قصة بطولة

الشهيد الملازم أول فارس محمد شاهين عند دمه تلاقى «الله والبشر»

لطالما سطرت الوقائع تاريخاً تشهد عليه الأرض وتبارك له السماء لبلد خلق لتكون الكرامة رأس ماله والشهادة رصيده الذي يتفاخر به الجد ويعتز به الأب ويصونه الولد، وإذا كانت الدول تمتحن بمعادن أبنائها فإن الرجولة التي خطّها رجال الله في ميادين البطولة كانت عبرة واعتباراً لمن يتقن الموت في سبيل الدار ويبذل دمه رخيصاً على دروب الانتصار مكللاً بأقواس الريحان والغار متكلاً في نضاله على القاهر الجبار، هكذا كان رفاق السلاح إخوة نور ونار تواءم صبر وعزيمة لا تنكسر، تسلحوا بالإيمان طاقة وزرعوا الخوف في الليل ببسالتهم وجبروتهم لأن أبناء هذا الوطن العصي على كل غادر تأبط الإرهاب فكراً وممارسة لا يعرفون إلا الشرف والكرامة والبطولة زاداً وزواداً لتاريخهم وحاضرهم ومستقبلهم .

على مدار سنوات اختبار الحرب كان لجنودنا كلمة الفصل في منازلتهم للإرهاب، فمنهم من قضى مستشهداً ومنهم من أكمل الطريق حتى آخر نقطة من دمه والشهيد الملازم أول الحقوقي فارس محمد شاهين كان واحداً من المئات الذين لم يبخلوا فكان كريماً وسخياً، آثر أن يكون شريفاً يغتسل بغبار البندقية ويتيمم بتراب المعركة حيث عاهد الله والوطن وقائد الوطن أن يبقى التراب طاهراً طهوراً من كل دنس .

وصيته.. «زوروني عند النصر ومدخراتي لتعليم ابن أختي»

في تسجيل توثيقي للساعات الأخيرة من منازلات البطولة كان لرفاق السلاح شهادات لقصة شهيد كان شجاعاً لا يعرف الخوف ويدرك أن الشهادة حق والنصر آتٍ.

وقف الفارس فارس وصوب نظرات الوداع لرفيق السلاح ومضى ببطء والبندقية تحت إبطه مخترقاً الظلام، بعد أن أوصاه بأغلى ما لديه إن كتب له الشهادة قبل أن تُطهر أرضنا من كل إرهابي، بأن يذهب ويخبره عن الانتصار ويثلج تربته بهذا النبأ الكريم.. ترك ما تبقى من أغراضه عند صديقه علي وحمّله أمانة بأن يرسلها إلى أخيه في دمشق ويخبره بأن يهب مدخرات راتبه لأخته لتنفقها على دراسة ابنها عزيز كي يتفوق في رحلته العلمية.

قال علي وهو يسرد التفاصيل والوقائع بأن الملازم الحقوقي فارس محمد شاهين استعد في المساء البارد /29/12/2014 وهو ينفث بخار فمه قائلاً لزملائه القلة لن ندع قطعان «داعش» الشيطانية تنفذ تهديدها بأن تستولي على المطار العسكري في دير الزور… مضى مع رفاقه والريح في ظهرهم والألسنة تتراقص لتدفئة الجسد، بينما الرؤوس مرفوعة، هنا يردف رفيق الدرب بأن الهجوم من إرهابي «داعش» نفذ من ثلاثة محاور بأعداد كبيرة، ورغم طلب القائد الميداني من الشهيد فارس بأن يذهب ويستريح إلا أنه رفض فلم يترك نقطته التي تمركز فيها وبقي فيها 20 يوماً متواصلة، بل كان يذهب لمساعدة نقاط أخرى ثم يعود إلى نقطته .

عندما أدرك أن الاشتباك لن يتوقف ترك نقطته صباح 30/12/2014 وذهب بالقرب من برج الإشارة ليجري اتصاله الأخير مع أهله… تحدث مع والدته ووالده وإخوته وهو يضحك دون أن يخبرهم بالخطر الذي يهددهم، وعاد بسرعة إلى نقطته بعد أن أنهى اتصاله، كان الإرهابيون حينها يستعدون للهجوم على الساتر في منطقة الجفرة واشتد الاشتباك وعند عدم قدرة أفراد السرية البقاء في ظل الهجمة الشرسة طلب من زملائه الانسحاب ليبقى هو ومساعده على المدفع وتمت التغطية النارية بنجاح وأنقذوا زملاءهم، إلا أن رصاصة قناص غادرة اخترقت قلبه الأبيض لتتبدل لون البدلة وتكتسب اللون الأحمر.

يؤكد من تواصل معه من أصدقائه في الشهر الأخير من نهاية عام 2014 أنهم سألوه عن إجازة نهاية العام لقضاء رأس السنة في المنزل مع أهله ومحبيه، فكان رده بأنه سيأتي عريساً ملفوفاً بالعلم السوري، فعند اتصاله مع أهله كان يطلب الحديث مع الطفل محمد ابن أخيه الصغير ليحفظه عبارة «لموا الضيعة جاي فارس».

وللأمانة فضّل الشهيد البقاء في خندق دير الزور لأربع سنوات ليطلق رفاق السلاح عليه تسمية «الضيعة» لشجاعته وقوته، ولم يرضَ البقاء داخل سور المطار، فطلب من قائده النزول إلى أرض المواجهة المباشرة ليحقق عدة إنجازات، حيث كوفئ عدة مرات، في الوقت الذي كان يقضي معظم إجازته لزيارة أضرحة رفاقه الشهداء الذي لم ينساهم يوماً، وفي إحدى الزيارات انحنى فوق قبر صديقه الشهيد سامر غضبان وقبل ترابه وهمهم ببضع كلمات «أنا جاييك ماني مطول».

الشهيد الحقوقي فارس محمد شاهين من مواليد 1/7/1986 قرية خربة الجوزية في شمال اللاذقية لم يتوانَ بعد أن أتم دراسته الجامعية وتخرج من كلية الحقوق في جامعة حلب عن اللحاق بالخدمة الإلزامية بعد أن قدم طلب لاستعجال ذهابه إلى خوض معارك القتال ضد الخونة والإرهابيين الذين انتهكوا الأعراض والبلاد، فلم يمر في حياة إنسان إلا وأثر فيه لطيبة قلبه وحبه للمساعدة من دون مقابل فورث بعد استشهاده السمعة الطبية عند كل إنسان صادفه في حياته بدءاً من القرية وانتهاءً برحلة حياته في معارك دير الزور.

نعم لقد تزينت جميع التواريخ بانتصارات مجيدة صنعها فارس وإخوانه السوريون، وستبقى للشهداء مكانتهم الخالدة في قلوبنا، فبهم بدأنا طريقاً لن نحيد عنه إلا وكل حبة تراب سورية مكحلة عيونها بخضرة علم الوطن، بعد أن سقيناها من دمائنا، ليبقى الأحمر دافئاً ومستعداً في كل لحظة لاستقبال أرواح سورّية جديدة تغفو بين طيات المجد.

الشهيد الملازم الأول الحقوقي فارس محمد شاهين.. سلام على روحك الطاهرة وسلام على رفاقك ممن سبقوك ومن هم على الطريق مشاريع شهادة حقيقية في أي لحظة.

1010943_400714596709666_1023433260_n