مساحة حرة

انتصار حلب وأثره في التوازنات الدولية ؟

يُجمع المراقبون في الشرق والغرب بأن الأزمة السورية شكلت نقطة تحول أساسية في ميزان القوى الدولية، ولعبت دوراً بارزاً بل جوهرياً في تغيير شكل وطبيعة العلاقات الجيوسياسية على ساحة العالم، وأنهت حقبة بغيضة من تاريخ الصراعات التي كانت تتحكم في مجرياتها الدولة الأعظم في العالم وهي الولايات المتحدة الأمريكية التي كانت تقود العالم منفردة وفق متطلبات مصالحها الاستعمارية دون النظر إلى مصالح الشعوب الأخرى، حتى جاءت الحرب على سورية وحملت معها من المتناقضات والعوامل والمبررات ما يؤهل لتأسيس حقبة جديدة مختلفة كلياً عما كان سائداً قبلها، وقد بدأت تظهر ملامح المرحلة الجديدة العامة منذ بداية الحرب على سورية من خلال مجريات وأساليب عمل المنظمات الدولية وخاصة مجلس الأمن الدولي والجمعية العامة للأمم المتحدة، حيث تكرر استخدام ” الفيتو ” الروسي الصيني سوية أو الـ” فيتو ” الروسي منفرداً في أكثر من جلسة سابقة في وجه مشاريع لقرارات ظالمة ومخالفة للقانون الدولي كانت تُقدمها دول معادية لسورية من أجل النيل من سورية ومن خطها المقاوم للعدوان وأهدافه الاستعمارية، وكان آخرها ” الفيتو ” المزدوج الروسي الصيني يوم الاثنين الواقع في 5 كانون الأول ضد مشروع قرار تقدمت فيه كل من اسبانيا و نيوزيلندا و مصر يُطالب بهدنة في مدينة حلب، لوقف تقدم الجيش العربي السوري وحلفائه في معركة تحرير حلب، وتأمين ما يستطيعون من حماية للعناصر الإرهابية المحاصرة في شرق حلب .
لقد أكدت الوقائع والأحداث أهمية الدور السوري في التوازنات الدولية، وكانت الصورة الواضحة في إظهار حجم هذا الدور، هي الوقوف الثابت والراسخ للحلفاء الأساسيين روسيا والصين وإيران وغيرهم مع القيادة السورية والدفاع عنها في كافة المحافل الدولية، والمشاركة الفعالة في استصدار قرارات من مجلس الأمن الدولي تنسجم مع مصالح وسياسة الدولة السورية، وأهدافها في الحفاظ على استقلالها أرضاً وشعباً ومؤسسات وتحقيق المصالحات الوطنية على مساحة سورية، والقضاء على الإرهاب بكل أشكاله والوانه .
في الوقت الذي تتذرع فيه الولايات المتحدة الأمريكية بحربها الافتراضية على الإرهاب، وخاصة ضد تنظيم القاعدة، نجد أنها تغض الطرف عن دعم شركائها في المنطقة ( السعودية وقطر وتركيا ) للإرهاب وخاصة لفرع القاعدة في سورية ممثلاً بجبهة فتح الشام ( النصرة ) والتنظيمات الأخرى المشابهة، وقد ورد اعتراف علني للمرشحة المهزومة في انتخابات الرئاسة الأمريكية ” هيلاري كلنتون ” عن الدور الامريكي المباشر في إنشاء تنظيم “داعش” الإرهابي ودعمه بكل الوسائل لتمكينه من تشكيل دويلته الإسلامية المفترضة بالتقابل مع الدولة اليهودية في فلسطين المحتلة، لكن الصمود الأسطوري للجيش العربي السوري وحلفائه في المعركة، كان له الفضل في إجهاض هذا المشروع التخريبي الجهنمي ليس في سورية فحسب، بل لتدمير منطقة الشرق الأوسط برمتها، وتشكيل كنتونات متناقضة ومتصارعة وموالية للولايات المتحدة وحليفتها الحقيقية إسرائيل، والسيطرة على منطقة الشرق الوسط كأهم منطقة في العالم.
رغم كل المحاولات اليائسة للولايات المتحدة الأمريكية وأتباعها لخلق ظروف اقتصادية وسياسية وامنية ضاغطة على الدولة السورية وحلفائها، عبر الحصار الجائر والعقوبات الظالمة ومحاولة تجويع الشعوب، لم تتمكن من تحقيق اختراق جوهري في فك ارتباط الحلفاء، بل على العكس من ذلك زادت هذه المحاولات إصرار روسيا والصين وإيران وغيرهم من الحلفاء على استمرار الدعم بكل أشكاله للجيش العربي السوري في حربه المشّرفة على الإرهاب خدمةً للإنسانية جمعاء، من هنا يبدو جلياً الدور السوري ومكانة سورية في ميزان الصراعات الاقليمية والدولية، وإن عدم تقدير أعدائها لهذا الدور بدقة، جعلهم يقعون في مستنقع الاوهام والأحلام بإمكانية اسقاط القيادة السورية خلال أيام أو أشهر، في حين شهد العالم بأسره سقوط وهزيمة كل الرؤساء والمسؤولين الذين طالبوا برحيل الأسد، وبقي الرئيس الأسد يقود المعركة ضد الإرهاب بقوة واقتدار، بينما ظهرت نزاعات وصراعات بين دول المحور المعادي لسورية نتيجة انتصار سورية .
جاءت معركة حلب وانتصار الجيش العربي السوري وحلفائه فيها ضربة في الصميم لكل أعداء سورية، يقول الكاتب والسياسي الكندي في مقاله على موقع غلوبال ريسيرتش : ” إن الانتصارات المتلاحقة التي يحققها الجيش العربي السوري في مواجهة الإرهاب وتقدمه المتواصل في حلب أدخل واشنطن وحلفاءها في أوروبا في حالة ذعر حقيقية مشيراً إلى أنهم يخشون الكشف عن حقيقة دورهم في إنشاء تنظيم داعش الإرهابي ..”، وهي ليست الشهادة الوحيدة من الغرب ذاته على الدور القذر للولايات المتحدة وحلفائها في إنشاء ودعم التنظيمات الإرهابية ومحاولة حمايتهم .
حقيقة لقد غيرت انتصارات الجيش العربي السوري وحلفائه في حلب كل التوازنات الدولية في الصراع على الشرق الأوسط وبات الموقف السياسي للأعداء مجردا من أوراق القوة التي كانت تستخدمها العصابات المسلحة عبر قذائف الحقد والغدر على الأحياء المدنية في حلب، وأصبحت التنظيمات الإرهابية على قناعة تامة بهزيمتها القريبة ليس في حلب وحدها، بل على كافة الأراضي السورية..

محمد عبد الكريم مصطفى