مساحة حرة

الحملة الأمريكية ضد سورية.. واختراع الذرائع؟

وصلت الوقاحة الأمريكية إلى حد اختراع الكذبة وتسويقها كي يُصدقها الرأي العام وهذا ما تعودنا على تكراره لدى الإدارات الأمريكية المتعاقبة، ولكن هذه المرة تمت الحملة الأمريكية على سورية من خلال اختراع الذرائع الكاذبة الواردة إليها من تنظيم جبهة النصرة الإرهابي، بما يتناقض حتى مع التقارير الاستخباراتية التي كانت تبني عليها اتهاماتها السابقة، حيث تؤكد المعومات الاستخباراتية إلى أنه لا صحة لوجود أية نوايا لدى الحكومة سورية باستخدام الأسلحة الكيماوية ضد التنظيمات الإرهابية على عكس التصريحات الصادرة عن بعض الدبلوماسيين الأمريكان، وإن الأفكار التي يتبناها صقور البيت الأبيض الأمريكي ما هي إلا من بنات أفكارهم خدمةً لنواياهم العدوانية ضد سورية خارج نطاق كل القوانين الدولية ومواثيق منظمة الأمم المتحدة. فعندما تم احتلال العراق عام 2003 كانت الحجة في حينها امتلاك نظام صدام حسين أسلحة دمار شامل تُهدد الأمن والسلم العالميين، وبعد أن حصلت الكارثة وتم تدمير العراق بوقت قصير اعترفت الإدارة الأمريكية آنذاك على لسان وزير خارجيتها المقال ” كولن باول ” إنها شنت حربها في العراق بناءً على تقارير استخباراتية تبين فيما بعد أنها كاذبة وغير صحيحة حيث لا وجود لأي نوع من أسلحة الدمار الشامل في العراق، وأما ما قرأناه وسمعناه من وسائل الإعلام خلال الأيام الماضية من حملة أمريكية مفبركة ضد سورية بذريعة وجود نوايا مبيتة لدى الجيش السوري باستخدام أسلحة كيمائية ضد الإرهابيين في مناطق جديدة، ما هو إلا تتمة لسلسلة الأكاذيب التي تختلقها إدارة الرئيس “ترامب” من أجل عرقلة الحوار السوري – السوري وإفشال المباحثات الجارية سواء في الأستانة أو التي تليها في جنيف منعاً لحصول تسوية حقيقية للأزمة السورية وإنهاء الحرب الظالمة عليها من جهة، وتقديم الدعم للكيانات الإرهابية من أجل استمرار دورها التخريبي من جهة أخرى، بعد أن فشلت تماماً مسرحية خان شيخون والضربة العدوانية الأمريكية على مطار الشعيرات في تحقيق أية أهداف عسكرية أو سياسية على الأرض.

مع تطور الأحداث والوقائع بشكل متسارع على الأرض نجد أن الجيش العربي السوري وحلفائه يمسكون مفاتيح اللعبة بكل أبعادها، وتسير المعارك على كافة الجبهات باتجاه القضاء التام على “داعش” الإرهابي خلال هذا الصيف الساخن جداً جداً، وهناك معلومات انتشرت عن توجيهات أمريكية تم تبليغها إلى قادة تنظيم داعش تقضي بنقل عناصره من سورية والعراق إلى مواقع جديدة لم يتم الكشف عنها، وهو تأكيد جديد على الترابط المباشر بين الإدارة الأمريكية وجميع التنظيمات الإرهابية بما فيها “داعش”.

لم تكن الإدارة الأمريكية – سواء الحالية أو سابقاتها – جديّة في أي وقت من الأوقات في أجندتها السياسية لحل مشاكل المنطقة العربية، بل على العكس  أثبتت الوقائع بأن سياسة الولايات المتحدة تقوم على مبدأ تسويق الأزمات في العالم واستثمارها، وبشكل خاص الأزمات المفتعلة في منطقة الشرق الوسط وفق مقتضيات ومتطلبات مصالحها الحيوية ومصالح حليفتها الأساسية ” إسرائيل “، بغض النظر عن الأسس والمعايير التي تفرضها القوانين الدولية ومواثيق العمل الدولية، ووفق توقعاتنا فإن التهديدات الأمريكية ضد سورية تبقى في إطار تنفيذ سياسة الهيلمة الصوتية وتنازع المواقع والأدوار في ظل اندحار الدور الأمريكي وظهور التوازنات الدولية الجديدة، مع عدم نفي إمكانية تورط إدارة “ترامب” بعمل عسكري جنوني ومجازفة أمريكية في سورية تفتح أبواب جهنم عليها وعلى حلفائها انطلاقاً من سورية، لأن المحور السوري عازم بكل جدّية على المواجهة المباشرة لأي عدوان جديد مهما كانت النتائج، والتي من المؤكد بأنها ستكون في غير مصلحة أمريكا وحلفائها .

إن الانجازات العسكرية اليومية التي يحققها الجيش العربي السوري على كافة الجبهات وخاصة في البادية السورية والريف الشرقي والشرقي الشمالي لحلب، والهدنة التي طرحها في منطقة الجنوب، جميعها مؤشر على قوة الجيش وسيطرته على الأرض، وهي تؤسس في الوقت ذاته لمرحلة جديدة هامة من تاريخ سورية تحمل في ثناياها مشروع النصر الكبير على تنظيم داعش الإرهابي في الرقة ودير الزور وبقية المناطق، وبالتالي محاصرة الدول الإقليمية الفاعلة على الأرض من خلال إنهاء دور أدواتها الإرهابية في سورية، وهذا سيفتح الباب واسعاً أمام تسريع مشروع المصالحات الوطنية وتثبيت اتفاقات تخفيض التوتر، والبدء في حوارات جدية سورية – سورية بعيداً عن تأثير القوى الخارجية، وفق متطلبات القرار الدولي 2254 الذي وضع أطر الحل للأزمة السورية.

 

محمد عبد الكريم مصطفى