مساحة حرة

العلاقات السعودية- الإيرانية.. وراء در؟!

كانت الأمور في العلاقات السعودية- الإيرانية متجهة نحو التحسن بعد سلسلة من اللقاءات الدبلوماسية بدأت بزيارة مساعد وزير الخارجية الإيراني للشؤون العربية والإفريقية حسين أمير عبد اللهيان إلى الرياض، ثم تلاها اجتماع وزير الخارجية محمد جواد ظريف بنظيره السعودي سعود الفيصل على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة صدرت عنه مواقف توحي بنية الطرفين بإزالة العراقيل والمباشرة بحل المسائل العالقة، وصرح ظريف بأنه تلقى دعوة لزيارة السعودية، وأنه ينتظر لقاء الفيصل بعدها في طهران، وتوقّع متابعون أن تشهد المرحلة القادمة تطوراً في علاقات البلدين ينعكس بصورة إيجابية على الأوضاع في المنطقة، لكن هذا المسار توقف فجأة نتيجة سلسلة من الاتهامات الكاذبة أطلقها سعود الفيصل، في مؤتمر صحفي مشترك مع نظيره الألماني فرانك فالتر شتاينماير، عدّ فيها إيران في كثير من النزاعات في المنطقة «جزءاً من المشكلة وليست جزءاً من الحل»، وساق افتراءات بشأن وجود «قوات إيرانية في اليمن والعراق وسورية وأماكن أخرى» وعليها أن تسحبها لكي تستطيع أن تساهم في حل المشكلات.

والسؤال الذي يتبادر إلى الذهن: لماذا أراد رئيس الدبلوماسية السعودية المشهورة بعقمها وتحجرها العودة بالعلاقات بين البلدين الجارين إلى المربع الأول وتعكير الأجواء وتسميمها؟

ليست المرة الأولى التي تتخبط فيها السياسة السعودية وتبرهن على إفلاسها وعجزها عن إقامة علاقات متوازنة مع دول الجوار لكونها تحولت إلى سياسة عدوانية إرهابية يطول أذاها وشرورها دول المنطقة القريبة منها والبعيدة، مؤكدة كل يوم أنها تضع نفسها وثروات المملكة كلها في خدمة المشروع الأمريكي- الإسرائيلي في المنطقة بلا أدنى خجل أو حياء، وأنها مجرد أداة لتنفيذ أوامر واشنطن وتل أبيب، وعندما جاءت الأوامر أطلق أمير الإرهاب التكفيري سعود الفيصل سلسلة جديدة من الأكاذيب ضد إيران تهدف للتغطية على ما بات حقيقة موثقة بصوت وصورة جو بايدن هذه المرة وهو دعم حكام السعودية الجاثمين على صدر شعب الجزيرة العربية للإرهاب في العالم والمنطقة، ولاسيما في سورية والعراق.

كيف يستقيم كلام الأمير الوهابي الملطخة يداه بدماء شعوب المنطقة عن «قوات احتلال إيرانية» بينما تحتل القوات السعودية بمدرعاتها جهاراً نهاراً الأراضي البحرينية كلها؟ ومن يصدّق دموع التماسيح التي يذرفها بينما تتدفق أموال مملكته بلا حساب لدعم التنظيمات الإرهابية حتى بعد أن انضم نظامه إلى ما يسمى «التحالف»؟ وكيف يتعامى عن تصريحاته بالالتزام بتحويل أراضي بلاده إلى معسكرات لتدريب العصابات الإرهابية باسم «المعارضة المعتدلة»؟ وعلى مَنْ تنطلي هذه الأراجيف المكشوفة، والقاصي والداني يعرف كيف تتدخل المملكة في شؤون دول الجوار، وترسل المجاميع المسلحة لاحتلال البحرين وقمع شعبها، وتدفع بالسيارات المفخخة لتفجرها بالمدارس والمساجد والجامعات والأحياء السكنية في العراق وسورية واليمن بلا رحمة، ويعود ليغطي ذلك كله باتهام إيران بما سماه «التدخل في سورية وإرسال قوات عسكرية إليها»، في حين أن الإرهابيين السعوديين المتخرجين من مصانع آل سعود لتفريخ الإرهاب يشكلون طليعة أفواج التكفيريين العابرين للحدود الذين يتسللون أفواجاً أفواجاً إلى كل من سورية والعراق واليمن أيضاً.

