line1اخترنا لكرأي عام

الرد على التعليقات الواردة على مؤتمر “من هم أهل السنة والجماعة” وتوصياته

 

 

قامت مجموعة من العلماء الأفاضل بتفويض من إدارة مؤتمر  غروزني بالرد على عدد من الإشكاليات التي أثارها البعض، وخاصة من الوهابية، حول المؤتمر. وفيما يلي نص الرد الذي وصل إلينا:

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد

فقد اجتمع أكثر من مائتي عالم من شتى البلاد الإسلامية للمشاركة في مؤتمر حول: (من هم أهل السنة والجماعة) في مدينة غروزني عاصمة الشيشان. وبعد تقديم المشاركين أوراق بحوثهم ومناقشة تلك الأوراق مناقشة علمية صدر البيان الختامي الذي ينص على أن:

– أهل السنة والجماعة هم الأشاعرة والماتريدية في الاعتقاد، وأهل المذاهب الأربعة في الفقه، وأهل التصوف الصافي علماً وأخلاقاً وتزكيةً على طريقة سيد الطائفة الإمام الجنيد ومن سار على نهجه من أئمة الهدى.

– للقرآن الكريم حرمٌ يحيطه من العلوم الخادمة له، المساعدة على استنباط معانيه، وإدراك مقاصده، وتحويل آياته إلى حياة وحضارة وآداب وفنون وأخلاق ورحمة وراحة وإيمان وعمران وإشاعة السلم والأمان في العالم، حتى ترى الشعوبُ والثقافاتُ والحضاراتُ المختلفة عياناً أن هذا الدين رحمة للعالمين وسعادة في الدنيا والآخرة.

– هذا المؤتمر نقطة تحول مهمة وضرورية لتصويب الانحراف الحاد والخطير الذي طال مفهوم “أهل السنة والجماعة” إثر محاولات اختطاف المتطرفين لهذا اللقب الشريف وقَصرِه على أنفسهم وإخراج أهله منه.

وما ورد في هذا البيان ليس أمراً جديداً في التزامنا واعتقادنا الديني، بل هو مما اتفق عليه السلف الصالح. فقد ذكر ابن عساكر عن أبي القاسم القشيري أن أبا الحسن الأشعري كان من أئمة الحديث والعقيدة على طريقة أهل السنة، وقال ابن السبكي (اعلم أن أبا الحسن لم يبدع رأياً ولم ينشئ مذهباً وإنما هو مقرِر لمذهب السلف، مناضل عما كانت عليه صحابة رسول الله . فالانتساب إليه إنما هو بأنه عقد على طريقة السلف نطاقاً وتمسك به، وأقام الحجج والبراهين عليه، فصار المقتَدِي به في ذلك، السالكُ سبيله في الدلائل يسمى أشعرياً ويقول ابن خلكان: (هو صاحب الأصول، والقائم بنصرة مذهب أهل السنة، وإليه تنسب الطائفة الأشعرية).

ويقول ابن العماد في كتابه شذرات الذهب: (وقد بيّض الله به وجوه أهل السنة النبوية وسوّد به رايات أهل الاعتزال والجهمية، فأبان وجه الحق الأبلج، ولصدور أهل العلم والعرفان أثلج).

ثم إن أبا الحسن الأشعري رحمه الله قد غدا معتمد أهل السنة والجماعة وإمامهم في عصره وحتى هذا اليوم، لما قد وفقه الله من الرد على الفرق الشاذة والمبتدعة من معتزلة ومجسمة وقدرية وغيرهم. يدرك هذا كل من انتقد هذا المؤتمر ونال منه.

وقد كان توجه المشاركين جميعاً إلى عدم تكفير أهل القبلة على اختلاف مذاهبهم إلا بدليل قطعي، وذلك بأن ينكر المخالف أمراً ثابتاً من الدين بالضرورة. وترتب على ذلك عدم الحكم بكفر أي من الفرق الموجودة على امتداد العالم الإسلامي. بل كان توجه أحدهم إلى الحكم بأن الوهابية هم من أهل السنة والجماعة. وهو أمر ناقشه بعضهم. بالنظر إلى أن كثيراً من الوهابية يقولون بما يستلزم في حق الله تعالى التحيز والتجسيم. مع وضوح قوله تعالى: (ليس كمثله شيء وهو السميع البصير).

