مساحة حرة

المعارضات المفلسة

كلما لاحت في الأفق بارقة أمل بمساع جدية وجديدة لسلوك مسار سياسي يفضي إلى حل سياسي مقبول ومعقول للأزمة في سوريةً ازدادت بعض «المعارضات» تخبطاً وتشرذماً وفقداناً للرؤية والتوازن والوزن وفي معرض الجهود الروسية الأخيرة وإمكانية عقد لقاء تمهيدي تشاوري في موسكو أواخر

هذا الشهر وصلت هذه «المعارضات» إلى حال لا تحسد عليه بعد أن تحولت إلى كرة أو كرات تتقاذفها أرجل قوى خارجية آخر همها وهمومها بل واهتماماتها وقف نزيف شلالات الدم السوري ولجم سعير الحرب العدوانية الإرهابية على سورية التي أكلت الأخضر واليابس ولا يعرف لها نهاية قريبة.

المضحك المبكي في حال بعض «المعارضات السورية» أن ليس لديها شيء تعطيه وتريد أن تأخذ كل شيء وأنها لا تملك إلا ورقة الاستقواء بالخارج وتريد أوراق التحكم بالداخل الذي يرفضها ويزدريها وينبذها جملة وتفصيلاً وفعلاً وواقعاً.. قتلتها أحلام الجلوس على كراسي الحكم وفتك بها شبق الوصول إلى السلطة فافتقدت لأي برنامج سياسي أو مشروع وطني وأصابها داء التوحد فلم تعد تعرف إلا ترديد أسطوانة مشروخة كالببغاء عما تسميه «إسقاط النظام» والتي لم يعد أحد يسمعها حتى من أوحى لهم بها، والأنكى من ذلك أنهم يكبرون ويضخمون المطالب ويزيدون الاشتراطات مثل ما سمي «خريطة طريق أو وثيقة التفاهم» بين طرفين من «المعارضة» التي لا تعد في أحسن الأحوال أكثر من وثيقة بين مفلس وخائب الرجا لم يبق لديهما ما يقولانه بعد أربع سنوات من عمر الأحداث في سورية سوى تكرار عبارات لا تمت للواقع بصلة، فرهاناتهما سقطت وأمرهما انكشف بعد أن لعبا منذ البداية دور المسوق للحرب الإرهابية على الشعب السوري وألبسوها لبوس الثورة وكانوا غطاء لاستمرار أعمال القتل والإجرام وليس خافيا أن هيئة التنسيق راهنت على ورقة ما يسمى الجيش الحر الذي فاق غيره من العصابات الإرهابية في ارتكاب الفظائع بل ومد يده إلى العدو الإسرائيلي في الجولان وتحالف مع جبهة النصرة وداعش إلى أن بدأ يبايعهما جهاراً نهاراً وذاب بهما مؤخرا ولم يبق له أثر يذكر.

وما يسمى الائتلاف عبارة عن خلطة وتركيبة عجيبة جمعتها مخابرات تركية وقطرية وسعودية وبالدرجة الأولى المخابرات الأمريكية وتضم شراذم متناحرة على المكاسب المالية وشخصيات فاشلة فقدت صلاحياتها حتى من قبل من صنعها واشتراها بحفنة من الدولارات وأسكنها في فنادق الخمسة نجوم ووجدت نفسها على الحائط بعد أن احترقت ورقة رهانها الأساسية بالاستقواء بالخارج لإيصالها على دباباته إلى كراسي الحكم في دمشق ولم تخف علاقاتها بالكيان الصهيوني وزيارة متزعمين بارزين بها إلى «إسرائيل» أمثال اللبواني وغيره وفتح معسكرات تدريب هناك بإشراف المخابرات الإسرائيلية وهي ما فتئت تشيد وتمتدح الأعمال الإجرامية لداعش والنصرة وكل التنظيمات الإرهابية لأخرى ولكن حصادها على الصعيد السياسي والشعبي مزيد من التقزز منها .

