line1مساحة حرة

السياسة فوق الأحقاد

تقدّم الأحداث المتسارعة التي تحيط بالأزمة التي تعصف بالمنطقة، بل بالعالم أجمع، مؤشرات جديدة متنوعة حول المساعي الحثيثة لأطراف فاعلة في المجتمع الدولي للبحث عن حلول واسعة ومتكاملة لا تتعلق بالأوضاع في سورية فحسب.
ويبدو أن هناك دولاً في المنطقة والعالم تريد أن تراجع خياراتها وحساباتها ولا تريد أن تدخل في النفق المظلم الطويل التي تصرّ اليوم بعض الدول أن تبقي نفسها فيه، أو تجدد الدخول إليه.
ومع القناعة بعدم وجود معجزات في السياسة، ولا مشكلة لدينا في المعجزة إذا حصلت ونجحت، لأن السياسة لا تعرف الأحقاد – كما أكد الرئيس الأسد ذات يوم – بل تنطلق من المصالح، فليست المعجزات التي كانت مدار البحث بين الرئيس بوتين والوزيرين المعلم ولافروف بعيدة عن تاريخ الصراع بين الدول والشعوب، فقد عرفت الحروب الكبرى ولاسيما العالميتين الأولى والثانية هكذا معجزات «براغماتية»، فالمسألة ليست يوتوبيا، وقد تحدث على غرار تنقّل البندقية بين الأكتاف.
لكن الحقيقة أن المعجزة وقعت، وتحققت بالفعل، وهي الناجمة عن صمود الدولة الوطنية في الجمهورية العربية السورية، صمود الشعب والجيش والقيادة السياسية.
هذا الموقف الوطني العربي السوري الصامد جدير أن يؤخذ بالحسبان، وأن يكون له حصة الأسد، بل لابد، فإذا ماتزلزل هذا الموقف جرّاء خطط وتحالفات ووعود يصعب تطبيقها فإن النتائج المرجوّة لا شك، غير مضمونة إن لم تكن سيئة، ولاسيما أن هذا الموقف شكّل طيلة سنوات الأزمة العامل الأبرز والأقوى في محاربة الإرهاب والتطرف والتكفير محلياً وإقليمياً ودولياً شاء من شاء وأبى من أبى.
ومن الواضح تماماً أن الإرهاب ليس محصوراً بداعش، فداعش ليس وحده الإرهابي، ونحن في سورية جماهير الشعب والأحزاب والقوى الوطنية والتقدمية ننظر إلى كل من أسهم في الاعتداء على المؤسسات الوطنية وفي طليعتها الجيش العقائدي المبدئي البطل هو إرهابي على اختلاف المسمّيات والتشظّيات والتشكيلات، ولذلك فقد أحسن الرئيس بوتين عندما أكد خلال لقائه الوزير المعلم على «محاربة الشر الذي يتهدد الجميع».
فهل تستطيع الدول التي طال دعمها للإرهاب والإرهابيين، بل طال رهانها عليهم أن تنتقل بالواقع والحقيقة إلى الضفة الأخرى؟.
هذا سؤال كبير، ولعله هو الذي دفع الوزير المعلم إلى استنباط خلاصة الرأي «إن التحالف مع هذه الدول يحتاج إلى معجزة كبيرة جداً».
في الواقع على هذه الدول أن تجتهد وتجترح «معجزة الانعطاف» مقابل «معجزة الصمود» التي ابتدأها واجترحها الصمود الوطني السوري، لأنه لم يعد من طريق أمام المجتمع الدولي خاصة بعد الإنذارات الرباعية الخطيرة الأخيرة في يوم واحد، ولاسيما تلك الدول التي أسهمت في سفك الدم السوري، وهي ترى تدافع المئات من شبابها إلى ساحات الجريمة، وتدفق الإرهاب من رعاياها إلى المنطقة وعودتهم إلى بلدانهم حاملين بذرة التطرف والإجرام، إلاّ أن تلجأ إلى  الصدق مع نفسها ومع شعبها ومع شعوب العالم، فليست بنية الدولة الأطلسية هشّة إلى هذه الدرجة حتى يتدفّق الإرهابيون منها وإليها دون علم أو خبر أو خطة تجهلها السلطات المختصة.
فالأمر إذن – وكما أكدت القيادة السورية منذ بداية الأزمة – شرّ وشرر مستطير. فهكذا تحالفات ومعجزات ترتبط بقدرة هذه الدول  على وقف تطاير هذا الشرر، فالإرهاب صبي يبدو أنه كبُرَ، وسيضطر هذه الدول للعمل على قاعدة «إذا كبر ابنك خاويه»، لذلك فعلاً هي بعد هذا بحاجة إلى معجزة، وقد ظهر مباشرة أن تركيا أردوغان قلقة أمام هذه المعجزة فبحثت عن الهرب إلى الأمام لأنها دولة قلقة تاريخياً، وخير من عبّر عن هذا القلق رئيس وزرائها خاصة في كتابه «العمق الاستراتيجي» فهي لم تعد تعرف من تواجه، ومن ستواجه، فلجأت إلى العيش في أضغاث أحلام طائشة.
والمعجزة المتوخاة ستجعل الكرة في مرمى حلفاء الولايات المتحدة بعد أن أصابت آخر خرطوشة في جنوب سورية من أطلقها.
فالخطوة التالية هي التي تأتي بعد نجاح بسط الدولة الوطنية السورية والجيش الوطني العقائدي والعلم الوطني على كافة أراضي ومؤسسات هذه الدولة. أي بعد هزيمة الإرهاب والتكفير ومرتزقة الخارج.
د. عبد اللطيف عمران