وعندما نقارن موقف السادة المشاركين في هذا المؤتمر بما نراه عند بعض مخالفيهم من تكفير من توسل بالنبي  أو تبديع وتكفير من احتفل بمولده ، واستنكارهم على من لم يشر إلى السماء لسؤالهم: (أين الله ؟) واتهامه بالتعطيل وغيره. بل تكفير من وقف بأدب أمام قبر النبي  وتوسل به، حتى بلغ بأحد شيوخهم أن ألقى خطبة عرفة في إحدى السنوات وأسقط قوله تعالى:(وَمَايُؤْمِن ُأَكْثَرُهُم ْبِاللّهِ إِلاَّوَهُم مشْرِكُونَ) على عامة المسلمين ممن يقف في صعيد عرفة. وقد نشروا في المدينة المنورة في شهر ربيع الأول قبل سنوات مطوية عنوانها: “الذين يقيمون الموالد يهود ومجوس وأعداء للإسلام”!… ونحن لا نعمم في الاتهام بالحكم على الإخوة هناك بأنهم جميعاً ممن ينهج هذا النهج التكفيري الخطير الذي يؤدي بالنتيجة إلى استباحة الدماء، ولكن ذلك موجود فيهم.

أما العلماء الذين شاركوا في مؤتمر غروزني فلم يصدر عنهم أي موقف عدائي مكفر، بل لم يتعرضوا لمخالفيهم بأكثر من بيان الحجة العلمية التي بنوا عليها موقفهم وحكمهم. وهم لم يأتوا بجديد يخالف حكم السواد الأعظم من السلف الصالح، والسواد الأعظم من الأمة الإسلامية اليوم،وهو ما يتفق مع بيان أن ما ذهب إليه الإمامان الجليلان أبو الحسن الأشعري وأبو منصور الماتريدي هو مذهب أهل السنة والجماعة. وهو مذهب معظم المسلمين.

إن على الإخوة الذين ينتقدون مؤتمر غروزني حول بيان من هم أهل السنة والجماعة أن يتأملوا ما جرى في المؤتمر من حوارات وما ألقي فيه من كلمات، ثم بالنتيجة أن يتأملوا البيان الختامي الذي صدر عن المؤتمر، ثم ليوضحوا موقفهم في ضوء ذلك.

لقد مضى ذلك العهد الذي يفرض البعض وصايته على الآخرين بقوة المال أو بسطوة الحملات الإعلامية، كما مضى ذلك الزمن الذي كان الافتراء والكذب يحقق الهدف الذي يتطلعون إليه. فنحن بالتزامنا بالضوابط الأخلاقية التي يجب أن نلتزم بها، وبالحرص الشديد على الوقوف عند الحدود الشرعية التي أمرنا ربنا بالوقوف عندها، وبحرصنا على الأمانة العلمية التي نتحملها لن تؤثر فينا صيحات الاستنكار التي تنبعث من هنا وهناك. وإنما نقول لكل أخ يخطّئ ما ذهبنا إليه: قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين.

إننا نناشد كل أخ مؤمن بالله واليوم الآخر أن يتقي الله فيما يطلقه من استنكار لا يستند إلى دليل شرعي، وكل إنسان يجد في نفسه الغيرة على دين الله أن يتقي الله فيما يطلقه من أحكام بحق إخوانه.

إن تحديد من هم أهل السنة والجماعة قد بني على ثلاث نقاط: النقطة الأولى أن مذهب أبي الحسن الأشعري وأبي منصور الماتريدي هو مذهب أهل السنة والجماعة. وهذا أمر اتفق عليه عامة علماء الأمة من السلف الصالح. والنقطة الثانية أن التزام أحد المذاهب الأربعة هو شأن أهل السنة والجماعة في الفروع والأحكام العملية. وأن منهج التزكية الذي أوضح معالمه الإمام الجنيد البغدادي هو منهجهم في تزكية النفوس وتطهير القلوب. مستنداً ومستمداً من الكتاب والسنة لا ينحاز عنهما.

فما الذي ينقمون عليه؟

إننا نؤمن بالحوار، ولا نؤمن بالمهاترات. وقد أمرنا ربنا سبحانه أن نجادل أهل الكتاب بالتي هي أحسن؛ منطلقين من كلمة سواء بيننا وبينهم، والأجدر أن نتحاور مع مخالفينا من إخواننا منطلقين من الكلمة السواء الأوسع والأعظم، والتي تنطلق من كتاب الله وسنة نبيه . ونحن نفضل الحوار على الشجار، إن الأمة اليوم أحوج إلى جمع الكلمة لا إلى تمزيقها، وحقن الدماء لا إلى سفكها. والله تعالى قد عهد إلينا بهذه المسؤولية إذ قال: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوابَيْن َأَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوااللَّهَ لَعَلَّكُم ْتُرْحَمُونَ).

إننا أتباع دين ولسنا أتباعاً لأشخاص ولا لدول، ونعبد الله لا نعبد سواه، ونشكر كل من صحح لنا خطأً أو قوم لنا اعوجاجاً مستنداً في ذلك إلى حجة ودليل، ورحم الله امرىء أهدى إلينا عيوبنا بنصح ناصح مخلص يبتغي به وجه الله، ويحقق فيه مبدأ النصح الذي يقوم عليه ديننا.

والحمد لله رب العالمين.