مساحة حرة

انتصار دير الزور الإستراتيجي

لم يكن الانتصار الكبير الذي حققه الجيش العربي السوري وحلفائه في دير الزور مجرد كسب لمعركة عادية كبقية المعارك التي خاضها الجيش العربي السوري على مساحة الوطن بالرغم من أهمية كل معركة من تلك المعارك وارتباطها بفك حلقة هامة من حلقات مكافحة الإرهاب والقضاء عليه في سورية والمنطقة، وما يُميز الانجاز الكبير الذي تحقق في فك الحصار عن مدينة دير الزور بعد ثلاث سنوات من صمود الشعب والجهات الرسمية والقوات المرابطة هناك، إنه أجهض آخر رهان لدى محور الأعداء في فرض ما عجزوا عن تنفيذه في الحرب عبر السياسة من خلال ترسيخ حالة راهنة والتمسك بها في أي توجه  لحل سياسي ممكن، من خلال تثبيت حلفاء أمريكا على الأرض وتشجيع المشاعر الانفصالية والتقسيم، وقد سبق أن مهدت لتنفيذه على الأرض بالتعاون مع أتباعها وأدواتها، و تجلى ذلك بتشكيل أليات حكم تنفيذية في مناطق سيطرتها ومن ضمنها دير الزور والمناطق التابعة لها والمتواجدة فيها مجموعات ” داعش ” في الشمال الشرقي لسورية وبقية أدوات أمريكا، وإقامة قواعد عسكرية أمريكية لدعم العناصر التابعة لها وتمكينها من تنفيذ المخطط المرسوم لها في المناطق التي تسيطر عليها، ومنع القوات السورية وحلفائها من دخول تلك المناطق، ولو تطلب الأمر مواجهة عسكرية معها وقد فعلتها الطائرات الأمريكية باسقاط طائرة حربية سورية، في الوقت ذاته تمسكت القوات السورية وحلفائها بمشروعية المعركة ووحدتها على مساحة الجغرافيا السورية بالكامل، والإصرار على تحرير كافة المناطق التي تُسيطر عليها التنظيمات الإرهابية مهما كانت النتيجة وحجم التضحيات، إضافة إلى تشبث القوات المتواجة على الأرض بمواقعها والدفاع عنها بكل الإمكانات المتوفرة بالرغم من محدوديتها، من هنا نستطيع القول بأن انتصار القوات السورية وحلفائها في معركة فك الحصار عن دير الزور وعن المواقع العسكرية المتواجدة فيها انتصار إستراتيجي بكل ما للكلمة من معنى، كما وصفه الرئيس الروسي ” فلاديمير بوتين ” برسالة التهنئة التي وجهها للسيد الرئيس بشار الأسد في تحقيق هذا الانجاز الاستراتيجي الهام، وهذا ما أكدته كذلك أغلب التحليلات العسكرية والسياسية، لجهة اسقاط آخر رهان في جعبة محور الأعداء والقضاء على أمل زرع بعض المفاصل الموالية لها في الحكومة السورية القادمة والتي ستُسمى حكومة ” المصالحة الوطنية ” أو ما تُطلق عليه الولايات المتحدة وحلفائها وأدواتها في المنطقة “الحكومة الانتقالية”.

إن السير بهذه السرعة في الحسم العسكري ضد “داعش” يخلق فرص جديدة في أدلجة حلول موضوعية ومصالحات واسعة في مناطق عديدة، أهمها الغوطة الشرقية وريف حمص الشمالي ومحافظة إدلب، ويدب الخوف والرعب في نفوس المغرر بهم من كل مناطق سورية، ويُشجعهم على العودة إلى حضن الوطن وتسوية أوضاعهم، سيما وأن الحكومة السورية تتعامل مع هذا الملف بأخلاقية عالية وصدر مفتوح لكل من يعود عن الخطأ ويسلم سلاحه وينخرط في المشاريع الوطنية وأهمها مشروع حماية الوطن والزود عنه، إن عقلية التسامح التي تستخدمها الحكومة السورية مع المسلحين الخارجين على القانون، أتت أُكلها في كثير من المناطق، حيث تم تجاوز الكثير من العقبات وتثبيت حالات وقف إطلاق النار وتشجيع الناس للعودة إلى أعمالها ومصالحها.

لقد أثبت الشعب السوري في اكثر من مناسبة قدرته الفائقة على تذليل المصاعب والكبس على الجراح، ووضع مصلحة الوطن العليا فوق أي مصالح آنية ضيقة، وما الالتفاف الشعبي الواسع خلف منتخب سورية الوطني لكرة القدم والتعاطف معه سوى انعكاس للحالة الوطنية رأيناها بوضوح على صفحات التواصل الاجتماعي وفي الشوارع السورية متماثلة عقب إعلان الجيش العربي السوري وحلفائه تحقيق الانتصار العظيم في دير الزور وهزيمة التنظيمات الإرهابية ومشغليهم في أهم منطقة من مناطق سورية .

يُثبت الجيش العربي السوري من جديد بأنه صاحب الأرض وسيد المعركة، ولا صوت يعلو فوق صوت بندقيته التي تصنع النصر تلو النصر من حلب وريفها إلى حمص وتدمر وجرود عرسال وأخيراً وليس آخراً دير الأبطال الميامين الذين هزموا الزور وأصحابه …

 

محمد عبد الكريم مصطفى