مساحة حرة

المأزومون و«تحالف» سباق الهجن!

لا يمكن فهم مغزى الاستعجال السعودي لتشكيل «تحالف» مرتجل من 34 دولة من دون أخذ موافقة بعضها إلا من زاوية وصول المملكة الوهابية التكفيرية إلى حالة حرجة، بل ومأزومة،

وحائط مسدود أمام حروبها الفاشلة في اليمن والمنطقة عموماً ما اضطرها إلى أن تقفز فوق «تحالفات» اخترعتها أو شاركت فيها «كتحالف» ما سمي «عاصفة الحزم» و«الأمل» و«كالتحالف» الدولي الستيني بقيادة واشنطن ما يعني هروب أمراء بني سعود الجدد المراهقين الطائشين إلى الأمام لإخفاء هزائمهم وخسائرهم الفادحة، وإشغال  شعب المملكة عن مساءلتهم  بألاعيب جديدة و«تحالفات» وهمية ومسرحيات إعلامية مكشوفة لإثبات «الحضور والزعامة».

لو لم تفشل «التحالفات» السعودية السابقة التي طبلوا لها وزمروا كثيراً وأوهموا الناس بأنها «ستجلب لهم النصر المبين» بسرعة فائقة لما احتاجوا اليوم إلى الإعلان عن «تحالف» صوري ولد ولادة قيصرية في ليل دامس وبأهداف غامضة وآليات أكثر غموضاً ما يجعله فعلاً ملتبساً ومشبوهاً للتغطية على عورات النظام السعودي وحلفائه الفاضحة في دعم الإرهاب.

يقول الصحفي المصري البارز محمد حسنين هيكل: إن بعض الدول المشاركة في «التحالف الإسلامي العسكري» من أهم الداعمين لتنظيم «داعش» الإرهابي ويضيف: إن إعلان السعودية تأسيس «تحالف» عسكري جديد جاء بعد فشل «عاصفة الحزم».. وقد وجدوا أن «التحالف العسكري الإسلامي» هو الحل الوحيد للخروج من المأزق، وأشار إلى أن فلسطين محتلة منذ أكثر من 70 عاماً، مذكراً النظام السعودي بأنها قريبة ولم يتطرق نهائياً «تحالفها» العسكري الجديد لذكرها أو لمواجهة الكيان الصهيوني من أي نوع ..

على أية حال ومهما زيّنوا لهذا «التحالف» المشبوه من شعارات برّاقة يؤطرها زعم «محاربة الإرهاب» فلن يستطيعوا ردم الفجوة بين أفعالهم المشينة  القائمة منذ سنوات طويلة وعلى الأقل منذ خمس سنوات على إنتاج الإرهاب ودعمه بكل الإمكانات، وفتح خزائن ثرواتهم الطائلة لتمويله، وأقوالهم التي لا تساوي الحبر الذي يكتبون به أكاذيبهم بأنهم دعاة الحرب على العصابات وأنهم يعقدون «التحالفات لضربها»، ومن يصدق أن هؤلاء الذين مارسوا العهر الإرهابي بكل صنوفه وألوانه يمكن أن يحاربوا صنائعهم الإرهابيين وأدواتهم الإجرامية التي مازالت مستمرة في سفك دماء السوريين واليمنيين والعراقيين وهدم مقومات الحياة في بلدانهم.

من المضحك، بل شر البلية ما يضحك، كيف تتحول الرياض منبع الإرهاب الوهابي التكفيري المنتشرة شروره في أقاصي الدنيا بين ليلة وضحاها إلى عاصمة «للتحالف الإسلامي» العسكري «لمقاتلة الإرهاب»، ومن الممتع حقاً انتظار أن تحوّل السعودية «تحالفها» الجديد إلى واقع عملي، نزولاً عند رغبات واشنطن التي جال وزير دفاعها أشتون كارتر بين عواصم المنطقة  بحثاً كما يدّعي عن بنادق تقاتل الإرهاب،  فتنتظم القوات السعودية مع نظيراتها التركية والتشادية والقطرية والتوغية والبينينية والمالديفية وجزر القمرية وبقايا دول أخرى في غرفة عمليات وسط الرياض، «لتدير المعارك» ضد «داعش» و «النصرة» وغيرهما من مجموعات «قاعدية» انطلقت سابقاً من أراضي السعودية، وليصدق ذلك من يستطع!

ليس جديداً على المملكة الظلامية التحالفات الوهمية، إذ لها تجربة واسعة فيها فقد حشدت ضد اليمن عشرات الدول لكن «التحالف» السعودي ضد اليمن الذي برع في قتل الأطفال اليمنيين وكاد يجهز على جيل بأكمله، فتح مساحات واسعة من البلاد من عدن إلى حضرموت، وسلّمها إلى «قاعدة الجزيرة»  لذلك  من الصعب أن نتصور أن تنقلب السعودية على نفسها وتغير جوهرها وتكون على الضفة المقابلة للإرهابيين، عند الحديث عن حرب فعلية ضد الإرهاب.

