مساحة حرة

الحزب وسلاح الوعي والهويّة

عندما «يحتاج» الغرب إلى تحطيم المجتمع المقاوم ومعه الدولة الوطنيّة، فإنه لن يتراجع لا بمؤتمر مثل مؤتمرات جنيف، ولا فيينا ولا أستانا عن حاجته -وبدايتها تفتيت المجتمع من الداخل-، إلا مهزوماً بالوعي الوطني وبالوحدة المجتمعية وبإرادة الشعب التي لا تُقهر حين يكون سلاحها الوعي والهوية الوطنية. فليس السلاح هو البندقية فقط، وليس الميدان هو ساحة المعركة وحدها.

فالمعترك الراهن مع الإرهاب في الحقيقة صار تاريخياً ومصيرياً، لأن الإرهاب كنظرية وكفكر يستهدف اليوم البُنى الفوقية، بينما أدواته الرخيصة من الإرهابيين المضللين تستهدف -كممارسة- البُنى التحتية، ومن هذا المنطلق يغدو الاهتمام ضرورياً بتفريق القائد المناضل بشار الأسد بين محاربة الإرهاب ومحاربة الإرهابيين، فهاتان مسألتان غالباً ما يتم الخلط بينهما. فقال سيادته: «علينا محاربة الإرهابيين لأنهم يقتلون الأبرياء، فالدفاع عن الشعب هو الطريق الأكثر إلحاحاً. بينما مكافحة الإرهاب لا تحتاج إلى جيش بل تحتاج إلى سياسات جيّدة وثقافة واقتصاد وتبادل معلومات بين الدول المعنيّة».

وليس الاستهداف الذي يتعرّض له اليوم الوطن العربي، والدولة الوطنيّة فيه والمجتمع والأحزاب والتيارات الوطنيّة والعروبيّة والتقدميّة طارئاً. فإذا كان اليوم هذا الاستهداف هو الأكثر ضراوة في التاريخ الحديث فإنّه لطالما لعبت الدوائر الاستعمارية والامبريالية والصهيونية والرجعية العربية منذ أواخر القرن الأسبق هذا الدور الخبيث ولاسيّما في ضرب البُنى الفوقيّة الوطنيّة والقوميّة «الوعي – الهوية – الانتماء – الوحدة الوطنيّة والعيش المشترك»، وفي هذه الأيّام اقترن استهداف البُنى الفوقيّة بتدمير البُنى التحتيّة «المعامل والجسور والسدود والمؤسسات والمدارس والمشافي..».

فجماهير شعبنا وحزبنا، وعلى امتداد ساحات الوطن والأمّة، ومعها سائر القوى والتيارات والأحزاب والوطنيّة والقوميّة واليساريّة تدرك أساليب ومخطّطات وأهداف التحالف الصهيوأطلسي الرجعي العربي الوثيق في العمل على تدمير الدولة الوطنيّة، وتحطيم المجتمعات العربيّة من الداخل، مع العمل أيضاً على إعادة تشكيلها على أساس هشّ يعصف بالعيش المشترك وبالوحدة الوطنيّة.

ولا مشكلة لدينا في الاعتراف بأنّ الاستهداف المضاد للوعي والهويّة نجح في تحقيق غير قليل من مخطّطاته في أكثر من قطر عربي، ولا مشكلة أيضاً في الاعتراف بأنَّ حزبنا كغيره من الأحزاب الوطنيّة والتقدميّة تعرّض لما يتعرّض له الوطن والأمة، فلم يكن يوماً بمعزل عن الحياة العامة، وهذا ما يعطيه مصداقيّة وقوّة، فهو ليس طوباويّاً بل هو من صلب الواقع.

ولذلك يعيش حزبنا اليوم حالة فاعلة من التساؤل والمراجعة على مستوى النظريّة والممارسة لم تتبلور ملامحها بعد، ولم تكتمل صورتها بسبب اشتداد الأزمة وكثرة الخصوم المسلّحين بمعطيات البترودولار ومشتقاتهم من المثقّفين المأجورين لعواصم الغرب والخليج، هؤلاء الذين تفتح الميديا أمامهم اليوم أبوابها الواسعة للتنديد والشماتة بـ «هشاشة الرؤية القوميّة»، وبالقوميين العرب واليساريّين، وبمثقفي التيارين العروبي والتقدمي، حتى وصل الأمر إلى مطالبة أحد حكام الخليج في قمّة البحر الميّت بإعادة الاعتبار إلى “الإخوان المسلمين” الأساس الذي انطلقت منه الجماعات المتطرّفة والإرهابيّة.

فحزبنا اليوم أمام تحدّ يتطلّب، بل يفرض استجابة لحالة القلق التي تعيشها الأقطار والأمّة العربيّة، وللتحدّيات التي تجابه المشروع الوطني والفكر القومي، وخاصّة المساعي الحثيثة والمغرضة لحرف الصراع العقائدي مع المشروع الصهيو أطلسي الرجعي العربي، إلى صراع مع تحالف قوى المقاومة ولاسيّما وبالتحديد مع الحلفاء، بل الأشقاء في إيران الذين نشترك معهم اليوم في وحدة صراع التيارات الوطنيّة والعروبيّة والتقدميّة مع الاستعمارين القديم العثماني والجديد الامبريالي، ومع الرجعيّة العربيّة، ومع الصهيونيّة أيضاً.

وبهذا تكون الجمهورية الإسلامية طرفاً فاعلاً في الانتصار للمشروع التحرري العربي وقضيته المركزية فلسطين، والتحرري العالمي ببعده اليساري التقدمي في صراعه مع مشاريع الهيمنة النيوكولونيالية. وهذا صراع عقائدي ومصيري يستدعي التفريق بين الايديولوجيا الجامدة، والعقائديّة التي تفرض ديناميكية الوعي.

إنَّ معركتنا اليوم تؤكّد أنَّنا بدون عقائديّة، وتحديداً في المجتمع السوري، نفرّط بنهجنا الوطني، وإنَّ التخفيف من الطابع العقائدي لحزبنا يضعف مَنعة الوحدة الوطنية.

وإنّ تعزيز هذه العقائديّة وتطوير أساليب العمل عليها والنضال في سبيلها ليس صعباً، وعلينا أن نستمرّ في النضال ضد التحالف البغيض الذي عمل ويعمل على خلق حالة معمَّمة من اليأس والانهزامية.

وحين يتسلّح الشعب والحزب وحلفاؤه من القوى السياسيّة الحيّة بالوعي التقدمي وبالهويّة الوطنيّة فإنَّ مخططات تحطيم المجتمع وتفتيت الدولة الوطنيّة تغدو سراباً، ولايزال الأحرار في الشارع العربي ينتظرون بلهفة وأمل القوّة الكامنة من هكذا سلاح.

 

د. عبد اللطيف عمران