مساحة حرة

المعارضة.. والباصات الخضر

لم يكن فشل الاجتماع الأخير للمعارضة في الرياض هو أول فشل لها، ولن يكون الأخير أيضاً، ولهذا أسباب واقعيّة ومنطقيّة عديدة تتصل ببنية هذه المعارضة وبأهدافها المتعددة الضائعة والتائهة في آن معاً، ولاسيّما فيما يتعلق بجدول اجتماعها الذي لم يتصل بالقضية الوطنيّة الأساسيّة وهي أولويّة محاربة الإرهاب والتطرّف والتكفير.
من الطبيعي إذن، فشل الاجتماع، كما من الطبيعي صعوبة الرهان عليه، وعلى ماسبقه وما سيليه تحضيراً لاستكمال المسار السياسي لحل الأزمة سواء في جنيف أو غيرها. وهذا عائد إلى استحالة تشكيل وفد واحد أو موحّد منها في اجتماع الرياض أو في غيره لاحقاً ومستقبلاً، على غرار وفد الحكومة.

فمن منّا لايعرف أن المعارضة السوريّة عصيّة على التصنيف، وهي في هذا الجانب تشبه العصابات المسلّحة من حيث تعدّد التبعيّة والوسائل والأهداف والداعمين والمشغلين أيضاً.
ونحن لاشكّ في أننا نقيم فرقاً كبيراً بين بعض أطياف المعارضة، والعصابات المسلّحة. لكن الحقيقة هي أنّ المسألة شائكة جداً في تصنيف المعارضة السورية، وهي تبدو إشكاليّة واقعيّة وتاريخيّة، فهناك معارضة وطنيّة، ومعتدلة، وخارجيّة، ومسلّحة… إلخ..
وعلى العموم، فالمعارضة الوطنيّة قد تكون حاجة ملحّة، وهي في مسار التنمية ضرورة مثلها مثل المراجعة النقديّة، ولدينا في مؤسّسات الدولة الوطنيّة شيء واضح من هذا القبيل يتمثّل أكثر مايتمثّل في ما طرحه الرئيس بشار الأسد أثناء حديثه في اجتماع مجلس الوزراء 20/6/2017 . والحديث ذو شجون وغاية في الأهميّة، حيث ظهر سيادته – وكثيرون يتمثّلونه في مؤتمرات الأحزاب والمنظمات والنقابات وفي مجلس الشعب والإعلام – إنموذجاً ساطعاً وصادقاً للمعارضة الوطنية.
لكن بالمقابل فهناك التشكيلات الأوسع من المعارضة التي انتهزت برخص زمناً صعباً تمرّ به المنطقة والبلاد لتتاجر وترتزق وتراهن على المنجز الإرهابي في الميدان ولتستثمره سياسياً، ولا شك في أن هذا خيانة وطنية كبرى.
ففي ظلال تصدي النظام السياسي في سورية لمشاريع الاستسلام والتطبيع والغزو العسكري والثقافي والسياسي للمنطقة منذ أحداث أيلول 2001 وغزو العراق 2003 ونتائج مقتل الحريري 2005 والحرب على لبنان 2006 وعلى غزة 2008 وصولاً إلى الجريمة التاريخية بحق الوطن والأمة وما سمّي “بالربيع العربي”، في هذه الظلال كان موقف الشعب والجمهورية العربية السورية مشرّفاً تاريخياً ومنحازاً مطلقاً لصالح الوطن والعروبة والقضية المركزية، وانتصاراً للمشروع القومي في صراعه المستمر مع المشروع الصهيوني.
في معمعة هذه الأحداث، وبنتيجتها، وبنتيجة مواقفنا نَبَتتْ معارضة اتصلت أول ما اتصلت بالسفارات الغربية في دمشق… وتابعت مسارها المخزي الذي شكّل قطيعة تاريخية مع تطلعات الشعب العربي السوري وإرثه النضالي الحديث والمعاصر، معارضة تبني أحلامها وأوهامها مع البترودولار والرجعية العربية، تحمل من حيث تدري مشروعاً مناهضاً للمقاومة يصبّ بالمحصّلة مع المشروع الصهيوني. معارضة تستقوي بالخارج من الأعداء التاريخيين، أما بالداخل فتستقوي بالإرهابيين.
فأية معارضة تلك التي يُقلق أغلب تشكيلاتها هزيمة الإرهابيين عسكرياً واجتماعياً وسياسياً، وأية معارضة تلك التي لا تستطيع أن تأخذ المتغيرات الميدانية والإقليمية والدولية بالحسبان فتكون والحالة هذه رجعية أصولية استراتيجياً بامتياز؟!.
وأية معارضة تلك التي لا تستطيع تفسير أسباب اختلاف الموقف الإقليمي والدولي من هزيمة الإرهابيين في سورية عن هزيمتهم في لبنان والعراق؟!.
والحقيقة: سيتعب لافروف كثيراً وهو يبحث عن وضع السلالم المناسبة لنزول هكذا معارضة عن الشجرة، معارضة لم يتطلب انكشاف فضائحها زمناً طويلاً.
وإذا كنا بحاجة للتأويل والاستشهاد بالآية الكريمة “ليهلك من هلك عن بيّنة ويحيا من حي عن بيّنة” كون أغلب المعارضة إسلامويين، فإن حاجة المعارضة إلى الباصات الخضر، كما يبدو هي كحاجة المسلحين، وقد تكون تلك الباصات حلاً أساسياً لتشكيل وفد موحّد أو واحد.

د. عبد اللطيف عمران