مساحة حرة

الحرب على سورية في عامها الخامس ..مؤشرات ودلائل!

لم تتعرض دولة في العالم لحرب استنزاف طويلة الأجل وتمكنت من البقاء والصمود بهياكلها ومؤسساتها كل هذا الوقت دون أن تنهار ، كما تعرضت له سورية و استطاعت البقاء والمواجهة لأربع سنوات متواصلة بقوة الواثق من النصر ورباطة جأش المتمسك بعدالة قضيته رغم العدد الهائل من الدول والقوى التي شاركت في هذه الحرب الظالمة (أكثر من 83 دولة)، بل تمكنت القيادة السورية وقواتها المسلحة بفضل ما تمتلكه من معلومات ودراية عن المؤامرة وأبعادها، وما تطلبته مقتضيات الواقع من تغيير لمفاهيم المجابهة وفق تكتيكات عسكرية وسياسية خاصة أثبتت نجاحها وتمت ترجمتها انجازات يومية يقوم بها الجيش العربي السوري على أرض المعركة على ساحة الوطن، حيث استطاعت القيادة السورية قلب موازين القوى ليس على الساحة الداخلية فحسب، بل والإقليمية والدولية وتمكنت ببراعة الممسك بزمام الأمور من ترجيح الكفة لصالح الدولة السورية ومؤسساتها الوطنية بالرغم من الامكانات الكبيرة المتوفرة للأعداء، كما تمكنت القوات المسلحة السورية وحلفائها من تبديل قواعد الاشتباك على كافة الجبهات وفق خطط دفاعية وهجومية مبتكرة محلياً لم تعهدها مراكز الأبحاث المتخصصة في الاستراتيجيا العسكرية من قبل، لذلك تسارع المحللون من كافة بقاع الأرض لدراسة مكامن القوة الخفية التي تتمتع بها الدولة السورية وجيشها الوطني والطرق الخلاقة التي يتم بموجبها استثمار هذه القدرات وفق رؤية وطنية عالية، وساهم تماهي الشعب السوري بوعي كبير مع متطلبات المعركة في تحقيق الأهداف بدقة، حيث وعى حجم المؤامرة وكشف خلفياتها وأهدافها وتمسك بالأسس العامة لوحدته الوطنية واستقلال قراره السياسي والاقتصادي مهما تزاحمت السبل والضغوط.

هنا تبرز العديد من الأسئلة أهمها: ما هو مستقبل سورية والمنطقة بعد ظهور التنظيم الإرهابي الأقوى ” داعش ” على الساحة وغيره من التنظيمات الإرهابية المختلفة والمتخالفة بالتوجه والارتباط ؟ وما هي أفاق الحل وإنهاء هذه الحرب؟

في مجال الإجابة على هذه الأسئلة وغيرها، لا ندخل في باب التنجيم أو الأمنيات، بل سنحاول قراءة الواقع بعلمية وحيادية بعيداً عن التجميل أو التشاؤم، ونضع رؤيتنا المتواضعة للمؤشرات والدلائل التي تقترب منها المعركة بنتيجتها وذلك من خلال ما هو متوفر لدينا من معلومات وتحليلات للمراقبين والمتابعين .

يقول صحفي تركي متابع فضل عدم ذكر اسمه: “إن ما يحدث بالقفازات الحريرية، حول سورية والعراق واليمن أشد هولاً مما يفعله تنظيم ” داعش” بالسواطير والمطارق.. وهذا مؤشر واضح على حجم المؤامرة وأن النهاية المتوقعة لهذه الحرب لم يتم تحديد إطارها الزمني بشكل نهائي من قبل الدول المشاركة فعلياً فيها وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية التي تُطلق التصريحات المتناقضة بشكل يومي.

الولايات المتحدة الأمريكية التي تقود التحالف الدولي للإرهاب ضد سورية اضطرت أمام معطيات الواقع الجديد إلى المناورة ، إذ تُعلن عن برامج تدريب وتسليح وتمويل الارهابيين ممن أطلقت عليهم تسمية ” المعتدلين ” وتخفي نيات سيئة على خلفية القرار الدولي 2209 الصادر عن مجلس الأمن الدولي تحت الفصل السابع ، ربما تقود إلى تدخل مباشر في سورية تحت حجج ومبررات غير شريفة ، ومن جهةٍ أخرى تزعم أنها تسعى إلى الحل السياسي وإلى عدم انهيار الدولة ، وكان آخر هذه المواقف ما خرج به وزير الخارجية الأمريكي “جون كيري” حيث قال: ” إنّ التفاوض مع الرئيس بشار الأسد أمر لا بدّ منه لانهاء الحرب في سورية : وهذا مؤشر يدل على أن الولايات المتحدة الأمريكية تتجه نحو اعتماد إستراتيجية قديمة مجددة في الشأن السوري ، تتضمن الأمر ونقيضه ، فهي تقر بضرورة مواجهة العصابات الإرهابية على الأراضي السورية ، وقد مهدت مراكز الأبحاث الأمريكية الطريق عبر نشر معلومات عن دخول 120 ألف إرهابي من 90 دولة توجهوا إلى سورية لمشاركة داعش في حربها ضد الإنسانية والحضارة والدين ، و تعقد اتفاقيات مع تركيا وغيرها لتدريب إرهابيين جدد ، وتنادي بالحوار مع السيد الرئيس بشار الأسد لانهاء الحرب ؟؟

في الوقع من يحدد النهاية الحتمية لهذه الحرب هو انجازات الجيش العربي السوري على الأرض والمواقف السياسية الصلبة التي تتمسك بها الحكومة السورية وقيادتها السياسية ، وهنا محك الجدية الأمريكية فيما تقوم ، فإذا كانت فعلاً جادة في إنهاء هذه الحرب فإن عليها إلزام حلفائها الاقليميين بمكافحة الارهاب ووقف الدعم المالي والبشري للتنظيمات الإرهابية وتجفيف منابع الارهاب وفق مقتضيات القرارات الدولية ذات الصلة ، والتعاون الجدي مع القيادة السورية والتنسيق مع الجيش العربي السوري لانهاء حالة الفوضى والقتل في سورية والمنطقة .

إن إستراتيجية الحكومة السورية مبنية على أسس واضحة لانهاء الأزمة السورية من ألفها إلى يائها، وهي تتضمن الاستمرار في محاربة الارهاب والقضاء عليه حتى تنظيف آخر شبر من الجغرافية السورية منه، ومتابعة تجربة المصالحة الوطنية على مساحة الوطن لأنها أثبتت جدواها ، وهي الوسيلة الأفضل لإعادة اللحمة الوطنية إلى ما كانت عليه قبل الأزمة، وهذا يتطلب اجتماع السوريين في دمشق عاصمة التاريخ، وكذلك تغيير في قوالب العمل الإداري والسياسي على مستوى الحكومة ومؤسساتها الوطنية بما ينسجم مع متطلبات المرحلة المقبلة، ويوفر عامل الثقة والآمان لكل أطياف الشعب السوري، لأنه لا أحد يرفض الحرية والعدالة والديمقراطية الحقيقية، بشرط أن تحافظ على سيادة الوطن واستقلال قراره السياسي.

محمد عبد الكريم مصطفى