مساحة حرة

الحل في اليمن بعيد المنال.. لماذا؟

بعد مرور أكثر من خمسة عشر شهراً على بدء عدوان «التحالف» المكون من عشر دول حليفة لأمريكا بقيادة السعودية على اليمن، يبدو أن فشل هذا العدوان في تحقيق انتصار حاسم أضحى مؤكداً، وكل ما استطاع «التحالف» تحقيقه هو زيادة نفوذ تنظيم «داعش» الإرهابي باليمن،

وتحويل البلاد إلى دولة مدمرة تعاني الفقر والجوع وانعدام الأمن، وتستطيع مملكة بني سعود أن «تتباهى» بإزهاق أرواح آلاف الأطفال اليمنيين وقتل وإصابة عشرات الآلاف من المدنيين وتشريد أكثر من ثلاثة ملايين يمني وتحطيم بنية دولة بكاملها، وتستطيع أن «تفاخر» أيضاً أنها وضعت أكثر من ثمانين بالمئة من سكان اليمن البالغ عددهم نحو 23 مليوناً على شفا مجاعة واسعة النطاق وفقاً لتقارير الأمم المتحدة.

لقد بات هناك ما يشبه الإجماع الدولي على عبثية الحرب العدوانية التي تشنها السعودية ضد اليمن التي لم تحقق سوى الندم والفشل المدمر وإذا كان المقصود أن الهدف الرئيس للحكم السعودي من الحرب يتمثل في استعادة الرئيس اليمني المخلوع عبد ربه منصور فهذا الهدف لم يتحقق ولن يتحقق وإذا كان المقصود من حملة «التحالف» المدعوم من الولايات المتحدة «مكافحة الإرهاب»، فقد زادت الطين بلة واستفاد تنظيم «القاعدة» في شبه الجزيرة العربية، على وجه الخصوص، و«داعش» من الفوضى المستمرة، وحجز موطئ قدم قوي وتوسع في جنوب اليمن واستخدمها قاعدة تدريب وتجنيد عناصره، في الوقت الذي تنفذ واشنطن حملتها الخاصة هناك بالمراوغة والمناورة والخداع وراء الستار السعودي الذي يزعم «محاربته للإرهاب».

في مطلق الأحوال لولا إدراك بني سعود أنهم وصلوا إلى حائط مسدود في حربهم المجنونة في اليمن لما هرولوا إلى طاولة المفاوضات، وتقول صحيفة «الغارديان» البريطانية «إن اتفاق السعوديين بالمشاركة في محادثات السلام بوساطة الأمم المتحدة في الكويت وإعلان وقف إطلاق في 10 نيسان الماضي، يبدو كأنه اعتراف بأن استمرار الاستنزاف العسكري ليس حلاً بل يزيد من أزمة النظام السعودي المأزوم أصلا» وأضافت الصحيفة البريطانية: إن السعودية دفعت ثمناً سياسياً ودبلوماسياً باهظاً لمغامرتها الطائشة في اليمن، وبسبب ذلك تحولت الأضواء إلى سجلها الذي يرثى له في مجال حقوق الإنسان وأوضحت أن سفكها دماء اليمنيين نفّر الرأي العام الغربي منها وحملها مسؤولية زيادة التطرف والإرهاب في الشرق الأوسط والعالم.

ويمكن القول: إن إدارة أوباما لم تبد قدراً كبيراً من الحماسة لحرب السعودية على اليمن وحماسها كان لجهة واحدة وهي أن السعودية ستضطر إلى مزيد من صفقات السلاح الأمريكي لا غير حتى ظنّ بعضهم أن واشنطن خططت لتوريط النظام السعودي في هذه الحرب، من هنا أثارت تصريحات أوباما المفاجئة وغير المسبوقة حول العرش السعودي غضب بني سعود وحنقهم وخاصة فيما يتعلق بدعوته للتعايش مع إيران فقد قال في سلسلة مقابلات مع مجلة «اتلانتيك» الأمريكية: «إن على المملكة العربية السعودية أن تتعلم كيف تشارك في المنطقة مع خصمها اللدود إيران».

ووصف أوباما في مناقشة حادة ومطولة مع جيفري غولدبرغ في صحيفة «ذي اتلانتيك» حلفاءه السعوديين بأنهم «راكبون بالمجان» وأنهم ينتظرون من الولايات المتحدة خوض المعارك نيابة عنهم، وهم يرغبون في استثمار واستخدام العضلات الأمريكية من أجل خدمة مصالحهم الخاصة وأهدافهم الطائفية، ونوه أوباما بأن السعوديين بحاجة إلى إيجاد وسيلة فعالة لتبادل الجوار وإقامة نوع من السلام مع إيران في المنطقة».

وبنظرة عميقة نرى أنه من الطبيعي أن تفشل السعودية في اليمن، ولعل نظام بني سعود قد اكتشف مؤخراً أن صعود الشجرة اليمنية ليس سهلاً وأن المشكلة ليست في إعلان بداية الحرب، بل في كيفية إنهائها، وبطبيعة الحال، عبّرت الولايات المتحدة عن امتعاضها من الخطوة العسكرية السعودية في اليمن كما أشرنا آنفاً، لأنه ورغم أن خراج هذه الحملة الدموية هو للإدارة الأمريكية وللوبي الصهيوني الذي يحمي العرش السعودي فإن هذه الإدارة التي تنقل وراءها كما من حالات الفشل المتواصلة منذ غزو العراق سنة 2003، لا تريد أن يحسب عليها الفشل السعودي في حين أن الكيان الإسرائيلي الخارج من هزيمة عسكرية نكراء على يد حزب الله صيف تموز 2006، لا يريد أن يدفع فاتورة فشل التصرف السعودي الأرعن في اليمن ولاسيما أنه لا يزال يعاني حالة الفشل الناتجة عن عدم قدرتها على منع إمضاء الاتفاق النووي بين إيران والدول الكبرى.

