مساحة حرة

بعد قذائف الإرهابيين على الرمثا .. ماذا بعد؟

بات واضحاً أن القذائف التي سقطت على مدينة الرمثا قبل أيام هي (نيران صديقة من جانب الجماعات المسلحة أخطأت هدفها، أو قذائف طائشة، وربما خطأ مقصود يحمل رسالة دلالاتها معروفة) هذا ما أكد عليه الكاتب الصحفي السياسي الأردني الموالي فهد الخيطان في مقالة له.

وهي القذائف التي سقطت في سياق ما أسمته العصابات الإرهابية المسلحة العاملة في جنوب سورية (عاصفة الجنوب) والتي شاركت فيها بحسب ناطق باسمها كل (الفصائل) هناك، حيث هاجمت درعا من 7 محاور، بعد تحضير للهجوم استغرق شهراً ونصف الشهر. والتي كما تدل المعارك على الأرض أسفرت كالكثير مما شنته هذه العصابات وغيرها بالفشل الذريع.

أما لماذا تيقن الأردن الرسمي من أن القذائف كان مصدرها ( نيران صديقة) فليس فقط لأنها هاونات وصناعة أمريكية، بل أيضاً لأن سورية لو أرادت إشعال جبهة مع الأردن لوصلت صواريخها إلى ما هو اعمق من بضع عشرات أمتار داخل الحدود الأردنية، بل لأن أيضاً لا مصلحة لمن يشعل هذه الجبهة ، غير من يعمل لغير صالح سورية وغير صالح الشعب الأردني ومحور المقاومة ككل، بل لمن يعمل لصالح العدو الصهيوني بنهاية التحليل، وهم ليسوا على جهل بذلك، بل يحرصون عليه بشدة وحماس.

ولكن ما يثير قلق الشعب الأردني، أن يستمر تسخين الحدود مع سورية من جهة الأردن، واستمرار النيران الصديقة بالتساقط داخل الحدود الأردنية، لدفع الأردن إلى التورط أكثر ومباشرة وبقوات نظامية أردنية وغير أردنية، إضافة لتدريب وتسليح العشائر السورية الشرقية الذي جرى الحديث عنه أردنياً؛ رسميا بشكل لا يحتمل اللبس أو التاويل ، بل إن الناطق الرسمي الأردني د. المومني قال في مؤتمر صحفي قبل أيام أن الأردن (متعاقد) مع أطراف إقليمية في شأن مساعدة الشعب السوري، وهو التصريح الذي لا يحتمل سوى الانغماس المحدود جغرافياً داخل سورية، من قبل الأردن وسواه، وعندما يتحدث د. المومني عن دور إقليمي، فهذا يعني أبعد من مشاركة دول عربية فحسب.

ويبدو أن الاستراتيجية السورية تتركز منذ بدء المؤامرة عليها في آذار 2011، على عدم الانزلاق في مقاومتها للعصابات الإرهابية العابرة للحدود التركية واللبنانية والأردنية والعراقية ومن الداخل أيضاً، إلى خارج حدودها، حيث أن معنويات الجندي السوري والمقاوم بعامة تكون أقوى بالدفاع عن ترابه الوطني، من التورط خارجه، فضلاً عن أن هذه الإستراتيجية لا تمنح مبررات مجانية للزعم بأن (سورية تهدد جيرانها) كما قيل عن العراق في عهد الرئيس العراقي الراحل صدام حسين، حتى بعد سنوات طويلة من انسحابه من الكويت وانتهاء الحرب مع إيران، فيما تهديد سورية يأتي من جيرانه تسليحاً وتدريبا وتمويلا وتدفقا للإرهابيين ودعماً إعلاميا وسياسيا واستخبارياً، حتى أن استمرار فتح الحدود لمن يسمون (لاجؤون) لا يخدم الدولة الوطنية السورية، ويشكل استغلالاً بشعاً لآلام السوريين.

وتقول تقارير أن الكيان الصهيوني ينتظر فرصة اشتعال الجبهة الأردنية السورية، للعبور شرق النهر ووادي عربة،بذريعة أن حدوده لم تعد محمية بإنشغال الجيش الأردني شمال سورية وربما غرب العراق أيضاً، وبذريعة وجود مخاطر مزعومة من مجاوريه تهدد أمن الأردن واستقراره، وهو ما حاول العدو الصهيووني استغلاله غير مرة، وفي الأسابيع الأخيرة لمرض ووفاة الملك حسين؛ لكن الأردن وسورية فوتا عليه حينها فرصة الاصطياد في المياه النظيفة.

وينتظر الصهاينة هذه الفرصة أيضاً، لاستكمال تهويد القدس، واستكمال خطتهم بشأن يهودية كيانهم، وطرد مئات آلاف جديدة من الشعب الفلسطيني، شرقاً، بالتزامن مع تصاعد دعوات تصعيدية ضد الوطن البديل دون الارتقاء بها إلى مقاومة مصدر فرض الوطن البديل، المتمثل بالعدو الصهيوني ومن يشد على يده، ما قد يشغل عن مواجهته ويشعل مواجهات داخلية.