إن أرقام وإحصاءات مراكز أبحاث عديدة تؤكد أن السعودية تتصدر قائمة البلدان المصدرة للإرهابيين الأجانب وهو ما يضع عشيرة آل سعود في مواجهة قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2178 الذي تفترض مصداقية تطبيقه -إن وجدت- أن تسارع الأمم المتحدة إلى مساءلة أمراء هذه العشيرة الحاكمة وفي مقدمتهم سعود الفيصل على صناعتهم وتصديرهم للإرهاب والفكر الإرهابي الذي أشعل الشرق وجعله جحيماً على سكانه.

ومن العجيب أن نسمع تنظيرات الفيصل عن الحلول السياسية لأزمات دول المنطقة ونظامه الحاكم أساس المشكلات فيها لأن مملكة لم تعرف نوعاً من الانتخابات في تاريخها ولا تسمح للمرأة بمجرد قيادة سيارة غير مؤهلة لإعطاء أي درس في الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان، ولأن التاريخ المعاصر لم يعرف حكماً مستبداً وطغياناً مطلقاً مثل النظام السعودي فهو جزء أساس من هذه المشكلات، وحتى يكون جزءاً من الحل فالمطلوب منه فقط الكف عن إرسال إرهابييه لقتل السوريين واليمنيين والبحرينيين والعراقيين، وكم أفواه مدّعي الدين، ومطلقي فتاوى الفتنة، ومنظري القتل والتكفير باسم الإسلام والتوقف عن إرسال السلاح والمال للمنظمات الإرهابية في تلك الدول..

وكم سمعنا عن تباهي وتفاخر أمير الإرهاب وآلته الإعلامية بمشاركة نظامه في التحالف الملغوم الذي تقوده الولايات المتحدة ضد إرهاب «داعش»، بينما حقيقة الأمر أن هذه المشاركة هي مجرد استعراض إعلامي شكلي ثنائي الهدف لتلميع صورة الحكم الملطخة يداه بدماء العرب الذين قتلتهم من ناحية، ولإضفاء صبغة دولية على تحرك الولايات المتحدة خارج إطار الشرعية الدولية من ناحية أخرى.

إن الحقيقة التي بات الرأي العام في العالم يدركها ويؤمن بها هي أن أي تحالف دولي صادق في مواجهة الإرهاب واجتثاث جذوره وتخليص البشرية من شروره يجب أن يستهدف موطنه ومنبعه في مضارب وبلاط آل سعود الذين ذهبوا بعيداً في دعم الإرهاب العالمي، وأوغلوا إلى أبعد مدى في دم الأبرياء وتخريب حياة ملايين الناس في هذه المنطقة.

لقد جاء الرد الإيراني على تخرصات الفيصل هادئاً كالعادة، إذ أكد مساعد وزير الخارجية الإيراني للشؤون العربية والإفريقية حسين أمير عبد اللهيان أن تصريحات سعود الفيصل وزير خارجية آل سعود بشأن إيران تتعارض مع أجواء المباحثات الدبلوماسية السائدة بين البلدين.

ولم يخف عبد اللهيان أن إيران تقدم دعمها للحكومتين والشعبين السوري والعراقي في مكافحتهم للإرهاب وفق القوانين الدولية.. وأضاف: «لو أنهت السعودية وجودها العسكري في البحرين لاستطاع هذا البلد حل أزمته عبر الحوار وما يجري في اليمن شأن داخلي».

وخلاصة القول: إن ما صرح به الفيصل لتعطيل أي تقدم في العلاقات السعودية- الإيرانية بعد بوادر تحسنها جاء بأوامر مباشرة من واشنطن لإطالة عمر الأزمات والحروب الإرهابية والفتن الطائفية بوساطة «داعش» وأمثالها، وهذا هو السر الكامن وراء تكرار أوباما ووزير دفاعه أن مكافحة تنظيم «داعش» سوف تستغرق سنوات وسنوات.

د. تركي صقر