ليس خافياً على أحد أن السعودية ضخّت مليارات الدولارات النفطية في هذه الحرب الضروس على الشعب اليمني بداعي إعادة ما سمته «الشرعية» إلى سدة السلطة، ومن البدهي أن هناك من صوّر هذه الحرب على أنها ستكون مجرد نزهة، فجنون القوة والغطرسة قادر على إضاعة بوصلة بني سعود المتآمرين، بالنتيجة سقط نظام المافيا السعودي وها هو الاتحاد الأوروبي يدعو المجتمع الدولي لتشكيل لجنة مستقلة للتحقيق في انتهاكات حقوق الإنسان في اليمن إضافة إلى مؤسسات ومكونات دولية أخرى ذات العلاقة بحقوق الإنسان من شأنها أن تمثل ضغطا سياسياً ومعنوياً على هذا النظام التكفيري المتطرف، ولعل فشل السعودية في تحقيق نتيجة أو مكسب في اليمن يؤكد أن هذه المحمية الصهيونية في جزيرة العرب تتصرف بعقول الصغار وتفشل في التعامل مع الشعوب وتبذر أموال خزائنها النفطية في تنفيذ المؤامرات الفاشلة والأحلام المريضة.

إذاً لم تكن حرب السعودية الوحشية ضد اليمن نزهة كما تصورها نظام بني سعود فبحسب دراسة غربية خسر النظام السعودي ما يقارب 3 آلاف جندي وضابط في معارك «إعادة الشرعية لليمن» إضافة إلى فقدان ما يقارب 400 جندي في الأشهر الأولى من الحرب، وعلى ما يبدو استنفدت القوات السعودية المشاركة في «عاصفة الحزم» السعودية ترسانتها المملوءة بالأسلحة الأمريكية الصهيونية البريطانية ما اضطرها إلى إبرام صفقات تسليح عاجلة لدعم قواتها المسلحة حتى لا تقع ضحية هجوم شرس لمشاة الجيش اليمني الذي يتعامل مع هذه «العاصفة» الدموية بأسلحة متواضعة، وإلى الآن لم تستطع السعودية أن تحقق شيئاً سوى تدمير كلي للبنية التحتية اليمنية وقتل الآلاف من الأطفال والنساء في مذبحة مريعة استنفرت المجتمع الدولي وجعلته يتحرك للاستقصاء والبحث، في حين لا تزال المقاومة الشعبية اليمنية تدك القواعد والحدود السعودية بنيران الصواريخ وترفض رفع الرايات البيضاء رغم المجاعة والضيق الاقتصادي وندرة السلاح.

يقول المتابعون: إن شعور نظام المافيا السعودي باقتراب ساعة إفلاسه التام وربما تخلي «إسرائيل» وأمريكا عنه يدفعه إلى تقديم الطاعة العمياء للمشروع الصهيوني- الأمريكي في المنطقة، ويتفهم المتابعون أن دخول هذا النظام الدموي الحرب على اليمن ومحاولة إفشال الحل السياسي في سورية وافتعال حرب كلامية مع إيران وتعطيل انتخاب الرئيس في لبنان وإعطاء الأوامر للجماعات الإرهابية لضرب الشعب التونسي عقاباً على مساندته وإطاحته المعنوية بقرار توصيف حزب الله كـ «منظمة إرهابية» كل هذه الحوادث والإشارات هي حالة هستيريا متصاعدة أصابت النظام الفاشل وجعلته يتصرف بعدوانية ووحشية ضد كل الجيران والأشقاء العرب خاصة أن الاتفاق النووي بين أمريكا وإيران يعد من وجهة النظر السعودية دليلاً قطعياً على تغيير التوازن لمصلحة الجمهورية الإسلامية في إيران، ولعل الأيام القادمة ستؤكد للمتابعين وللشعب السعودي بالأساس كم الخسارة التي جره إليها هذا النظام العبثي العميل، والفاتورة المعنوية التي سيكون على هذا الشعب دفعها للبلدان العربية المتضررة.

وعلى الرغم من انهيار الآمال والمطامع السعودية في اليمن فإن النظام السعودي الكيدي والحاقد والمتجبّر لا يريد أن يقر بالهزيمة ولا يريد أن يسلّم بحق الشعب اليمني بالحرية وتقرير مستقبله والخلاص من الوصاية السعودية المزمنة ولذلك نراه يمضي بعدوانه الوحشي ضارباً عرض الحائط بكل الجهود الدولية التي بذلت للوصول إلى حل، بانتظار وهم التغلب بالحديد والنار على الشعب اليمني وعلى شعوب دول المنطقة ومادامت هذه الأوهام تعشش في عقول بني سعود الفاقدين للحكمة فإن الحل في اليمن سيكون بعيد المنال ولن يكون في متناول اليد على المدى المنظور.

 

د. تركي صقر