فضلا عن ذلك، ستجد خلايا إرهابية نائمة (رأينا بعض مظاهرها) خلال السنتين الأخيرتين، في انشغال الأردن الرسمي خارج حدوده، وملاحقته لبعضها، أو دعمه لبعضها الآخر، فرصة للتمدد في ظروف معيشة وبطالة صعبة، تغذي مفاعيلها ممارسات (إسرائيل) في فلسطين والمنطقة، لاستجلاب بيئات حاضنة للإرهاب، وبالتالي جر الأردن في الداخل إلى مثيل ما حدث وسيحدث في غير دولة في المنطقة العربية.

هذا ليس كل شيء، فالتورط في مناطق محاذية هادئة أو مشتعلة، غير إرسال بعض مئات أو آلاف من رجال الأمن أو الدرك أو حتى الجنود أو سوى ذلك إلى مناطق بعيدة؛ في نطاق قوات حفظ السلام (مع أنني شخصياً ضد ذلك أيضاً) لكن ذلك أخف بلاءً من التورط المباشر الجغرافي، والمتداخل ديمغرافيا، واقتصادياً وأمنيا ، فضلا عن عوامل الجوار والتاريخ والدين والقومية، مع ملاحظة أننا في إقليم واحد، ما يصيب بعضه من كوارث سيصيب الآخرين، سواء في المدى القريب أو البعيد، الأمر الذي لا يستوجب الظن، بأن البعض سيرث مزايا نسبية لما يصيب دول الجوار العربية، بل على النقيض من ذلك، والأمثلة أكثر من بينة وماثلة.

وفي آن علينا ان ندرك أيضاً، أن أمريكا أو الكيان الصهيوني، لن يحموننا حقيقة في حال لم نستطع القيام بالدور، فأمريكا (بعد بوش والمعارضة الأمريكية الشديدة لتورطه بمئات آلاف الجنود الأمريكان في أفغانستان والعراق) لم تعد مستعدة لدفع الدم والمال دفاعاً حتى عن (مصالحها) بل على الآخرين الدفاع عنها بدمائهم وأموالهم ومآلاتهم في النهاية.

وهكذا يكون الأردن بدلاً من التوسع والتمدد في الخارج، بحسب دعواتٍ مزايدةٍ من بعض المنافقين، وربما المرتبطين بأجندات خارجية، قد خسر الداخل.

ربما لا يكون الأردن قادراً على الانضمام لمحور المقاومة، وربما ليس مطلوباً منه ذلك، ولكن المطلوب أن لا يكون في المحور الآخر، لأجل استقراره النسبي وأمنه القومي ومصالحه العديدة، ولتجنب حصاد ما بعد الحرب على سورية وخلالها، وانسجاما مع مشاعر ومطالب أغلبية الشعب الأردني.

ولا بد أنه في هذه اللحظات الدقيقة من تاريخ الأردن والأمة والمنطقة، يستوجب على كل مواطن أردني وعربي تلمس ما تحت قدميه، والنظر بعيداً بعين المواطنة المخلصة الوفية، وإدراك أنه لا مجال للنفاق أو الرش سكراً على الموت، أو المجاملة، فالخطر محدق لا يستثني أحداً، وقول كلمة الحق لأصحاب القرار بات مطلوباً، من قبل كل مواطن وفيّ مخلص صادق حريص على الوطن الأردني وعلى أمته ودينه ودولته من أن يمسسها سوء.

ليس للأردن مصلحة في المضي فيما هو ذاهب إليه، من تدريب وتسليح لعشائر سورية وعراقية وغيرها، ولا في ان يكون جزءاً من تحالف لـ(مساعدة الشعب السوري) ولا في البقاء ضمن التحالفين الأمريكي والسعودي، ولا في استمرار استقبال المزيد من اللاجئين السوريين، بل وفي إعادة سريعة لمن قدم منهم إليه، ومصلحته في إغلاق المعابر غير الشرعية، ووقف غرفة العمليات (الموك) ورصد الخلايا الإرهابية النائمة في الأردن وتوجيه أشد الضربات ضدها، وفي إصلاح أحوال الشباب المعيشية لكي لا يتحولوا إلى دواعش وقنابل موقوتة وسيارات مفخخة، وإتاحة الحريات الديمقراطية لـلتيارات القومية واليسارية والوسطية والليبرالية والمتنورة للتعبير عن نفسها والوصول الى كل الهيئات التمثيلية، وبما لا يتيح للتكفيريين والوهابيين والإرهابيين فرص النفاذ وتخريب استقرار البلد، الأمر الذي سيحصن الدولة الأردنية تجاه الإرهاب والكيان الصهيوني والضغوط الأمريكية والغربية والرجعية العربية، ويمنح البلد فرصة لاستقلالية قراره السياسي واقتصاده الوطني وعلاقات طيبة مع شعبه وأمته وأصدقائه الحقيقيين.

 

محمد شريف الجيوسي