قامت هيئة التنسيق والائتلاف بالتفاهم على وثيقة في القاهرة قبل مؤتمر جنيف ولكن الائتلاف أدار ظهره لها حين شعر انه مدعوم أكثر من قوى خارجية مثل أمريكا وتركيا وكال الاتهامات للهيئة وأعضائها وعدّهم على طول الخط عملاء للنظام ولم يقبل حضورهم إلى مؤتمر جنيف (2) بالجولة الأولى ولا بالجولة الثانية، متوهما أنه سوف يستأثر بكعكة السلطة وحده ولكنه عندما عاد بخفي حنين من جنيف (2) واصفرت أوراقه وانفضت عنه مجموعات دول ما سميت زوراً وبهتاناً (أصدقاء الشعب السوري) عاد إلى أوراقه العتيقة والتاجر المفلس عادة عندما يصل إلى الإفلاس يعود إلى دفاتره القديمة، وهكذا كان حال هيئة التنسيق فعاد الفريقان المفلسان إلى الوثيقة القديمة التي أكل الدهر عليها وشرب وحاولوا تجديدها ولكن بعد فوات الأوان.

ولعل الطريف في قصص المعارضات السورية وحكاياتها موقف جماعة الإخوان المسلمين من المسعى الروسي ورفضه في بيان طويل وعريض، متناسية أنها وضعت على لوائح الإرهاب في عواصم احتضنتها مدة طويلة ولم يعد لها وزن في الداخل ولا في الخارج وهزمت في مصر وتونس شر هزيمة وقياداتها مطاردة في عواصم العالم وحتى السعودية والإمارات تطارد التنظيم وأجبر مجلس التعاون الخليجي قطر على وقف التعامل معها فما معنى هذا الاعتراض السخيف على اللقاء المزمع في موسكو إذا لم يخطر في بال أحد دعوة هذه الجماعة الإرهابية المطاردة والمنبوذة والتي أضحى التخلص منها ورقة للمساومات بين الدول مثل قطر والسعودية وتركيا وهل من إفلاس لجماعة باعت نفسها للشيطان أكثر من ذلك؟؟

قولاً واحداً هذه المعارضات أفلست في كل رهاناتها وباتت خلف الأحداث وهي تبحث الآن عن مقاعد قبل أن يفوتها القطار ولكنها في مثل هذه الوثائق البائسة وعباراتها المستهلكة الاستعراضية والافتراضية لن تجد من يأبه لها ويقيم لوثائقها وبياناتها المنمقة المعروفة المصدر والغاية والهدف أي اعتبار وطريق المتاجرة بالشعب وبالدم مغلق ولا مساومة على دماء الشهداء وتضحياتهم ومن كان ظهيرا للقتلة والمجرمين لا يطهره الحرص الكاذب والتباكي المزيف على ما جرى وعلى ما حلّ بالوطن نتيجة العمى السياسي الذي أصابهم منذ ما قبل الأحداث .

من كان ولا يزال غطاء للإرهاب ومظلة للإرهابيين وأعمالهم الوحشية في سفك الدم السوري وتقويض أركان الدولة السورية ومؤسساتها لا يمكن أن ينفع معه الحوار أو يكون صالحا له بعد أن كان مكلفا بتسويق الحرب العدوانية الإرهابية على الشعب والوطن طوال السنوات الأربع الماضية ووضع نفسه أداة رخيصة في خدمة المشاريع الخارجية سواء كان يدري أو لا يدري ولا نعتقد أن أدوار هذه المعارضات في ضوء الحديث عن مبادرات للحل الجدي تتعدى التعطيل والعرقلة والتشويش عليها وبتحريض من هذه الجهة أو تلك التي مازالت تعمل على إطالة أمد الحرب الإرهابية وتراهن على تغيير المعادلات على الأرض بعد أن أضحى زمام المبادرة في يد الدولة السورية وجيشها البطل.

 

تركي صقر