كان الأجدر بالسعودية إن كانت جدية في حملتها الجديدة، أن تبدأ بإغلاق مصادر التمويل شبه الرسمية وحملات التبرّع الشعبية المموّلة للإرهابيين، وأن تنهي التحريض في المــــساجد، وأن توقف دعاة الفتنة في عشرات وسائل الإعلام الممولة منها، وأن تمنع توجّه الشـــباب السعودي للانضمام إلى التنظيمات الإرهابية في سورية، ولا يكفي التهديد الدعائي الكاذب بمحاكمتهم عندما يعودون وقد عاد الكثير منهم ولاقوا ترحيباً «كمجاهدين ومنافحين» عن العقيدة الوهابية التي تشبّعوا بها.

كل من له بصيرة سياسية لا يمكن أن يرى في «تحالف» السعودية الجديد «لمحاربة الإرهاب» سوى العنوان الذي يراد استخدامه زوراً وبهتاناً، لتغطية المزيد من الجرائم، ولجعله أمراً واقعاً لتبييض صفحة المملكة الملطخة بدماء أبناء المنطقة، لكن بجنود دول أغرتها بالمليارات، وجيوش أنظمة تتسول على أبواب البترو دولار، والتي ستحاول السعودية دفعها إلى دائرة النار التي أشعلها المتآمرون والممتدة من سورية إلى العراق إلى ليبيا مروراً باليمن المكلوم من جار السوء السعودي.

إنها مغامرة جديدة محكوم عليها بالفشل سرعان ما سيظهر أن آل سعود غير قادرين على أكثر من الإعلان عنها، وتأمين تمويلها لكن المفارقة ليست في أننا لن نرى جيش «التحالف» المزعوم  يحتشد لتحرير فلسطين، بل في كون الاحتلال الإسرائيلي، ومن خلفه الغرب، سيكون مدير هذا «التحالف»، سواء كان له دور حقيقي، أو كان مجرد قنبلة دخانية، هدفها التغطية على مسلسل الهزائم، وليس آخرها انتصار الشعب اليمني على آلة القتل والجنون السعودية ــ الأميركية وقبول الرياض مرغمة بمفاوضات سويسرا.

إنه «تحالف» غريب ومريب محوط بهمروجة إعلامية سياسية عالية التوتر لا تشبه سوى مهرجانات سباق الهجن وعقلية صبيان الحكم السعودي الذين صنعوه أمثال محمد بن سلمان ولي ولي العهد وعادل الجبير وزير الخارجية ولعل أبرز ما تريد السعودية من جرائه الأمور الآتية:

– تلميع صورتها عالمياً بعد تزايد الإدانات وتوجيه الاتهامات على أنها وراء كل العمليات الإرهابية في العالم لذلك هي بحاجة ماسة إلى «حماية معنوية» إزاء الهجمة التي تتعرض لها عالمياً منذ أن وصفت أول مرة بكونها «بؤرة الشر» بحسب تصريحات مسرّبة من جلسة مغلقة «للبنتاغون» في 6 آب 2002، بينما تصاعدت المطالبات بعد هجمات باريس في 13 تشرين الثاني إلى كبح جماح السعودية، وتجريم الوهابية لكونها أيديولوجية محرّضة على العنف والقتل وإزهاق أرواح البشر بلا حساب.

– التغطية على فشلها الذريع  في مواجهة «أنصار الله» في اليمن رغم أنها شكلت ما سمته «التحالف العربي»، وألقت بكلّ ثقلها العسكري ضدّهم، وأنفقت أكثر من 60 مليار دولار على حربها عليهم، واضطرت في نهاية المطاف إلى أن تخترع مثل هذا «التحالف» لتخفي هزيمتها، وهو تحالف لن يكون أفضل مما سبقه، وهل مَن هُزم في بقعة محدودة قادر على الانتصار في أرجاء العالم الإسلامي كله؟ فالخائب في أرضه وفي جواره لا يمكن انتصاره عبر القفار والبحار وبلدان أخرى.

– مشاغلة الداخل السعودي، فالإعلان عن «التحالف» جاءعشية وقف إطلاق النار في اليمن، ما يجعل ربطه بالمسألة اليمنية وثيقاً، إذا لم يكن اعتباره امتداداً لمرحلة ما بعد العدوان، واحتواء لتداعياته على الداخل السعودي بدرجة أساسية، إذ ليس مصادفة أن يأتي «التحالف» الجديد وكأنه بديل عن إعلان نتائج العدوان السعودي على اليمن، وعليه يسعى «التحالف» إلى إجهاض الأسئلة الكامنة والمرشحة للانفجار بعد فشل العدوان، وليصنع عنواناً جديداً يلهي به الرأي العام الداخلي عن المساءلة والمحاسبة.

والخلاصة: السعودية بهذا «التحالف» مع ما سبقه من ممارسات إجرامية في سورية والعراق واليمن خرجت من الظلّ في خدمة المشروع الصهيو – أميركي إلى العلن وارتضت المجاهرة بأنها خادمة لواشنطن وتل أبيب ومشاريعهما التدميرية ضدّ مستقبل العرب والمسلمين، ولكن كما فشلت «التحالفات» السابقة وأفلست فالفشل ينتظر «التحالف» الجديد بكل تأكيد.

د. تركي صقر