اخترنا لك

باختصار .. البوصلة هي سورية

بتواضع، يصر الإعلام السوري على اعتبار فلسطين هي البوصلة .. وكأنه يعترف بأن خروجه من المحنة تحصيل حاصل، أما فلسطين فليست ضمن هذا الحساب لأسباب وأسباب، ولذلك تظل الهدف الأسمى لسورية ولا نعرف ما إذا كان بقية العرب لديهم التعريف ذاته أم أن لكل قطر عربي بوصلته الخاصة.

لا بد من الاتفاق أولا وفي ما يخص سورية أنها بالنسبة لي على الأقل وضمن ظروفها الخاصة، بل ضمن الرهان على مستقبلها، هي الهدف الذي لا يتجاوزه أي آخر. وبكل الحنين إلى تلك الـ سورية التي داعبت حياتنا من مرتع الطفولة إلى هذه المرحلة من العمر .. بل بكل مانعرفه عن هذا القطر العربي الذي يجسد تاريخا تصبح فيه دمشق عاصمته الكبرى، فإن للشام سحرها الذي نعشقه، وطيب ثراها الذي شممنا رائحته، وحلاوة الفيجة وبقين وعين الخضرة، وسحر قاسيون الذي ينشر فوق العاصمة المحببة الشهبا.

لا شك أن فلسطين في أدبياتنا مهبط الروح، وهي من علامات القداسة التي تجلت بوجود القدس بين جنباتها، لكن الشام، التي نعايش جيشها العربي وهو يكاد يعيش مع شهيقي وزفيري، تستحق أن تكون بوصلتي في زمن عربي فقدت فيه كل البوصلات، وصار الممسك بواحدة منها كأنه قابض على الحقيقة التي قد لا تتكرر.

أكاد اقول أنني عايشت إذن تلك الروائع للجيش العربي السوري، كأنني معه دائما في تجربة لها كل مقاييس البطولة التي لم أقرأ عنها ولم أسمع بها، ولم أرها .. كأنه جبل الصوان الذي قالت فيه فيروز ” بدنا نكمل باللي بقيوا “، وما بقي كثير ويتناسل كل يوم .. الأبطال لا يموتون، يدخلون أوطانهم في مفهوم بقائهم أحياء، يعلموننا كيف حال الكلمات التي يجب أن تقال في حضرتهم.

لهذه الأسباب كلها بوصلتي سورية، اذا سقطت ليس بعدها من بوصلة فمن يأخذني الى فلسطين، ومن يصنع لي حلم الوحدة، بل من يمسك بيدي كي أتحسس دائما أن لي رأسا لم ينحن، ثم من يأخذ بيد ابنائي إلى الحرية.

لأن الأعداء تكاثروا عليها، فهي هدفي، لأني أراهم واحدا واحدا وأتطلع بوجوههم المصفرة، ولأنهم مشغولون بترتيب غرفهم السرية للإطاحة بها، ولأن عقلهم الباطن وما يسرون لبعضهم يقول لابد من إسقاط قلعة العروبة، تراني أراها هدفي، بوصلتي، رقمي الصعب، تراثي الذي تعلمته يوم رفضت البكالوريا اللبنانية لأدرس السورية بعدما شاهدت كتبها وكيف يربى المواطن العربي السوري على هدايا دولته ونظامه ورموزه القيادية.

فليعذرني الفلسطيني الذي قدمت لفلسطينه التي هي فلسطيني، عمري ودمي وتاريخي ولم أبخل ولن، إلا أن سورية التي تذوق طعم المرارة، وهي التي صنعت أشهى حلوى الأمان، ويشوى شعبها على مرأى من العالم الذي لم أره يوما إلا متخلفا وجائرا وصاحب قلب وعقل بارد.

مهما استجمعت من أسباب لتكون سورية بوصلتي، سيظل مالم أذكره اكثر .. يكفي أن لسورية جيشها الذي احتار فيه الأعداء قبل الأصدقاء، فهو بالتالي نجم من نجوم التاريخ ، وأبرز ظواهر البطولة فيه.

زهير ماجد | الوطن العمانية