينة دمشق وريفها، وقسم امتلك مشاريع سكنية واصطيافية، وقسم مشاريع اصطيافية فقط، وهناك جمعيات قامت بتنفيذ مشاريعها، وأنهت أعمالها منذ عشر سنوات، وهناك جمعيات تأسست في الفترة الواقعة 2005 – 2007 طمعاً بتوزيع ضاحية الفيحاء آنذاك، ويقدر عددها بـ (250جمعية).

وتابع عيسى: في بداية الأزمة، وفي النصف الأول من عام 2011 أصبح هناك كشف حقيقي لهذه الجمعيات من كافة النواحي أهمها نشاط مجلس الإدارة، ومثابرته للعمل، فنتج عن ذلك، بالنسبة لمعظم الجمعيات التي أسست في الفترة 2005 – 2007، الوقوف في حالة ترهل، وانعدام النشاط، ما أدى إلى قيام الاتحاد بعقد ندوات لتفعيل نشاط الجمعيات، والعمل على تسوية أوضاعها وفق المرسوم 99 لعام 2011، إضافة إلى إصدار التعاميم لمساعدة الجمعيات في كل ما تحتاجه لتنشيط أعمالها.

ولكن رغم ذلك كله معظم الجمعيات لم تبادر إلى كتبنا أو مراسلاتنا، فاتخذنا قرارات بحل هذه الجمعيات استناداً إلى تقرير تفتيشي صادر عن الرقابة، وموافقة الوزارة نظراً لترهل هذه الجمعيات، وغياب مجلس الإدارة، وعدم التواصل، ووجود الهيئة العامة، أقل من 100 عضو، وحالياً قام الاتحاد بحل وتصفية 180 جمعية نتيجة التصفية، ووزعت المبالغ الموجودة على الأعضاء كلاً حسب مدفوعاته.

وكشف عيسى عن وجود بعض الجمعيات، على الأخص الجمعيات الاصطيافية التي قامت بشراء أراض لإنشاء مشاريع اصطيافية، فقام مجلس الإدارة بالتلاعب بأسعار العقارات، ورفع السعر لتأمين هامش ربحي لمنفعتهم الشخصية، ما انعكس سلباً على سمعة القطاع، والإضرار بالأعضاء المكتتبين على هذه المشاريع، وللأسف رغم صدور تقارير تفتيشية تدين مجالس إدارات هذه الجمعيات، إلا أن بعضهم قد برىء أمام القضاء، وهناك جمعيات رهن التحقيقات، 8 جمعيات، وهناك من تمت إحالتها للقضاء المختص، والقانون يأخذ مجراه.

ولم يتوان عيسى في التأكيد على أن قطاع التعاون السكني قادر على تنفيذ 40% من خطة الدولة الإسكانية إن منح الفرصة لذلك من خلال تأمين الأرض، وإفساح المجال للاقتراض، على اعتبار أن أموال الجمعيات تقدر بـ 30 ملياراً مودعة في المصرف العقاري.

 

الخلاصة

نحن لا نريد تشويه صورة هذا القطاع أو الإساءة لأية جمعية، ولكننا نحاول تقديم يد العون والمساعدة بأياد بيضاء لحل المشكلات العالقة منذ سنوات، والكفيلة بإنهاء نسبة كبيرة من الفساد الذي يتحدث عنه الشارع، خاصة مع وجود مئات آلاف الأعضاء التعاونيين المكتتبين الذين ساهم بعضهم في الإساءة لهذا القطاع غير الربحي بعد أن أغرتهم أرباحه، ودفعتهم للمتاجرة به على حساب أولئك الباحثين عن بيوت الأمل وسقوف السترة الذين وقعوا في مصائد التجار والمسؤولين، فنزفت أحلامهم، وزحفت حياتهم وحياة عائلاتهم من تحت دلف سقوف الإيجار والعشوائيات إلى مزراب الفقر، وضياع المدخرات النحيلة التي بنت لغيرهم ممالك الثروة؟!.