العلاقات التركية الأمريكية.. والعقدة الكردية؟
على الرغم من التوتر الشديد الذي يسود أوساط الإدارة الأمريكية ومسلسل الاستقالات والإقالات المتواصل، والصورة المشوشة حتى الآن التي يعتمدها ” ترامب ” في آلية اتخاذ القرارات الاستراتيجية خاصة في مجال العلاقات الخارجية، والابتزاز المستمر الذي يقوم به الرئيس الأمريكي شخصياً مع حلفاء بلاده في منطقة الشرق الأوسط، نجد أن مطبخ صناعة تلك القرارات يخضع في الغالب لرؤى شخصية لبعض المقربين جداً ممن يسمون صقور الإدارة، بحيث يبدو القرار متباين في شكله ما بين الرئيس وإدارته، بينما هو في الحقيقة منسجم في مضمونه، وقد ظهر ذلك جلياً في استجابة الرئيس وتعديل صيغة قراره، من سحب القوات الأمريكية كاملة وبالسرعة القصوى من الأراضي السورية، إلى صيغة الانسحاب المبرمج البطيء (بوتيرة مناسبة بينما نواصل في الوقت ذاته محاربة داعش والقيام بكل ما هو حكيم وضروري وفق زعمه الذي رد به على صحيفة نييورك تايمز الفاشلة)، وأي قضاء على داعش؟
في الحقيقة لا تُقنع هذه الأكاذيب والترهات أحداً لا في أمريكا ولا خارجها، كون داعش بالأساس هي صناعة أمريكية بتمويل سعودي، ولم تزل تنعم بحماية أمريكية عالية رغم كل ما أصابها من هزيمة حقيقية على يد الجيش العربي السوري وحلفائه، أما فيما يخص تراجع الإدارة الأمريكية عن قرارها بسحب كامل قواتها الغازية من سورية، فنجد أن هذا التغيير في التكتيك جاء كتلبية لضرورة تخدير حلفاء أمريكا الذين علا صوتهم رافعين راية المخاوف من مستقبل سحب أمريكا لقواتها من المنطقة المحتلة وفي مقدمتهم حكومة الكيان الصهيوني، والأكراد الموالين لأمريكا، وداعش ذاتها، إضافة إلى أهمية إعادة برمجة العلاقات التركية الأمريكية التي واجهت الكثير من التجاذب والبرود نتيجة العقدة الكردية التي لم تنضج خطة حلها المتباينة تماماً بين النظامين الأمريكي والتركي، وتأتي زيارة ” جون بولتن ” الأخيرة إلى كل من فلسطين المحتلة ولقائه برئيس حكومة الكيان الصهيوني ” نتن ياهو ” ضمن إطار حملة التطمينات التي حملها المسؤول الأمريكي إلى حلفائه وتأكيده على استمرار دور الولايات المتحدة في تقديم الحماية اللازمة لهم وإن انسحاب قواتها الغازية من سورية لن يتم بهذه السرعة (قبل القضاء التام على داعش )؟
كانت محاولة “بولتن” الفاشلة بإجراء لقاء مع “أردوغان” رئيس النظام التركي من أجل تصويب فهم هذا الأخير لقول الرئيس “ترامب”: خذ سورية كلها..! في مكالمة هاتفية جرت بينهما وما رافقها من هيستريا كردية، لكن رفض الرئيس التركي استقبال ” بولتن ” وحصر محادثاته مع مسؤول الأمن القومي التركي ” إبراهيم قالن ” كعقوبة لبولتن على التصريحات التي أدلى بها في فلسطين المحتلة بخصوص الأكراد، ومع ذلك تفاهم المسؤولان الأمريكي والتركي على آلية التنسيق باستمرار لدعم الإرهاب في سورية بعد تنفيذ القرار الأمريكي بسحب قواتها المحتلة من سورية، إضافة إلى بحث أهداف وتداعيات العدوان التركي المزمع على شرق الفرات، بينما بدا المؤشر العام مختلف بشأن الأكراد وعكس وجود تباين كبير بل اختلاف واضح لدى النظامين بشأن المسألة الكردية، التي ذكرها الموفد الأمريكي ضمن مباحثاته مع حكومة الكيان الصهيوني وأكد على حماية الأكراد كحلفاء لأمريكا في شرق وشمال سورية، وهذا ما رفع ضغط أردوغان إلى درجة رفض اللقاء بـ ” بولتن ” حيث قال لا يمكن قبول التصريحات التي أدلى بها بولتون بشأن سورية في ” إسرائيل ” وأنه ارتكب خطأ فادحاً، لكن ” أردوغان ” المصاب بشيء من جنون العظمة، سارع إلى شرح خطة بلاده في سورية من خلال مقال كتبه في جريدة ” نييورك تايمز ” أوضح فيه نيته بإعطاء ما يُسمى إدارة محلية ذاتية للأكراد تحت وصايته، مؤكداً على تنفيذ هذه الخطة بالتنسيق والتفاهم مع شركائه في الإدارة الأمريكية وروسيا، وكأن الأكراد يعيشون على الأراضي التركية !
في واقع الأمر لا يكترث الرئيس الأمريكي كثيراً بما يُصيب حلفاء بلاده من احباط نتيجة سياساته المحيرة والمربكة،بل المذلة لهم، بقدر ما يهتم في جني الأرباح، وقد قال في تغريدة له على حسابه في تويتر :” إن الحروب التي لا نهاية لها، لا سيما التي شنت بسبب قرارات خاطئة اتخذت منذ سنوات عديدة، والتي لا نحصل فيها على مساعدات مالية أو عسكرية كافية من البلدان الغنية التي تستفيد كثيراً مما نفعله، ستحصل في نهاية المطاف إلى نهايتها المحتومة ..”، في أوضح صورة لسياسة الابتزاز المالي التي يعتمدها ” ترامب ” مع حلفاء أمريكا وبالأخص الأنظمة الخليجية .
في النتيجة الخاسر الأكبر في هذه المعركة المركبة هم الفئات أو المجموعات التي وضعت نفسها ومصير مستقبلها بيد الأمريكي الذي لا يهتم بنسب الربح والخسارة للغير، في الوقت الذي نجد فيه حكمة عالية وإرادة لا تقهر لدى سورية في معالجة كافة القضايا المعقدة بما فيها ما يُسمى القضية الكردية وشرق الفرات وإدلب وغيرها، ولديها الأجندة الوطنية الموضوعية في إعادة السيطرة على الجغرافيا السورية غير عابئة بخطط ومؤامرات الأخرين، وإن القضايا التي تعجز عن حلها المباحثات السياسة واللقاءات الدبلوماسية بين الأطراف المختلفة، يتعهد الجيش العربي السوري الباسل بحلها وإنهاء كل ما يُعرقل مسيرة تحرير سورية كاملة، وإن الشعب السوري بأغلبيته الساحقة يقف بقوة وصمود أسطوري خلف جيشه الباسل وقائده الشجاع السيد الرئيس بشار الأسد الذي حمى سورية في أعقد حرب عرفها التاريخ ..
محمد عبد الكريم مصطفى
Email: Mohamad.a.mustafa@Gmail.com