مساحة حرة

الصراع على الرقة.. والمنعطف القادم؟

بعد مضي اسبوع كامل على بدء معركة الرقة المزعومة التي أعلنت عنها قوات سورية الديمقراطية بمساندة أمريكية جوية وأرضية مباشرة وفق ما تحدث العديد من المراقبين، دون أن نرى نتائج فعلية لهذه المعركة المريبة، في الوقت الذي يؤكد فيه المحللون بأن أهداف تلك الحملة ليست تحرير الرقة ومناطقها من تنظيم “داعش” الإرهابي وإعادتها إلى الحضن السوري لكي يعيش أهلها حياتهم الطبيعية مثل بقية الناس في المحافظات السورية الأخرى، بل تهدف الإدارة الأمريكية من تلك البروبغندا لتغيير الواقع على الارض واستبدال إحتلال داعش للرقة ومناطقها بقوة أخرى غير شرعية كذلك، والغريب في الأمر الصمت الدولي الذي يرافق هذه الحملة بما فيه الروسي، وباعتبارها المرة الأولى التي يُشارك فيها جنود كوماندوس أمريكان بالحرب على سورية بشكل تُعبر فيه عن تحالفها الفج مع ميليشيات محلية ويرتدي جنودها اللباس العسكري المتماثل مع ما ترتديه ميليشيات قوات سورية الديمقراطية حتى أنهم يضعون الشارة التي تُميز تلك القوات ذات اللون الكردي الغالب، كما نستغرب مواقف الدول الصديقة والمحايدة عدم إدانتها للتصرف الأمريكي الذي يُشكل عدواناً مباشراً على أراضي دولة مستقلة عضوة في منظمة الأمم المتحدة، وقد جرى التدخل دون موافقة الحكومة الشرعية لهذه الدولة بما يُخالف ميثاق الأمم االمتحدة والقانون الدولي، وهذا ما أثار في الوقت ذاته غضب وحنق الحكومة الأردوغانية التي اعتبرت الموقف الأمريكي تجاوزاً فاضحاً للمصالح التركية المصنفة كحليف استراتيجي دائم لأمريكا وحلفها العسكري، وتفضيل العلاقة مع ميليشيات قوات سورية الديمقراطية ودعمها وهي مسجلة كتنظيم إرهابي على اللائحة التركية التي لم تُخفِ لومها لسياسة الإدارة الأمريكية وتعاونها مع عدو الاتراك اللدود.

في حين تقوم إدارة الرئيس باراك أوباما بدعم حلفاء تركيا في مناطق أخرى من خلال دعم عصابات “جبهة النصرة وجيش الفتح” المواليين للحكومة التركية في منطقة اعزاز وما حولها ضد قوات سورية الديموقراطية وحلفائها، وهذا يؤكد عدم جدية الإدارة الأمريكية في معركتها الافتراضية ضد الإرهاب والقضاء على داعش سواء في الرقة أم غيرها من المناطق المتواجدة فيها، بل تسعى لمحاصرة عناصر داعش في مناطق محددة من سورية والعراق وحثهم على الهرب باتجاه مناطق جديدة في سورية من أجل تشكيل عامل ضغط على جبهات ترى أن الجيش العربي السوري يتحكم بقوة على سير القتال فيها، ويتقدم سريعاً نحو الحسم وخاصة في الريف الشمالي لحلب ومناطق شرق حمص.

وإن إعلان وزير الخارجية الأمريكي جون كيري صراحة عدم قدرة الولايات المتحدة وحلفائها على فصل ما تُطلق عليه “قوات المعارضة المعتدلة” عن تنظيم “جبهة النصرة” الإرهابي يصب في نفس الأجندة التي تعتمد المماطلة والتسويف واستثمار الوقت الضائع في فرضية الهدنة الغادرة التي تقوم التنظيمات الإرهابية باستغلالها وإعادة ترتيب أوضاعها الداخلية وتحصين جبهاتها بما يُعيق تقدم الجيش العربي السوري وحلفائه منعاً لحسم المعركة لصالح الدولة السورية والانتقال للجانب السياسي في الحل .

مع نهاية هذا الأسبوع الجاري تنتهي المهلة الروسية للفصل بين “التنظيمات الإرهابية المعتدلة” وبين “جبهة النصرة” ونعتقد إنها المهلة الأخيرة التي يتبعها معركة حامية جهتها إدلب وريفها وصولاً إلى كامل الريف الحلبي، بالتواقت مع جبهة السخنة الرقة دير الزور، التي ستكون ذات اتجاهات متباينة ومتناقضة مع حرص الجانب الروسي على عدم الإشتباك المباشر مع حلفاء أمريكا وجنودها الذين يقتربون من الرقة!

بكل الأحوال الأيام القادمة تحمل معها أخبار ساخنة تعكس منعطفا حقيقيا قادم وقريب في الحرب على سورية، يكون ديدنه إنجازات جديدة للجيش العربي السوري وحلفائه ستُبهر المتابعين، وتُثبت بأن مهاترات أردوغان وتهديداته بالدخول إلى مناطق سورية له مصالح فيها ماهي إلا أضغاث أحلام تعكس حالة التوتر والتناقض التي تسيطر على سياسة حكومة العدالة والتنمية التركية التي خسرت أغلب علاقاتها التي كانت تبني عليها أساس طموحاتها بتجديد الخلافة العثمانية في زحمة الفوضى التي تضرب المنطقة، وستجد نفسها الخاسر الأكبر جراء هذه السياسة الغادرة.

 

محمد عبد الكريم مصطفى