مساحة حرة

الصمود السوري والاستدارة الغربية !

بعد أن تجاوزت الدولة السورية عتبة الأحلام الطوباوية والطموحات الوهمية لأعدائها المحليين والدوليين بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها الغربيين وأتباعهم من الأعراب والقوى الاقليمية وذلك بفضل الصمود السوري المذهل ، بدأنا نسمع سيمفونية جديدة بايقاعات غربية مشتركة يعزفها بعض حلفاء الولايات المتحدة ليس بعيداً عن المظلة الأمريكية أو خارج رغباتها، بل ربما بالتنسيق والتعاون الايحائي معها، والسير المنفرد بأسلوب الخطوة خطوة، وهي بكل الأحوال تعبير صريح عن استدارة غربية يقودها مسؤولون وساسة وجنرالات غربيين واقليميين لهم دور بطريقة ما بصناعة القرار السياسي الغربي، وهذه جميعها تشير بدون خجل أو مواربة إلى تعاظم الدور السوري وأهميته في مواجهة الهجمة الارهابية الشرسة التي تُمثلها “داعش” وأخواتها من التنظيمات التكفيرية المجرمة في سورية والعراق، حيث بدأت فعلاً تلك التنظيمات تُثير مخاوف أمنية حقيقية لدى الدول الكبرى وفي مقدمتها فرنسا وبريطانيا، وبقية أوروبا القريبة من المغرب العربي.

الرئيس الأمريكي “باراك أوباما” كان أكثر صراحة أمام زواره والمقربين منه بأنه يثق تماماً بأن مشروع الولايات المتحدة وحلفاءها في المنطقة بإنشاء ما يُسمى بـ”معارضة سورية معتدلة” وتدريبها وامدادها بالسلاح ما هو إلا بروبغندا استعراضية لا تتعدى في حدودها البعيدة عن فانتازيا سياسية وهي لا تُمثل أي تأثير فعلي على الأرض لا في مواجهة “داعش”، و”جبهة النصرة” ولا في محاربة الجيش العربي السوري الذي يزاد قوة وصلابة في كل يوم جديد وهو يمتلك الأرض ويُسيطر على الجغرافيا ويتحكم بالموقف القتالي بكل أبعاده على كافة الجبهات ، وهذه النظرة توضحت حديثاً لدى كافة القوى الدولية المؤثرة في الحرب على سورية، حيث أكدت المدعي العام السويسري “كارلا ديل بونتي”: “بأن الرئيس بشار الأسد هو الشريك الوحيد من أجل التوصل إلى حل سياسي للأزمة السورية وإنهاء ما يجري فيها … منوهة بتحسن الوضع في سورية حالياً، وأن الحل مستحيل بدون الرئيس الأسد لأنه يتمتع بقوة شعبية كبيرة على الأرض …” وغيرهم آخرين كثيرين تحدثوا بنفس الاتجاه.

تأتي الزيارة الهامة التي قام بها وزير الخارجية العراقي الدكتور ابراهيم الجعفري لسوري ولقائه مع السيد وليد المعلم وما تضمنه الحوار بعيداً عن الإعلام، في مرحلة حساسة وهامة من تاريخ المنطقة، يسودها حراك سياسي نشط على الساحة الدولية والاقليمية، وتكمن أهمية تلك الزيارة كذلك في زمنها قبيل انعقاد اجتماع روسيا 2، وعشية انعقاد القمة العربية المرتقبة في مصر، وما تحمله من رسائل قادمة من أكثر من اتجاه ، لتثبت بأن الدور السوري حيوي وأساسي في ملف الأمن القومي للعرب والمنطقة برمتها، صحيح تحدث كل من الدكتور الجعفري والوزير المعلم بلغة الدبلوماسية العالية ولكنها نتيجة آلام مشتركة، ومصير واحد ضمن حقائق التاريخ والجغرافيا، حيث أنه كلما كانت العراق بخير فسورية بخير، وإن أمن سورية من أمن العراق لأن المعركة واحدة والعدو واحد مهما تنوعت الطرق والتسميات والأشكال، وإن سورية بحق تُدافع عن أرضها وعن جميع دول الجوار بمن فيهم من يُسهل حركة الإرهابيين ويدعمهم، ومهما حاول البعض تغييب الحقيقة وتحويرها فلن يصل إلى درجة إخفائها بعد أن احتلت مساحة كبيرة من حياة الناس ومناطقهم في سورية العراق وارتداداتها البعيدة في تونس واسبانيا وفرنسا وغيرهم.

القيادة السورية كانت تعي تماماً أبعاد هذه الحرب ، وتحضرت لمواجهتها بكل السبل والوسائل، وهذا ما عكس مستوى الصمود العالي للشعب السوري والجيش العربي السوري، وكانت الحكومة السورية طيلة هذه السنوات الأربعة مطمئنة على النتائج مهما طالت فترة الحرب وتنوعت وسائل الاعتداء الإعلامي والسياسي والاقتصادي والاجتماعي فلن يطال من الصمود السوري، وأكدت بأنها قادرة على الاستمرار في المواجهة وتحقيق المزيد من الانتصارات على الأرض بسواعد أبطال الجيش العربي السوري، في الوقت الذي تستمر فيه فاتورة الأعداء في الارتفاع وتتناقص شعبيتهم ومؤيديهم على الأرض، وقد تصل بهم الأزمة السورية إلى مرحلة تكون فيها عاملاً مهماً في انهيار أغلب أعداء سورية وحلفائهم وأدواتهم الذين شاركوا بطريقة أو بأخرى في هذه الحرب القذرة، لأن القلاع الصامدة وحدها التي تمتلك عوامل النصر في النهاية وتتمكن من توجيهه بالطريقة التي تخدم مصالحها الاستراتيجية لعقود قادمة، ودمشق قلعة العرب الصامدة التي لا تطالها يد الأعداء مهما استمر غدرهم وغيَهم، وعلى الأعراب الذين يلملمون بقايا كراماتهم المهدورة تحت نعال الجندي العربي السوري أن يعوا بأنه لا عروبة ولا خيار عربي يُنفذ على الأرض بدون موافقة سورية ومشاركة أيديها البيضاء في كل القضايا العربية .

محمد عبد الكريم مصطفى