line1مساحة حرة

الغرب يصحو.. والعبرة بالأفعال

كان تصريح بابا الفاتيكان فرنسيس الأول أمس في زيارته إلى كوبا لافتاً ومهمّاً في إعلانه الصريح «بعدم إمكانية حل أي قضية كبرى في العالم بمعزل عن روسيا».

وتأتي أهمية هذا التصريح لعدّة اعتبارات منها: إن العالم ينظر اليوم إلى الجديد في الدور الروسي من خلال الأحداث في سورية. وإن معالجة الأوضاع في سورية «قلب العالم» هي مركز الحدث السياسي الدولي الراهن.

إضافة إلى أن مثل هذا التصريح البابوي الكاثوليكي تجاه روسيا الأرثوذكسية نادر الحصول في القرن الماضي ومطلع الجاري… والأهم من ذلك كله أنه مقترن بالحقيقة والواقع، وهنا يكتسب بعداً مهمّاً آخر، فقد تصدّرت روسيا بهذه المعالجة للأزمة الناجمة عن الإرهاب في سورية والعالم مسرح الأحداث الراهنة بجدارة ومصداقية.

وقد أتى هذا التصريح متزامناً مع تصريحات رجال الدبلوماسية الغربية المتتابعة والمتسارعة والمفاجئة، والتي تُمثّل صحوةً وانعطافاً واعدين وإيجابيين، لكنهما يبعثان على التساؤل حول الأسباب، والتأخير، وعودة الوعي أم عودة الضمير، وفشل الرهان على العصابات المسلحة ومعارضة الارتزاق أم سطوع منعكسات الصمود السوري؟؟

وبعيداً عن اللهجة الانتصارية «وتوابعها»، فقد أنجز الصمود الذي حققه تلاحم الشعب والجيش والقيادة السورية ماكنّا نتوقعه، وما لم يكن يتوقعه أعداء الشعب السوري، وخونة الوطن والأمة. أنجز وعياً للواقع لم يعد بالإمكان القفز فوق حقائقه الساطعة. فالمشكلة في سورية هي أن الحل السياسي غير قابل للتحقيق أبداً قبل توحيد الجهود المشتركة الإقليمية والدولية لمكافحة الإرهاب وتنفيذ قرارات مجلس الأمن الثلاثة ذات الصلة والتي مضى عليها قرابة العام وفشل الغرب في تنفيذها.

والمشكلة أيضاً هي أن قوى التحالف بعد ضرباتها العديدة لم تنجز المطلوب، بل اقترنت إنجازاتها بالعجز والازدواجية والمراوغة، فإذا ما نجح التحالف السوري الروسي في دك قواعد الإرهابيين -وهذا يبدو قريب التحقق- فإن ذلك سيوضّح عدم جدية التحالف في ضرب الإرهاب، وفي تنفيذ قرارات مجلس الأمن، ما سيؤدي إلى فضيحة مفادها: إن قدرة قوى التحالف على هزيمة الإرهابيين كانت ممكنةً!!

ومع التأكيد على أهمية الدور الروسي، وضرورته لمواجهة العدو الإرهابي التكفيري الذي يهدد العالم أجمع، فإن هذا الدور، وغيره من المواقف الموضوعية والمؤيدة والمتفهّمة لحقيقة المواجهة بين الدولة الوطنية السورية، والعصابات الإرهابية الجوّالة، مبني على ما أنجزه صمود الشعب والجيش خلف حكمة وشجاعة القائد الأسد، ولاسيما أن سورية مع سنة 2013 تأكّد لكل متابع قدرتها على تجاوز الأزمة ودحر المؤامرة.

ولذلك يحق لسورية أن تعتبر جهود الأشقّاء والأصدقاء أفكاراً لا مبادراتٍ في سياق حل الأزمة سواء أكانت هذه الأفكار من إيران، أو روسيا، أو المبعوث الأممي. فالمبادرة الأساسية وطنية سيادية بذل في سبيلها شهداء الوطن الدم الزكي الطاهر، وقد أكد الأصدقاء هذا الحق بقوة وموضوعية وانتصروا له.

ومن هذا المنطلق ترحّب سورية بـ”بداية” التغيير في الموقف الغربي، وتتمنى أن تتم ترجمة هذه المواقف واقعياً على الأرض وأولها تنفيذ قرارات الشرعية الدولية التي نصّت بوضوح على مكافحة إرهاب أذرع القاعدة من داعش ونصرة وغيرهما.

فالباب مفتوح للمصداقية، وللاختبار، وللمشاركة أيضاً، ولم يعد بالإمكان أبداً التقدّم في طريق الحل إلا بعد دحر الإرهاب والتكفير والتطرف.

وفي هذا المجال كان كلام الرئيس الأسد مهماً جداً حين أوضح في حديثه مؤخراً لوسائل الإعلام الروسية أنه: “إذا قررت الدول الغربية أن تغيّر من سياساتها، فلا يوجد لدينا مانع من التعاون معها بشرط أن يكون هذا التحالف حقيقياً وليس وهمياً لمكافحة الإرهاب”.

وبناءً عليه يُتوقع في المستقبل القريب أن تتقاطر رجال الدبلوماسية الإقليمية والدولية في تسابق نحو دمشق.

د. عبد اللطيف عمران